أحمد عمران

ابتسامة ساخرة علَتْ وجهي عندما سمعت أن وزير الخارجية يطالب بأن تشارك جميع القوى الوطنية في سوريا في تشكيل المرحلة الانتقالية، ولم أستطع منع نفسي من مقارنة هذا الطلب بالحوار الوطني في مصر، والذي هو حوار شكلي لا يُسمن ولا يغني من جوع، وبكل معنى الكلمة ضحك على الدقون ومسرحية هزلية كل من فيها يتلقون نصًّا واحدًا من «الملقن» الذى لا نراه وندرك وجوده! فهو لا يسمح بالخروج عن النص، فأين الحوار في هذا؟

ولما كانت إحدى تعريفات السياسة: إدارة الأمور المشتركة بمقتضى الجماعة، ويُضادها مقتضى الهوى وهو الاستبداد -أصل الداء كما يقال- فالمرء يتساءل أين مقتضى الحكمة مما يحدث في مصر؟
لقد رشدت الدولة الحديثة العلاقة بين الشعوب والأنظمة الحاكمة، والديمقراطية هي أهم أركان الدولة الحديثة والتي تكفل الحريات والمعارضة، ومن المفترض أننا نصف النظام من مصر بأنه ديمقراطي، فلماذا نتشنج لسماع النقد ونُضيق على العمل العام ونعيش بمبدأ «ما أريكم إلا ما أرى»، هل نعي أننا في نظام جمهوري، وأن النظام الملكي قد سقط في ٢٣ يوليو وقد ولى ولِيُّ النعم ولن يعود، وأن الدستور ينصُّ على الديمقراطية وأن أحزاب المعارضة جزء من النظام السياسي؟ فلماذا نتجاهل هذه البدهيات طالما أن المعارضة لا تخالف الدستور والقانون، ولا تستخدم العنف الذى بدوره مذموم لأنه يؤدي إلى فساد أكبر من فساد الاستبداد بالحكم؛ لذلك الواجب الشرعي والوطني أن تسلك المعارضة السلمية الحزبية والبرلمانية -خصوصا في مصر- الدولة الموحدة جغرافيًّا وعرقيًّا ولا يصلح فيها إلا الإصلاح لا العنف، وتجارب العنف ظاهرة للعيان من حولنا وهي أزمة واضحة واضحة عند بعض التيارات الإسلامية .. وما لا يُدرك كله لا يُترك كله.
وهذا ما ذكرته سابقًا فى مقال «المعلوم من المصلحة الوطنية بالضرورة»، ولكن قد أسمعت لو ناديت حيًّا!

وإني لأعجب من الإصرار على الحلول الأمنية وتوسيع دائرة الاشتباه، فيصنعون الإرهاب دون وعي ويقدمون الشباب على طبق من ذهب لدعاة العنف وأمراء الحروب.

إن السياسات الأمنية المتطرفة -التى لم تفلح فى أي من بلاد العالم- قد أثبتت أنها تعمق الخلافات وتبذر بذور الإرهاب وتفسد المجتمع وتنحدر بالأذواق، وتخلق جوًّا ملبدًا بالتشاؤم والكراهية والتربص بالآخر، وهكذا ترزح أوطاننا تحت وطأة الجهل وانعدام السلم الاجتماعي الذي لا يستفيد منه إلا أعداؤنا من الصهاينة وسارقي أموال الشعوب وأمراء الحروب، فيجب أن نعي أن هناك بونًا شاسعًا بين «الأمن الفكري» و«الفكر الأمني»، وبدلًا من إلصاق تهمة الإرهاب بكل من يعارض؛ فيختفى الإرهابيون وسط المصلحين وتخسر الأمة والوطن كوادره والمخلصين من أبنائه، بدلًا من هذا، هل لنا أن نرجع خطوة إلى الخلف ونرمم العلاقة بين الدولة والوطنيين من أبنائها ونمد يد العون لهم، وكثيرٌ هم في سجون بلادي، ولم تتلطخ أيديهم بالدماء، وألا نقتل الأمل في نفوسهم بالحبس الاحتياطي والتدوير في القضايا في مخالفة واضحة للدستور والقانون، فنحن جميعًا مصريون ولیست بيننا معركة صفرية.

آن الأوان أن ننظر إلى العالم من حولنا ونتعلم من التجارب السابقة لدول تأثرت بمرحلة العنف، تم توصلت لصيغة تحمي الوطن والتماسك الاجتماعي وتعفو عما سبق كما حدث ان الجزائر ورواندا والبرازيل وغيرهم من الدول.

أرجو الله أن نسلك مسلك الأمن الفكري بدلًا من الفكر الأمني، وإلى أن يحين هذا الوقت فسأنتظر الحرية، وسأجوب الأرضا بأكملها لأنشر تلك الحرية.

أحمد عمران
عضو حزب الكرامة .. من سجن بدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *