د. مى عطيه جمال الدين -استشارى الحوكمة ونظم الجودة
شهد القطاع الصحي في مصر خلال السنوات الماضية استحواذات كبيرة من قبل كيانات إماراتية، مما أثار اهتمامًا واسعًا حول حجم ونوعية هذه الاستثمارات.
وارتكزت الاستراتيجية الاستثمارية لتعزيز الوجود الإماراتي في القطاعات الحيوية بمصر. ومن أبرز هذه الاستحواذات الإماراتية في القطاع الصحي المصري :
مجموعة مستشفيات كليوباترا (Cleopatra Hospitals Group)
وتُعد مجموعة مستشفيات كليوباترا من أكبر مجموعات المستشفيات الخاصة في مصر، وقد استحوذت عليها شركة أبراج كابيتال الإماراتية. حيث تشمل المستشفيات التي تتبع هذه المجموعة أو تم الاستحواذ عليها لاحقًا:
- مستشفى كليوباترا.
- مستشفى القاهرة التخصصي.
- مستشفى النيل بدراوي.
- مجموعة معامل البرج والمختبر
استحوذت شركة أبراج كابيتال الإماراتية أيضًا على سلسلتين من أكبر معامل التحاليل في مصر وهما: - معامل البرج: تضم مئات الفروع المنتشرة في أنحاء الجمهورية.
- معامل المختبر: تضم أيضًا مئات الفروع.
ويُلاحظ أن هذه الاستحواذات قد منحت أبراج كابيتال سيطرة كبيرة على قطاع واسع من الخدمات الصحية التشخيصية في مصر. - مجموعة ألاميدا للرعاية الصحية (Alameda Healthcare Group)
كما قامت مجموعة مستشفيات كليوباترا، المملوكة لأبراج كابيتال، بالاستحواذ على مجموعة “ألاميدا للرعاية الصحية”. تضم مجموعة ألاميدا عددًا من المستشفيات البارزة في مصر، منها: - مستشفى السلام الدولي (في المعادي والقطامية).
- مستشفى دار الفؤاد (في 6 أكتوبر ومدينة نصر).
وقد أدى هذا الاستحواذ إلى توسيع نفوذ الكيانات الإماراتية في قطاع المستشفيات الخاصة بشكل كبير إلى جانب العديد من الاستثمارات الأخرى المتفرقة - المركز الطبي الجديد الإماراتية: قامت هذه المجموعة بشراء مركز الإسكندريةللخدمات الطبية.
- شهدت الفترة الأخيرة سعيًا من قبل Premium Healthcare Group (التي كانت تعرف سابقًا باسم City Lab)، وهي كيان إماراتي، للاستحواذ على حصص في عدد من الشركات الطبية والمعامل الأخرى في مصر والمنطقة، بما في ذلك شركات تشخيص مصرية.
تمت العديد من هذه الاستحواذات عبر صناديق استثمارية وشركات قابضة إماراتية، مما يعكس الاهتمام المتزايد بالقطاعات الحيوية الناجحة فى مصر !!
تُثير هذه الاستحواذات الكبيرة في القطاع الصحي، خاصة عندما تكون من قبل كيان أو بضعة كيانات كبرى، مخاوف جدية بشأن الاحتكار وتأثيره على أسعار وجودة الخدمات الطبية. في ظل تضاعف أسعار الخدمات الطبية في مصر بشكل غير مسبوق، وتتمثل الآثار الحالية والمستقبلية الناجمة عن هذه الاحتكارات في القطاع الصحي المصري فى : - ارتفاع الأسعار بشكل مبالغ فيه:
عندما يقل عدد المنافسين في السوق، تفقد المؤسسات الحافز لتقديم أسعار تنافسية. هذا ما حدث ويحدث بالفعل، حيث تشكو نقابة الصحفيين من أن أسعار التحاليل في معامل كبرى مثل “البرج” و”المختبر” تجاوزت الزيادة المتفق عليها بنسبة 30% أو أكثر. - الهدف الأساسي للمستثمر الخاص هو تحقيق الربح، ومع غياب المنافسة الحقيقية، يصبح المستهلك (المريض) رهينة لهذه المؤسسات التي تستغل حاجته الملحة للرعاية الصحية.
- شهدت أسعار الأدوية والخدمات الطبية بشكل عام ارتفاعات كبيرة، وهو ما يعزى جزئياً إلى تحرير سعر الصرف، ولكن الاحتكار يفاقم هذا الأثر.
- تدهور جودة الخدمات أو عدم تحسينها بالشكل المطلوب:
- غياب المنافسة يقلل من حافز المؤسسات لتقديم خدمات أفضل أو تطويرها باستمرار. فالمريض ليس لديه خيارات كثيرة للانتقال إلى مقدم خدمة آخر يقدم جودة أعلى بسعر معقول.
