أبعد من جنين ومخيمها.. لا جدوى من انتظار “يقظة فتح”

عريب الرنتاوي

في دلالات ما يجري في جنين ومخيمها، وتوقيته، ما يشي بأننا إزاء لحظة انتقال نوعية على الطريق ذاته؛ طريق التكيف وإعادة التكيف مع مخرجات الحل الإسرائيلي للقضية الفلسطينية، الذي بدا أن السلطة في رام الله، لم تَحِد عنه، طيلة السنوات الخمس عشرة الماضية.

طريق بدأ متدرجًا، وإن كان ذا اتجاه واحد، على أنه بلغ لحظة انعطاف، يتعين معها على السلطة، أن تشهر بالأفعال لا بالأقوال، أين تصطف ولِمن تنحاز، وكيف قرأت دروس وخلاصات حرب التطويق والتطهير والإبادة، التي أتت على الأخضر واليابس في قطاع غزة، كما في أطراف الضفة الغربية.

في النظر إلى مجريات “الحملة الأمنية” الفلسطينية، على المدينة والمخيم، “تأسطرا” في الذاكرة الفلسطينية، أقله في ربع القرن الأخير، بالنظر لمقاومتها الباسلة للاحتلال، وتصديهما لحملاته البربرية المتلاحقة، ثمة ثلاث مدارس في التفكير السياسي الفلسطيني الدارج:

الأولى؛ وتجسدها السلطة، بالأفعال والأقوال هذه المرة، ومفادها، أننا بصدد تفاقم ظاهرة “فلتان الأمن والسلاح”، وأن من يتحصن في جنين وجوارها، ليسوا مقاومة، بل مليشيات سائبة، مدفوعة في الغالب، بأجندات وأوامر خارجية، من قبل عواصم، لا يؤتى على ذكرها صراحة، ولكن لا يخفى على المتابع متوسط الذكاء، أن القوم يقصدون إيران وحلفاءها.

بهذا المعنى، يبدو ما حصل فعلًا من أفعال بسط “السيادة” من قِبل سلطة، لا سيادة لها على “عاصمتها المؤقتة”، دع عنك أطراف ولايتها المنقوصة، في شمال الضفة وجنوبها، لا سيما بعد أن أخذ التعدي على خرائط أوسلو، حد التعامل مع المنطقتين؛ “أ و ب”، بالمندرجات التي تحكم الاحتلال للمنطقة (ج).

الثانية؛ وتجسدها فصائل المقاومة، التي تنظر إلى ما يجري بوصفه “سدادًا مقدمًا” لفواتير واستحقاقات، بعضها يتصل بتقديم أوراق اعتماد لترامب وإدارته، العائدَين بقوة إلى البيت الأبيض والكونغرس بمجلسيه.

فضلًا عن كونها محاولة بائسة لاجتياز “استحقاق الجدارة” لإدارة “اليوم التالي” لغزة. بعض قوى وشخصيات المقاومة والمعارضة تذهب إلى حد افتراض “التماهي” بين حملة السلطة، وحملات الاحتلال على المدينة والمخيم والمقاومة، لكأن السلطة بما تفعل إنما تستكمل ما بدأه الاحتلال في شمال الضفة، وتعثّر في إنجاز مراميه، استكمالًا وتوازيًا وتزامنًا، مع ما يجري من حرب كارثية على القطاع المنكوب.

الثالثة؛ وتجسد وجهة نظر فريق من السياسيين والمثقفين الفلسطينيين، “أقلوي” في حجمه ونفوذه وتأثيره، وينظر إلى المعركة الدائرة في محيط المدينة والمخيم، بوصفها محاولة، تنقصها الحصافة، لتفادي أسوأ السيناريوهات الصهيونية، المُعدة للضفة بأرضها وسكانها ومقدساتها، وأن السلطة إذ تكشّر عن أنيابها في هذه المرحلة، فبدافع الخشية من مخططات “التهجير”، وإعادة إنتاج سيناريو غزة في الضفة الغربية.

بعض هؤلاء يرون أن الطريقة التي أدارت بها السلطة ما تسمّيه “معركة استرداد جنين” كانت سيئة للغاية، مضطربة ومرتبكة، فيما البعض الآخر، يرى أنه لا بدّ مما ليس منه بدّ.

الرهان الخائب ذاته

من بعض ما رشح، يبدو أننا أمام سيناريو “المزيد من الشيء ذاته”، ما تفعله السلطة اليوم – امتدادًا لفلسفة ما بعد الانتفاضة الثانية، وما بعد ياسر عرفات – إنما ينتمي إلى مدرسة تكنّ للمقاومة، بالذات المسلحة منها، عداءً أيديولوجيًا صارمًا، لم تؤثر في صرامته، تطورات الزمان، وتعاقب الأحداث والزلازل التي ضربت ساحات الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.

لكأننا أمام فصل من فصول “الإنسان الفلسطيني الجديد”، الذي يجمع ما بين “تعاليم” الجنرال كيت دايتون، ومواعظ مجرم الحرب على العراق، توني بلير. تلك النظرية التي تعرضت لضربة صاعقة، بخروج “جيل الألفية” أو “Generation Z”، الذي افترش ساحات القدس، وسلوان، والشيخ جرّاح، وامتشق السلاح في مختلف المخيمات والقصبات، وأعاد بفعله المقاوم، وضع مدن وبلدات منسية على خريطة المواجهة الفلسطينية – الإسرائيلية الممتدة من أزيد من قرن من الزمان.

يبدو أن الضربة التي لم تمت “نظرية الإنسان الجديد”، قد أحيتها، بل وأبقتها “غبّ الطلب” عند كل تطوّر أو احتياج. ولمن لا يعرف شيئًا عن فحوى هذه النظرية، نختزلها بالقول إنها عقيدة أمنية ابتدعها جنرال أميركي متقاعد، ويسهر على ترجمتها جنرال آخر هو مايكل فينزل، لا محل فيها لمفهوم المقاومة، فكل مقاوم إرهابي بالضرورة، وأن إسرائيل ليست العدو، بل هو الإرهاب المهدد لها وللسلطة، وأن “جيش الدفاع” وأذرعته الأمنية، “مشروع حليف” للسلطة، وهي تعمل على إنجاز مشروعها، الذي لا يتطابق بالضرورة، مع المشروع الوطني للشعب الفلسطيني.

هذا هو الإطار الإستراتيجي العام، الذي حكم سلوك السلطة من قبل ومن بعد، وهذه هي الأرضية المشتركة، التي أضفت على “التنسيق الأمني” هالة من القداسة، والتعبير للسلطة بالمناسبة، وليس لخصومها، وتحت هذه المظلة، وتحتها فقط، يمكن تفسير هذه “القسوة” البالغة ضفافَ “الوحشية”، التي يجري بها التعامل مع المقاومين وفصائلهم أو “مليشياتهم وعصاباتهم” وفقًا لقاموس السلطة، والتي لا يمكن أبدًا إدراجها في سياق “التجاوزات الفردية”، ولا يمكن الأخذ على محمل الجد، حكاية “التحقيق ولجانه”، التي كلما تكاثر الحديث عن تشكيلها، أوغلت الحقيقة في ضياعها.

في التوقيت ودلالته

ثمة قراءة عند البعض في السلطة، بأن المشهد الإقليمي/الدولي، بصدد استدارة، توجب البحث عن “مكان تحت الشمس” للفلسطينيين في ثناياها وسياقاتها. طوفان الأقصى عصف بمحور المقاومة، أضعفه بالنقاط المتراكمة في غزة، ولبنان، وسوريا، وإيران، وإن لم يقضِ عليه بالضربة القاضية الفنية، كما في لغة الملاكمة والمصارعة.. وإن المقاومة في فلسطين، بالذات “الجهاد الإسلامي”، لا بواكيَ لها بعد اليوم، ولا غطاء.. وإن الوقت الآن، مناسب تمامًا لإعادتها إلى “قمقم” السلطة والتنسيق الأمني.

وعلى مبعدة أسابيع قلائل، سيأتي من أقصى ولاية فلوريدا، رجل يسعى لحل مشاكل العالم، بضربة سحرية (أو بهلوانية) ما إن تطأ قدماه، عتبات البيت الأبيض.. وأن الرجل لا يكنُّ ودًّا للفلسطينيين، لا سلطة ولا مقاومة، وأنه من الأفضل للفلسطينيين الانحناء أمام عاصفته العاتية، بدل المقامرة بالانكسار أمام عصفها الشديد.

السلطة، بصدد تقديم أوراق اعتماد للإدارة الجديدة، أو بالأحرى لـ”مجاهيل” هذه الإدارة، التي كانت سخيّة مع اليمين الإسرائيلي، دفعت له بكرم باذخ، من كيس القدس والجولان وأهدته “صفقة القرن” ومسارًا أبراهاميًا مدمرًا. وهي تنوي، وفقًا لمختلف القراءات، زيادة تقدماتها من كيس الفلسطينيين؛ لإشباع شهية اليمين الفاشي الذي لا يتوقف نهمه للمزيد.

والحملة على جنين، تأتي في ذروة نقاش وخلاف، يدور رحاهما في القاهرة، حول “اليوم التالي” والإسناد المجتمعي لغزة، في ظل موافقة المقاومة، وتحفظ السلطة التي تخشى التهميش وإعادة إنتاج السيناريو الذي انغمس فيه بعضٌ من رموزها قبل عقدين، وكان الهدف منه في حينها، تهميش ياسر عرفات وقصقصة أجنحة نفوذه وصلاحياته، قبل أن تدور الدوائر، ويطلب من هذا النفر ذاته، الشرب من ذات كأس التهميش.

هو اختبار جدارة، ترغب السلطة في اجتيازه، حتى وإن تلطخ بدماء مقاومين ومدنيين وصحفيين، فالمسألة لا تحتمل الانتظار، وسط قناعة بأن القادم للبيت الأبيض “لا يمزح”، وأن الحرب على غزة قد تضع أوزارها في الأسابيع والأشهر القليلة القادمة.. لقد سئمت السلطة سؤال الموفدين المتكرر: إن كنتم عاجزين عن بسط الحكم والسيطرة على منطقتي “أ وب” في الضفة، فكيف سنثق بقدرتكم على إحكام القبضة على “غابة السلاح والأنفاق” في قطاع غزة؟

للسلطة رهاناتها، الخائبة على نحو متكرر، من دون أن “تقف وتفكر” ولو للحظة واحدة، للبحث في فرص تغيير المسار، واستبدال الرهانات.. كل ما تفعله، هو الهبوط الواقعي المتكرر بسقف الأهداف والطموحات والمشروع الوطني، حتى وإن ظلت لفظيًا تتشدق بالشعارات القديمة ذاتها، فلا رابط من أي نوع، بين اجترار الشعارات القديمة، وما تمليه من إعداد لإستراتيجية وطنية بديلة، لمواجهة استحقاقات مرحلة إستراتيجية جديدة، يخوض غمارها الشعب الفلسطينيّ.

المؤسف، أن السلطة بما تفعله وتقوم به، إنما تعتقد بأنها ستنجو، وأنها ستحصل على “شهادة حسن سير وسلوك”، من تل أبيب وواشنطن بالطبع، وليس من شعبها، حتى وإن كان ذلك على حساب أهداف ومرامي مشروعها الوطني، الذي قامت من أجله.. لكن في المقابل ستتلقى ضربتين في الرأس، حتى وهي في ذروة حملة “تطويع” جنين ومخيمها:

أولاهما؛ ما تردد عن طلب عواصم عربية وازنة، من إدارة ترامب، العمل على التخلص من الرئيس عباس، الذي يبدو أن لا حول له ولا قوة، ويأبى المغادرة والرحيل الطوعيَين، في زمن التغيير السريع والحاسم، لأنظمة أكثر استقرارًا، سبق لها أن أدخلت الوراثة على النظام الجمهوري في دمشق.

أما الضربة الثانية؛ فتتمثل في رفض نتنياهو وفريقه الأشد تطرفًا، الاستجابة لطلب أميركي بتزويد أجهزة السلطة بأسلحة رشاشة فردية بذخائر متواضعة، وكمية من السيارات المصفحة، تقيها رصاص وحجارة المقاومين وحاضنتهم الاجتماعية في جنين.

نتنياهو وفريقه، لا يثقان بالسلطة، حتى وإن “أشعلت أصابعها العشرة كالشمع”، فما يخططان له في الضفة، لا يلحظ وجود سلطة قوية، وجُلّ ما يمكن أن تجود به القريحة الإسرائيلية، جهاز أمني ملحق بالشاباك، أو كتيبة جديدة من “المستعربين”، من أصحاب البشرة الفلسطينية، هذا هو سقف المشروع الإسرائيلي الأعلى، أما حده الأدنى، فعودة إلى روابط القرى في طبعة جديدة، غير منقحة وغير مزيدة، تحت اسم روابط المدن.

كان حريًا بالسلطة، أن تلجأ للحل السياسي، عبر الحوار، للتعامل مع ظاهرة جنين وشمال الضفة. كان يتعين عليها، تجريب خيارات أخرى، غير تجييش الحملات الأمنية، وكان يمكن لمنطق “المعتدلين” القائل بسحب الذرائع، أن يشق طريقه، لا سيما أن أحدًا لا يريد لجنين والضفة، أن تلقيا مصيرًا مماثلًا لغزة، في ظرف إقليمي غير مواتٍ. لكنها اختارت طريقًا يضمن الإقصاء بدل الشراكة، في صنع القرارات والسياسات والتفاهمات.

يبدو أن السلطة لن تتخلى عن رهان الخائبين، ولن تَكفّ عن مطاردة خيوط الدخان، المبثوثة في ثنايا “حل الدولتين” والوعد بمسار “لا رجعة عنه”، وطريق “ذي مغزى”، إلى آخر ما هنالك من تعابير ومصطلحات، اشتقت بعناية للتخلي والتراجع عن مبادرة بيروت العربية للسلام مع إسرائيل.. سؤال أحسب أنه يستبطن جوابًا.

المصالحة والممثل الوحيد

المقاومة في وضع صعب ومعقد في المقابل. هي في غزة تكابد تحت وطأة الكارثة الإنسانية والحرب التي طالت واستطالت، وتوقف معظم جبهات الإسناد، إلا اليمنية منها، والتغيرات الجيوبوليتكية العاصفة في الإقليم، بدءًا من دمشق.

وفي الضفة، هي لا ترغب في الانزلاق في أتون صراع داخلي مسلح، فيما الاحتلال جاثم على صدور الفلسطينيين وأرضهم ومقدساتهم، يتربص الفرصة للانقضاض على الجميع، ويعمل مثل “محراك الشر” لزرع الفتن والصراعات الداخلية، متعددة الطبقات والأطراف.

والمقاومة التي وضعت من بين أهداف الطوفان، إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني، بتجاوز الثنائية القاتلة: “شرعية بلا شعبية، ومقاومة شعبية بلا شرعية”، تجد نفسها بعد خمسة عشر شهرًا من القتال والصمود والثبات، وسيل لم ينقطع من التضحيات، أبعد عن تحقيق هذا الهدف من أي مرحلة مضت، في ظل إصرار رئاسي مدعوم غربيًا وعربيًا، على إقصاء فصائلها عن مؤسسات السلطة والمنظمة “الشرعية”، وتحت تهديد سيف إسرائيلي مصلت على عنق “المقاطعة”.

لم يبق طرف، فلسطيني أو عربي أو دولي، إلا وتدخل لاستعادة المصالحة والوحدة، دونما جدوى، ولم تَكفِ حرب التطويق والتطهير والإبادة، ولا الزحف الاستيطاني وعمليات الأسرلة والتهويد في القدس والضفة، لإقناع السلطة بفتح أبوابها وأبواب المنظمة، لمن هم خارجها، أو من ينوبون عنهم من شخصيات ترتدي البذلات وربطات العنق والقمصان المنشّاة، من فنيين وتكنوقراط وبيروقراط.

في ظني، وليس كلُّ الظن إثمًا، أن تطورات الطوفان، وما رافقه من أداء مؤسف للسلطة والرئاسة والمنظمة، وفي ظل انسداد مسارات المصالحة والحوار، بعد عقدين من انطلاقها، وبالأخص بعد الحملة على جنين ومخيمها، توجب الكفّ عن بيع أوهام المصالحة واستعادة الوحدة. تعنت السلطة لا يماثله سوى تعنت أنظمة سادت ثم بادت، وبدل أن تكون جزءًا من الحل، بات الحل مشروطًا برحيلها.

لقد آن الأوان للتفكير من خارج الصندوق، والبحث عن صيغة لاسترداد المنظمة، وإعادة بنائها من جديد، فكل حديث عن إصلاح وبعث، بات هراءً مملًا، بعد أن انقضى على أولى جولاته، أزيد من أربعين عامًا، زمن الانشقاق الأول في دمشق.

