علي عبد الحميد علي
وفي هذا اليوم الذي حققت فيه المقاومة في لبنان انتصارًا تاريخيًا يضاف إلى سجل انتصاراتها على هذا العدو الصهيوني البغيض، بمنعه من تحقيق أهدافه بالقضاء على حزب الله واحتلال الجنوب، ورسم خريطة شرق أوسط جديد، والذي ظن أنه قاب قوسين أو أدنى من تحقيق تفوق حاسم وانتصار استراتيجي على المقاومة الإسلامية في لبنان، أو هكذا صوَّر له خياله المريض، بعد أن تمكن من القضاء على، واغتيال القائد المقاوم الشهيد حسن نصر الله، والقائد الأسطورة يحيى السنوار، ورفاقهما، بل والقضاء على قيادات الصف الأول في المقاومة الإسلامية، إلا أن حزب الله تمكن من التماسك وتجاوز هذه الضربات العنيفة، لتواصل المقاومة ضرباتها الموجعة والمؤثرة إلى قلب كيان العدو. وصدق القائد المقاوِم حين قال: لقد ولَّى زمن الهزائم.. وحقًا ولَّى زمن الهزائم، فمن انتصار المقاومة في 1982، وطرد قوات الاحتلال الصهيوني من جنوب لبنان، إلى الانتصار في 2006 ، إلى الضربة القاصمة من خلال طوفان الأقصى في السابع من تشرين أكتوبر 2023 بقيادة حماس والجهاد الإسلامي ومشاركة كافة فصائل المقاومة الفاعلة، هذا الطوفان الهادر الذي يؤكد أن الأمة بكل قواها الحية قادرة على إلحاق الهزيمة بالعدو وصولاً إلى تحرير فلسطين من النهر إلى البحر.
ومن مظاهر الفرحة الغامرة بعودة أهل الجنوب إلى مُدنهم وقراهم فور الإعلان عن التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار (هُدنة مؤقتة أو قد تطول)، رغم الدمار الهائل الذي لحق بالضاحية وعموم المُدن والقرى اللبنانية في الجنوب، ، بينما لا يزال سكان مستوطنات شمال فلسطين المحتلة غير قادرين على العودة إلى مستوطناتهم والتي وعدهم بها الإرهابي رئيس وزراء دولة الكيان الغاصب.
إلى مظاهر الدمار الهائل والقتل الذي يتواصل في غزة والضفة، والظروف المأساوية التي يعيشها أهلنا هناك، والتي لم تحرك لها ساكنًا المنظمات الدولية ولا حقوق الإنسان والدول الكبرى، ناهيك عن أمة عربية ودولها وجكوماتها لم تتحرك ولا يبدو أن الأمر يعنيها، بل والأكثر من ذلك يبدو أنها قد تجدها فرصة للتخلص من هذا الصداع.
وبين مظاهر الفرحة بوقف العدوان على لبنان، والمشهد المأساوي في غزة والضفة (فلسطين)، وحرب الإبادة المتواصلة على أهلنا وشعبنا، فإنه يجب النظر بوضوح ودون لبس إلى طبيعة المرحلة الراهنة نتيجة هذا المتغير الجديد بوقف إطلاق النار في لبنان، بينما لايزال العدوان الإرهابي على غزة، ولا تزال المقاومة الفلسطينية تتصدى له ببسالة منقطعة النظير، ومنعًا للخلط والصيد في الماء العكر.
وفي هذا الإطار أرى ما يلي:
_ إن بنود الاتفاق الأخير بوقف إطلاق النار والدخول في هدنة لمدة ستين يومًا (هدنة مؤقتة وقد تطول لتصبح واقعًا جديدًا)، بنود هذا الاتفاق لا تزال غير معلومة، ولا بُعرف تفاصيلها بعد، وهو ما يفتح الباب للقيل والقال، والمتربصين بالمقاومة كُثر، خاصة أولئك الذين ينفخون في نيران الطائفية، ويخدمون مخططات العدو بوعي أو بدون وعي.
_ إن شعار وحدة الساحات الآن على المحك، فلا يمكن أن تُترَك غزة وحدها دون إسناد أو دعم، فإن قوى المقاومة الأخرى والتي تجسد وحدة الساحات شعارًا وفعلاً، عليها أن تؤكد وجودها إسنادًا لغزة وفلسطين، والأمر هنا يحتاج إلى إجابة عملية وواضحة من إيران، وصنعاء اليمن، وقوى المقاومة في العراق، وهو ما يعني ضرورة أن تتواصل ضربات قوى المقاومة وساحاتها بأعلى درجات الكفاءة إلى مواقع العدو الصهيوني في فلسطين المحتلة، فلا بد أن تكون الرسالة واضحة باسناد غزة وقوى المقاومة الفلسطينية وفصائلها.
_ وإذا كان للجبهة اللبنانية الآن لها ظرفها الخاص، وبالتأكيد تحتاج المقاومة وحزب الله ، إلى لحظة التقاط أنفاس، لإعادة ترتيب أوضاعها، في ظل أوضاع لبنانية خاصة ودولية، فهناك قوى في الداخل اللبناني تتربص بالحزب والمقاومة، وتنتظر اللحظة المناسبة للإجهاز عليه، وهيهات أن يتحقق لها ذلك.
_ وإلى كل من ينظرون إلى الاتفاق الأخير، ويتشككون فيه، ويتندرون بقوى المقاومة، أقول لهم : هيا تقدموا الصفوف، وأرونا عظيم أفعالكم فيما تتصورون فيه فشل الآخرين، أو هلا مارستم الضغوط على حكوماتكم لتقدم فعلاً إيجابيًا تدعم به المقاومة، أو تحث حكومات هذا الزمن الردئ أن تمارس ولو مجرد إجراء خشن ضد دولة الكيان.. سقطت الأقنعة، ولم تجرؤ دولة واحدة من دول التطبيع أن تقطع.. مجرد قطع العلاقات مع العدو.. بل هي سادرة في غيها بمنع القوى الشعبية في أقطارها أن تعبر عن مشاعرها ولو بمجرد مظاهرة، بل لا تزال هذه القوى الشعبية بكل نُخبها غير قادرة أن تمارس فعلاً إيجابيًا ولو محدودًا.
_ إن الحرب مع العدو الصهيوني هي حرب طويلة الأمد، ولا يمكن الآن كما قال القائد الشهيد أن تنتهي بالضربة القاضية، وانما هي معارك وجولات متصلة عبر حرب استنزاف طويلة تتمكن بها المقاومة بنهاية المطاف من إرهاق العدو الصهيوني، وجبهته الداخلية، وتُعمِل قانونها بتفكيك دولة الكيان وشعبه بحيث يشعرون أن لا أمان لهم في فلسطين.
_ إن المقاومة في فلسطين ولبنان، وعبر ما يزيد عن العام، حققت فيها ضربات نوعية ومؤثرة وموجعة نالت من العدو، كانت تتصور أن جماهير الأمة ستلحق بها، وكم من نداءات وجهتها إلى جماهير الأمة العربية والإسلامية أن تنهض إسنادًا ودعمًا للمقاومة، وطال الانتظار، بما يفت في عضد المقاتلين المجاهدين، إن نزيف الدم الهائل في فلسطين ولبنان لم يكن كافيًا لأن تنهض الأمة من سباتها العميق وغفلتها، وليس مبرَرا لها أنها تقع تحت عجز واستبداد حكامها، الذين أفقروا شعوبهم وأحكموا عليهم الخناق في دائرة العجز والتبعية، وراحوا في الخفاء بناشدون العدو أن أجهزوا على المقاومة للتخلص من هذا الصداع، في استعادة واضحة لنهج ملوك الطوائف، بل لحكام الدويلات في مصر والشام الذين راحوا يتحالفون مع الفرنجة زمن الحملات الصليبية.. بل ذهب الأمر بأحد وزراء أخر خليفة فاطمي في مصر حينها بالتحالف مع الإمارات الصليبية. وما أشبه الليلة بالبارحة إذا تتسابق حكومات ونظم وممالك عربية في تقديم الدعم والعون لدولة الكيان، وتتسابق لنيل رضا السيد الأمريكي.
_ إن العدو الأصيل للأمة العربية وكما تعلمنا من جمال عبد الناصر القائد التاريخي لحركة الثورة والمقاومة العربية، هي الولايات المتحدة الأمريكية زعيمة الإمبريالية العالمية، وراعية قوى الشر والعدوان، والذي يمد الكيان الصهيوني الغاصب بكل مصادر الحياة، فما دولة “إسرائيل” إلا قاعدة عسكرية أمريكية متقدمة، لمنع الأمة العربية من استعادة وحدتها وقوتها وحضارتها، وكما يقول زعماء الولايات المتحدة الأمريكية: لو لم تكن إسرائيل موجودة لأوجدناها. إسرائيل ضرورة وصنيعة أمريكية تتعهدها بالرعاية وتضمن لها الحمياية والاستمرار خنجرًا مسمومًا في جسد الأمة.
_ ومن ثم فإن أمريكا لا يمكن أن تكون وسيطًا للتفاوض، أمريكا هي العدو، وهي تستمد قوتها من خذلان حكامنا، وأموال نفطنا وثرواتنا، ثم نحج إليها في بيتها الأسود.. فمتى لهذه الأمة أن تفيق من غفوتها.
إن هذه الأمة قادرة على النصر، بل هو الممكن الوحيد.
وتحية إلى كل شهداء المقاومة في فلسطين ولبنان وكل ساحات الفعل المقاوِم.
وأبدأ.. أبدًا.. لن ننساكي فلسطين.. وغدا يتحقق النصر الأكيد .. أثق فيه كما أثق في انبثاق الفجر بعد سواد ليلٍ طويل.
هو إيمان بالله.. ورسله.. وكتبه.. ورسالته التي يأمرنا فيها بالاستخلاف.. وهويأمرنا بأن نُعِد للأمر عدته، فهل نحن فاعلون.
وعلى الله قصد السبيل.