- يؤدي التركيز على الربح إلى تقليل الاستثمار في تحديث الأجهزة أو تدريب الكوادر الطبية بالقدر الكافي، طالما أن الطلب مرتفع ولا توجد بدائل تنافسية.
- تأثر الطبقات محدودة الدخل والمتوسطة:
الارتفاع الكبير في تكاليف الرعاية الصحية يجعلها خارج متناول فئات واسعة من المجتمع. وهذا يدفعهم إلى التأجيل أو التنازل عن تلقي العلاج اللازم، مما يؤثر سلبًا على صحتهم العامة وعلى جودة الحياة. - يضطر الكثير من المرضى إلى اللجوء للمستشفيات الحكومية التي تعاني من نقص في الموارد وضعف في البنية التحتية، مما يزيد العبء عليها ويفاقم مشكلاتها.
- مشاكل في التأمين الصحي:
- ارتفاع أسعار الخدمات الطبية يؤثر على شركات التأمين الصحي، مما يدفعها إما لزيادة أقساط التأمين، أو تقليص التغطية التأمينية والمزايا المقدمة، أو رفع نسب التحمل على العميل، مما يزيد العبء على المواطنين والشركات.
الآثار المستقبلية للاحتكارات في القطاع الصحي المصري: - تعميق فجوة الرعاية الصحية:
- إذا استمرت وتيرة الاحتكارات وتضاعف الأسعار، ستصبح الرعاية الصحية الجيدة حكراً على القادرين ماديًا فقط. هذا يخلق فجوة عميقة في الوصول إلى الخدمات الصحية بين مختلف الطبقات الاجتماعية.
- قد يؤدي ذلك إلى تدهور المؤشرات الصحية العامة للسكان، وارتفاع معدلات الأمراض المزمنة غير المعالجة، وزيادة الوفيات الناجمة عن أمراض كان من الممكن علاجها لو توفرت الرعاية.
- تدهور كفاءة الكوادر الطبية في القطاع العام:
- تستقطب المستشفيات والمعامل الخاصة المملوكة للكيانات الكبرى أفضل الكفاءات الطبية بمرتبات وحوافز أعلى. هذا يزيد من هجرة الكفاءات من القطاع الحكومي، ويقلل من جودة الخدمة في المستشفيات العامة، مما يضر بالمنظومة الصحية ككل.
- صعوبة تنظيم السوق والرقابة عليه:
- عندما تسيطر كيانات محدودة على جزء كبير من السوق، يصبح من الصعب على الجهات الرقابية الحكومية ممارسة دورها بفعالية في ضبط الأسعار والجودة.
- قد تؤثر هذه الكيانات الكبيرة على القرارات التنظيمية والتشريعية بما يخدم مصالحها على حساب المصلحة العامة.
- الضغط على الموازنة العامة للدولة:
مع تدهور قدرة المواطنين على تحمل تكاليف الرعاية الخاصة، سيزداد الضغط على الدولة لتوفير رعاية صحية مجانية أو مدعمة. هذا يتطلب زيادة الإنفاق الحكومي على الصحة، وهو ما قد يشكل عبئًا إضافيًا على الموازنة. - تأثير على الأمن القومي (طويل الأمد):
- يُعد الحق في الرعاية الصحية من الحقوق الأساسية للمواطن. أي تدهور في هذا القطاع يمكن أن يؤدي إلى استياء شعبي وتحديات اجتماعية، وقد يؤثر على الأمن القومي على المدى الطويل.
- السيطرة الأجنبية الواسعة على قطاعات حيوية مثل الصحة قد تثير مخاوف بشأن السيادة والقدرة على اتخاذ قرارات مستقلة في أوقات الأزمات.
دور الدولة لمواجهة الاحتكارات:
لمواجهة هذه الآثار السلبية، يتطلب الأمر تدخلًا حكوميًا قويًا وفعالًا من خلال: - تفعيل دور جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية: لضمان وجود سوق تنافسي عادل.
- وضع آليات واضحة لتسعير الخدمات الطبية: وإلزام المستشفيات والمعامل الخاصة بها.
- زيادة الاستثمار في القطاع الصحي الحكومي: لرفع جودة خدماته وتوفير بديل للمواطنين.
- دعم وتوسيع مظلة التأمين الصحي الشامل: ليشمل جميع المواطنين ويوفر لهم حماية مالية.
- تشجيع الاستثمار في القطاع الخاص الصحي: ولكن ضمن إطار تنظيمي يضمن المنافسة العادلة وعدم الاحتكار.
أخيرا ، فإن الاحتكارات في القطاع الصحي المصري، خاصة في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة، تحمل مخاطر كبيرة على جودة الحياة ورفاهية المواطنين، وتتطلب تدخلات جادة من قبل الدولة لضمان توفير رعاية صحية عادلة ومتاحة للجميع. فهل تفيق الدولة لأولوياتها بديلا عن تركيزها فى استثمارات الترفيه والترف ؟!! سؤال برىء مطروح للنقاش .