لا يعني ذلك إغلاق الباب بإحكام، في وجه محاولات موضعية للعمل المشترك، أقله من باب درء المفاسد وتفادي الفتن، ما ظهر منها وما بطن، فذلك أمرٌ متروك للميدان واللحظة السياسية والتطورات على الأرض. بخلاف ذلك، يتعين على القوى الحيّة في الشعب الفلسطيني، من داخل الفصائل وبالأخص من خارجها، شق طريق إستراتيجي جديد، لا يرهن المستقبل، بأيدي مَن ارتضى البقاء في ماضي الأوهام والرهانات الخائبة المجربة.

وفي ظني كذلك، أن زمن انتظار “يقظة فتح” قد ولّى. ولا يتعين بعد الآن، الرهان على انبثاق قاطرة التغيير من رحم “العمود الذي كان فقريًا” للحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة.

فقد جرت مياهٌ كثيرة منذ أوسلو حتى اليوم، وديناميات العلاقة بين جموع فتح والسلطة، تشير إلى أن الكتلة الرئيسة منها، سرعان ما ستنحاز إلى أسوأ خيارات السلطة، عند اللحظات الفاصلة، ومن كان لديه شكّ في ذلك، فليرقب أداء الحركة طيلة أشهر الطوفان والإبادة، وبالأخص، خروجها اللافت انتصارًا للحملة الأمنية على جنين وجوارها.

وإذا كان ثمة إجماع فلسطيني على أن السلطة قد ابتلعت المنظمة، فإن إجماعًا مماثلًا يأخذ طريقه للتشكل بأن السلطة ابتلعت فتح كذلك، إن بشراء صوتها أو ضمان صمتها، إلا من رحم ربي من كوادر ومناضلين، مبثوثين على امتداد الانتشار الفلسطيني، في الوطن والشتات، من دون مركز يجمعهم، أو قيادة تؤطرهم، ومن دون قدرة على التأثير في مسار المواقف والسياسات المتبعة.

هي لحظة فارقة بامتياز، يتداخل فيها الداخلي (الفلسطيني) بالداخلي (الإسرائيلي)، بالتطورات العاصفة في الإقليم من حولنا، بالمشهد الدولي الذي ينتظر لحظة فارقة كذلك في العشرين من يناير/ كانون الثاني القادم، وثمة حاجة لإعمال العقل والتفكير فيما نحن فاعلون.

نقلا عن الجزيرة نت

Beyond Jenin and Its Camp… There is No Point in Waiting for “Fatah’s Awakening”
By: Areeb Al-Rantawi

The significance of what is happening in Jenin and its camp, and its timing, suggests that we are facing a qualitative shift on the same path—the path of adaptation and re-adaptation to the outcomes of the Israeli solution to the Palestinian issue, which seems to have been followed by the Ramallah Authority for the past fifteen years.

This path began gradually, though one-directional, but it has reached a turning point where the authority must now demonstrate through actions, not words, where it stands, whom it aligns with, and how it has learned the lessons from the lessons of the siege, cleansing, and extermination war that devastated Gaza as well as parts of the West Bank.

Looking at the course of the Palestinian “security campaign” on the city and the camp, which have become legendary in Palestinian memory, at least in the last quarter-century, given their steadfast resistance to the occupation and their defense against its successive brutal campaigns, there are three prevailing schools of thought within Palestinian political discourse:

First: Represented by the Authority, both in actions and words this time, arguing that we are facing the worsening phenomenon of “security and weapon chaos,” and that those holed up in Jenin and its surroundings are not a resistance, but rather loose militias, mostly driven by foreign agendas and orders from capitals, which are not openly mentioned but are obviously referring to Iran and its allies.

In this sense, what has occurred—acts of “sovereignty” by an authority that has no sovereignty over its “temporary capital”—has led to dealing with areas classified as “A and B” under the Oslo maps, according to the regulations that govern the occupation of area C.

Second: Represented by the resistance factions, who view what is happening as a “down payment” for debts and entitlements, some of which are related to presenting credentials to Trump and his administration, which are returning with power to the White House and Congress. It is also seen as a desperate attempt to meet the “worthiness” requirement for managing the “next day” of Gaza. Some resistance forces and opposition figures go as far as to assume a “merger” between the Authority’s campaign and the occupation’s campaigns on the city, the camp, and the resistance, as if the Authority, by what it is doing, is completing what the occupation started in northern West Bank, a project that failed to achieve its goals, all while coinciding with the catastrophic war on the besieged Gaza Strip.

