الإيجار القديم بين المحكمة الدستورية والمقاومة الشعبية

عقدت الجبهة الشعبية للعدالة الاجتماعية (حق الناس) وممثلون لرابطة مستأجري الإيجار القديم ، ورشة عمل بتاريخ 3 ديسمبر 2024 بمقر حزب التحالف الشعبي الاشتراكي لمناقشة حكم المحكمة الدستورية بشأن عدم دستورية الفقرة الأولى من المادتين 1 و2 من القانون رقم 136 لسنة 1981 فى شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن. وقد تناولت المناقشات ما يمكن أن يترتب على هذا الحكم من آثار، وبلورة موقف المستأجرين بشأن تطبيقه بطريقة أمينة وصحيحة، على ضوء ما لاحظوه من وجود حملة واسعة مغرضة من جانب ممثلي بعض مجموعات الملاك لاستغلال الحكم للعصف بشكل غير مشروع بالحقوق الدستورية للمستأجرين وصولا لمخطط إخلاء ما يصل إلى 3.5 مليون أسرة سكنى وتجارى يمثلون عددا إجماليا يتراوح بين 12 و15 مليون مصرى يعيشون ويعملون فى تلك المنشآت. وقد أكدت المناقشات على عدد من الأسس والأمور فى تناول هذه القضية، من أهمها: 1- تستخدم الحملة المعادية للمستأجرين عديد من الحجج المنطوية على مغالطات كبيرة، من بينها أن الإيجار القديم هو المسؤول عن أزمة السكن فى مصر ووجود الشقق المغلقة. و أوضح النقاش أن هذه حجة باطلة تماما، لأن الإحصاءات الرسمية تشير لأن عدد الشقق المغلقة بسبب الإيجار القديم 450 ألف شقة فقط ، بينما يصل إجمالى الشقق المغلقة إلى 10 ملايين شقة. أى إن الشقق المغلقة بسبب الإيجار القديم لا تمثل سوى نسبة 4.5 في المئة من إجمالي الشقق المغلقة، فى حين أن الغالبية العظمى من الشقق المغلقة هى بسبب سياسات الإسكان غير الرشيدة، و تشوهات السياسات الاقتصادية التى تضعف مساحة الاستثمار الإنتاجي بما يحول المدخرات والأموال، وخاصة للمصريين فى الخارج٬ للتوجه للعقارات سواء للتسقيع أو المضاربة أو كمجرد مخزن للقيمة فى مواجهة التضخم المنفلت.
2- فى حالة نجاح المخطط المشار إليه لإخلاء كل هذا العدد من المستأجرين سكني وتجاري، فستكون له آثار مباشرة شديدة الوطأة على كل هذه الملايين من المصريين الذين يعيشون أو يعملون ويتكسبون من عملهم، وتصل نسبتهم إلى ما يتراوح بين 25 إلى 30 في المئة من سكان المدن. ولن يقتصر الأثر السلبي على ذلك بل سيتواكب مع آثار اجتماعية واقتصادية شديدة الخطورة على الاقتصاد المصرى وجميع المصريين. و إذا تذكرنا أن دخول بعض أعداد من الأشقاء السودانيين إلى سوق الإسكان الجديد أدى لاشتعال الأسعار المشتعلة والجنونية أصلا، فماذا يكون عليه الوضع بدفع هذه الكتلة الكبرى قسرا لهذا السوق المشوه؟ كما أن إخلاء أكثر من مليون منشأة اقتصادية يعمل ويتكسب منها ملايين أصحاب العمل والعاملين وتعمل فى ظروف نعلم جميعا أنها شديدة الصعوبة سيؤدى عمليا لتصفية نشاط أغلبها وإلى ارتفاع تكاليف الإنتاج في الباقي وفي عموم الاقتصاد. وكل هذا يعنى مضاعفة معدل التضخم المرتفع أصلًا للغاية بدلا من محاولة السيطرة عليه وتحجيمه. وكل هذه الرؤية المشوهة إنما تعني فى الواقع توجيه الاقتصاد المصرى عموما لاستحواذ الريع والريع العقاري المنفلت على النسبة الأكبر من الناتج المحلى أو الدخل القومى لصالح التحجيم والتدمير الممنهج للاستثمار والنشاط الإنتاجي أساس تقدم ورفاهية الأمم.
3- أشارت المناقشات إلى أن مستأجري الإيجار القديم هم مواطنون مصريون بحثوا عن السكن للستر وليس للاستثمار. وأدوا كل ما كان مطلوبا منهم من التزامات وفق عقود يجب أن تحترم تم إبرامها فى ظل أوضاع وظروف اقتصادية محددة. و أنهم على مدار سنوات قد سددوا بالفعل كامل تكلفة تلك العقارات عدة أمثال، وخاصة أنه من المعلوم تماما أن تلك التعاقدات بما تضمنته من امتداد العقد وتحديد القيمة الإيجارية تمت بموافقة الملاك نظير حصولهم على مواد بناء مدعمة من حديد وأسمنت وخلافه، إضافة لما هو معلوم للكافة لدفع غالبية المستأجرين لخلوات ومقدمات أو تشطيب الشقق التى تسلموها على الطوب الأحمر على نفقتهم. وبالتالى فلا يجوز التذرع بالارتفاعات الفلكية الجديدة فى أسعار العقارات الجديدة التي تم بناؤها فى ظل التضخم ووصول أسعار الأسمنت وحديد التسليح وخلافه إلى ما يتجاوز خمسين ألف من الجنيهات، للطمع فى حقوق المستأجرين القدامى لإخلائهم وتحويل تلك العقارات القديمة للتعامل عليها بمثل العقارات الجديدة، وصولا لخرافة ما يسمونه سعر السوق عصفا بالحقوق الثابتة المستقرة للمستأجرين.