Third: Represented by a small group of Palestinian politicians and intellectuals, who see the battle around the city and the camp as an ill-advised attempt to avoid the worst Zionist scenarios prepared for the West Bank, its land, its people, and its holy sites. They believe that the Authority, showing its teeth at this stage, is doing so out of fear of “displacement” plans and the re-production of the Gaza scenario in the West Bank.

Some of them argue that the way the Authority has handled what it calls the “Battle for Jenin” has been disastrous—confused and disorganized—while others believe it is something that must be done, however difficult.

The Same Lost Bet

From what has leaked out, it seems that we are facing a scenario of “more of the same,” what the Authority is doing today—continuing the philosophy of the post-second Intifada era and post-Yasser Arafat—is part of a school that holds a strict ideological enmity toward resistance, especially armed resistance, an enmity that has remained unchanged despite the passing of time, the evolution of events, and the shocks that have hit the Palestinian-Israeli conflict arenas.

It seems we are facing a chapter of the “new Palestinian man” concept, which combines the teachings of General Keith Dayton and the sermons of the war criminal Tony Blair. This theory, which received a blow with the emergence of the “Millennial” or “Generation Z” youth, who filled the streets of Jerusalem, Silwan, and Sheikh Jarrah, took up arms in various camps, and restored forgotten towns and villages to the Palestinian-Israeli confrontation map, has been revived by this generation’s resistance efforts.

It seems that the theory of the “new man” has not died but rather has been kept alive and is now always “on demand” with every new development or need. To summarize, this theory is a security doctrine created by a retired American general, with its translation overseen by another general, Michael Venzel, where there is no place for the concept of resistance. In this view, every resistance fighter is an automatic terrorist, Israel is not the enemy but rather the terrorism threatening it and the Authority, and the “Defense Army” and its security arms are “allies” of the Authority, working on completing its project, which does not necessarily align with the national project of the Palestinian people.

This is the general strategic framework that has governed the Authority’s behavior before and after, and it is the shared ground that has given the “security coordination” an aura of sanctity, a term directed at the Authority and not its opponents. Under this umbrella, and only under it, can the “extreme cruelty” with which the Authority deals with the resistance factions or their “militias and gangs,” according to the Authority’s vocabulary, be explained. This cruelty cannot be categorized as “individual excesses,” and the “investigation and its committees,” which keep multiplying in discussion, cannot be taken seriously.

In Timing and Its Significance

There is a reading within the Authority that the regional/international scene is about to turn, necessitating a search for a “place under the sun” for the Palestinians within its contexts. The Al-Aqsa flood has weakened the resistance axis, accumulated points in Gaza, Lebanon, Syria, and Iran, though it hasn’t been knocked out, as in boxing or wrestling language. It is also believed that there is no one left to speak for Palestinian resistance in Gaza, especially the “Islamic Jihad,” and that the time is ripe to return it to the “bottle” of the Authority and security coordination.

In a few weeks, a man from the farthest corner of Florida will come, claiming to solve the world’s problems with a magical (or acrobatic) move once he sets foot in the White House. This man has no affection for the Palestinians, neither the Authority nor the resistance, and it is better for the Palestinians to bend before his storm rather than risk being crushed by it.

The Authority is in the process of presenting credentials to the new administration, or rather to the “unknowns” of this administration, which was generous to the Israeli right wing, giving them a rich reward from the funds of Jerusalem, the Golan, and the “Deal of the Century,” along with a destructive Abrahamic path. According to various readings, the Authority intends to further increase its contributions from the Palestinian people’s resources to satisfy the insatiable appetite of the fascist right.

The campaign against Jenin comes at the height of a debate and disagreement unfolding in Cairo about the “next day” and the community support for Gaza, amid the resistance’s approval and the Authority’s reservation, which fears marginalization and the re-production of the scenario in which some of its symbols were involved two decades ago. The goal back then was to marginalize Yasser Arafat and trim his wings of influence and powers, before the circles turned and this same group was asked to drink from the same cup of marginalization.

This is a test of worthiness, one that the Authority wishes to pass, even if it is stained with the blood of resistance fighters, civilians, and journalists. The matter cannot wait, amidst the conviction that the next arrival at the White House “is not joking,” and that the war on Gaza may be coming to an end in the coming weeks and months. The Authority is tired of the repeated question from the envoys: “If you are unable to exercise control over Areas A and B in the West Bank, how can we trust you to secure control over the ‘weapons and tunnels jungle’ in Gaza?”

The Authority has its repeated failed bets, without ever “stopping to think” for even a moment, to search for opportunities to change course and replace its failed bets. All it does is lower its goals, ambitions, and national project in a real, repeated descent, even as it continues to mouth the same old slogans, with no connection whatsoever between the regurgitation of old slogans and what is required to prepare an alternative national strategy to face the demands of a new strategic phase in which the Palestinian people are engaged.

Reconciliation and the Only Representative

Resistance, on the other hand, is in a difficult and complex situation. In Gaza, it struggles under the weight of the humanitarian disaster and the prolonged war, with most of the support fronts, except for the Yemeni one, having ceased, along with the geopolitical upheavals in the region, starting from Damascus.

In the West Bank, it does not wish to slip into the quagmire of an internal armed conflict while the occupation sits on the chest of the Palestinians, their land, and their holy sites, waiting for the opportunity to pounce on everyone and acting as a “stirrer of evil” to plant internal conflicts.

The resistance, which included among its objectives the rebuilding of the Palestinian political system by overcoming the fatal duality: “legitimacy without popularity, and popular resistance without legitimacy,” finds itself after fifteen months of fighting, steadfastness, and sacrifice, further from achieving this goal than ever before, under the presidential insistence supported by both the West and the Arabs, to exclude its factions from the institutions of the Authority and the “legitimate” organization, under the threat of the Israeli sword hanging over the “Muqata’a.”

No Palestinian, Arab, or international party has refrained from intervening to restore reconciliation and unity, to no avail. The siege, cleansing, and extermination war, along with settlement expansion and the process of Israelization and Judaization in Jerusalem and the West Bank, have not been enough to convince the Authority to open its doors to those outside it, or their representatives in the form of technocrats, bureaucrats, and experts in suits and ties.

In my view, and not all suspicion is sinful, the developments of the flood, coupled with the disappointing performance of the Authority, the presidency, and the organization, and in light of the deadlock in reconciliation and dialogue paths after two decades of their launch, especially after the campaign on Jenin and its camp, require the cessation of selling illusions of reconciliation and unity restoration. The Authority’s stubbornness is matched only by the stubbornness of regimes that have come and gone, and instead of being part of the solution, the solution has become conditioned by its departure.

It is time to think outside the box and search for a formula to restore the organization and rebuild it anew. All talk of reform and revival has become tedious nonsense, after over forty years since the first split in Damascus.

This does not mean completely closing the door to localized attempts for joint work, at least to prevent harms and avoid internal conflicts, whether visible or hidden. That matter is left to the field, the political moment, and developments on the ground. Otherwise, the active forces in the Palestinian people, both inside and outside the factions, should carve a new strategic path that does not bind the future to the hands of those who have chosen to remain in the past of illusions and repeated failed bets.

In my view as well, the time for waiting for “Fatah’s awakening” has passed. There should no longer be any hope for a locomotive of change emerging from the womb of the “spinal column” of the modern Palestinian national movement.

A lot of water has passed since Oslo until today, and the dynamics of the relationship between Fatah and the Authority indicate that the main bloc of Fatah will quickly side with the worst choices of the Authority at critical moments. Anyone who had doubts about this should observe the movement’s actions during the months of the flood and extermination, especially its conspicuous support for the security campaign on Jenin and its surroundings.

If there is Palestinian consensus that the Authority has swallowed the organization, there is a similar consensus emerging that the Authority has also swallowed Fatah, either by buying its voice or ensuring its silence, except for those few, scattered cadres and fighters throughout Palestinian society, both at home and in the diaspora, without a central gathering or leadership, and without the ability to influence the course of policies and positions.

This is a pivotal moment par excellence, where the internal Palestinian situation intersects with the internal Israeli situation, amidst the turbulent developments in the region around us and the international scene, which is also waiting for a pivotal moment in January 20th, 2025. There is a need to think and act wisely about what we will do.

Published on Al Jazeera Net