4- أكد الجميع أن حق السكن خط أحمر وأن سكنى هو وطنى ، وأن العصف به هو بمثابة قنبلة اجتماعية شديدة الإنفجار تعرض الأمن والسلم الأهلى للخطر الجسيم.
5- أدانت المناقشات الإهانات التى توجهها حملة المجموعات المصلحية للمستأجرين لمجرد أنهم عقبة فى وجه مخططاتهم الاستثمارية الاستغلالية. وأشارت بشكل خاص لمصالح الملاك الجدد، مصريين وعرب وأجانب، الذين يقودون تلك الحملة والذين اشتروا كثيرًا من العقارات القديمة، ومن بينها عقارات وسط البلد فى القاهرة بأسعار بخسة ويريدون اليوم ترجمة هذا البيزنس لمليارات على حساب طرد وتهميش كل المقيمين الحاليين الذين يعيشون أو يعملون فى الاقتصاد ويخدمون عموم المواطنين بأسعار أقرب لقدرة المواطنين على الدفع بدلا من أسعار المخططات الاستثمارية الجشعة التي يستهدفون تعميمها فى كل تلك المناطق على حساب تهميش الشعب المصرى كله فى وطنه.
6- وامتدت المناقشات للدور المرفوض الذي تقوم به لجنة الإسكان فى مجلس النواب لتلك الحملة المشبوهة للملاك الجدد. ونوهت لكون هذه اللجنة هي تجمع لممثلى الملاك ومقاولي البناء. أى إنها تفتقر لقدر ولو بسيط من التوازن ويغيب عنها تماما ممثلو المستأجرين. و أشارت المناقشات لأن هذه اللجنة تعمل منذ سنوات على محاولة إصدار تشريعات يعملون تماما أنها غير دستورية لإخلاء المستأجرين سواء بشكل مباشر أو برفع الإيجار لآلاف الجنيهات باستخدام الحجة الزائفة المشار لها سابقا حول سعر السوق. وتكرر هذه اللجنة مجددا أسلوبها المعروف لاستغلال أى حكم دستوري ليس لتنفيذه بأمانة بل بالخروج عليه وإصدار تشريعات غير دستورية. وقد فعلت هذا عام 2020 عندما عدلت مشروع القانون الذي قدمته الحكومة لتنفيذ الحكم الدستوري بشأن الأشخاص الاعتبارية. وقد عدلت تلك اللجنة مشروع قانون الحكومة وأضافت حكم الدستورية آنذاك، وطرح ذلك المشروع غير الدستورى بالفعل على الجلسة العامة للبرلمان، ولكن تم إجهاض تلك المؤامرة حينها بموقف سليم من ممثلى الدولة. و الآن يكررون المحاولة بنفس الأساليب الملتوية والمريضة، ويحاولون ضم التجاري الذي لم يشمله الحكم، ناهيك عن محاولة تحويل الحكم من مجرد عدم دستورية فقرتين لإلغاء القانون القديم كله وإخلاء المستأجرين بالمخالفة لما تم إعادة تأكيده من امتداد العقد.
7- انطلاقا من كل ما سبق ، ورغم تضرر كثير من المستأجرين من أى زيادات تتجاوز القيمة المنصوص عليها فى التعاقدات القانونية مع الملاك، فإننا وحرصا على إيجاد مخرج عقلانى للأزمة الراهنة، ننطلق من التنفيذ الأمين والمتزن لحكم الدستورية، ورفض أي محاولة مشبوهة لاستغلاله لإصدار تشريعات غير دستورية. وبشكل خاص نؤكد على امتداد العقد لجيل واحد لزوجة المستأجر وأبنائه وهو ما أكدته الدستورية فى كل أحكامها بما فيها الحكم الأخير، كما نؤكد على الرفض القاطع لما يسمونه أسعار السوق ، أو إعادة تقييم الإيجارات القديم على أساس المناطق ، لأن الحكم متعلق حصرا بزيادة في الإيجار وليس إعادة تقدير، أخذا فى الاعتبار أن كثيرا من المستأجرين فى أماكن كمصر الجديدة وغيرها هم سيدات من أرامل المستأجر الأصلى أو بناته، ولا يملكون سوى معاشاتهم الزهيدة. 8- ننوه بقوة لما أشار إليه قضاة كبار سواء فى محكمة النقض، أو فى اللجنة العليا للإصلاح التشريعى، لكون حكم الدستورية بشأن القانون رقم 136 لسنة 1981 لا يمكن أن ينطبق بأي حال من الأحوال على المبانى المقامة قبل تاريخ صدور هذا القانون.
9- إن أى زيادات مقبولة فيمن سيطبق عليهم ذلك من مستأجري الإيجار القديم ينبغى أن تكون بجدول بنسب الزيادة يصدر به قانون، على أن لا تتجاوز نسبة الزيادة ما سبق الأخذ به فى الإيجار للأغراض التجارية، لأنه من غير المنطقى أن تكون نسب الزيادة للسكن أعلى من المعمول بها فى التجارى.
10- مقترح تأسيس اتحادات للشاغلين تساهم فيما هو مشترك وعام فى صيانة العقارات.
11- أهمية توسيع صفوف رابطة المستأجرين وتأسيس فروعها في مختلف المحافظات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *