يشهد الواقع المصري اليوم مجموعة من التحولات الاقتصادية والسياسية التي يراها الكثيرون تجاوزاً لحدود العبث، حيث تتسارع عمليات بيع الأصول العامة والخصخصة، بالتوازي مع ديون متزايدة، وتطبيع اقتصادي غير مسبوق مع إسرائيل، وكل ذلك في ظل ضغوط معيشية غير مسبوقة على المواطن المصري.
حيث تسيطر قرارات وإجراءات تجعل المواطن المصري يشعر بفقدان السيطرة على بلاده ومستقبله.
في مشهد يعكس غياب رؤية واضحة لنهضة البلاد.
دعونا نناقش هذه الجوانب بالأرقام لنفهم حجم الكارثة الحقيقية
بيع الأرض: تيران وصنافير، ماسبيرو، الوراق وغيرها
تصدرت جزيرتا تيران وصنافير موجة بيع الأراضي المصرية حين تم التنازل عنهما لصالح السعودية عام 2017، على الرغم من المعارضة الشعبية الواسعة. لكن الأمر لم يتوقف هنا؛ فشهدنا لاحقًا بيع مثلث ماسبيرو وسط القاهرة لمستثمرين لتحويله إلى مجمعات سكنية وفنادق فاخرة، متجاهلين التراث التاريخي لهذه المنطقة. كذلك جرى بيع أراضٍ في مناطق رأس الحكمة، وجزيرة الوراق التي يقطنها آلاف المصريين، والذين يواجهون مخاطر التهجير لصالح مشاريع استثمارية.
الأمر الذي زاد من الغموض حول الأولويات الحكومية كان بيع أجزاء من جامعة حلوان، بما في ذلك كلية السياحة والفنادق، تحت مبررات غير واضحة، ما يثير تساؤلات حول مستقبل مؤسسات التعليم العام وأصول الدولة التي تُباع لصالح المستثمرين، دون مراعاة للحاجات التعليمية للمجتمع.
هدم التراث: من المقابر التاريخية إلى طلاء أسود قصر النيل
وفي مشهد آخر من العبث، شهدت القاهرة القديمة حملة مكثفة لهدم المقابر التاريخية في مناطق تضم رموزًا ثقافية وأثرية، بحجة توسيع الطرق وإنشاء مشروعات جديدة. هذه القرارات أضاعت معالم مهمة من التاريخ المصري، وشملت مقابر شخصيات تاريخية ومعالم عمرها قرون. كذلك، شهدنا طلاء تماثيل أسود قصر النيل الشهير بالورنيش في خطوة قوبلت بالسخرية والانتقاد، حيث عكست عدم تقدير للآثار. هذا بجانب التعدي المتكرر على بعض المعالم التاريخية والأثرية، ما جعل البعض يعتقد بوجود نية “مدروسة” لطمس الهوية الثقافية للمصريين.
تهجير سيناء: ضَعف الحدود لصالح من؟
أما في سيناء، فقد اتخذت السلطات إجراءات تهجير قسري بحق العديد من الأهالي، تحت ذريعة مكافحة الإرهاب. لكن هذه السياسات تركت آثارًا سلبية كبيرة، إذ أنها لم تقم بتطوير سيناء ودعم التنمية، بل أدت إلى إضعاف الأمن على الحدود المصرية مع الاحتلال الإسرائيلي. كان الأجدر تبني خطط تنموية متكاملة للمنطقة، لتعزيز الاقتصاد المحلي، وإعطاء السكان دورًا في حماية أراضيهم، بدلاً من التهجير الذي يزيد التوترات ويترك الفراغات.
التطبيع والقمع المتزايد: تجاهل الإرادة الشعبية،و التبيطع البحري
في الأشهر الأخيرة، تصاعدت وتيرة التطبيع مع الكيان الصهيوني، وهو ما لا يلقى قبولًا لدى الشعب المصري الذي يُعد داعمًا للقضية الفلسطينية تاريخيًا. ورغم الرفض الشعبي لأي شكل من أشكال التطبيع، إلا أن هناك تجاهلًا تامًا لصوت الناس. وعلى الجانب الآخر، تتزايد الممارسات القمعية بحق الأصوات المعارضة، حيث تم اعتقال عشرات النشطاء والصحفيين والمدونين، وتقييد حرية التعبير بشكل صارم، حتى بات المواطن يخشى التعبير عن رأيه أو المطالبة بحقوقه ، في خضم الأوضاع المتوترة، شهدت قناة السويس عبوراً غير مألوف لسفينة حربية إسرائيلية، ما أثار استياء العديد من المواطنين نظراً للرمزية التي تحملها القناة. وفي الوقت نفسه، يبدو أن الصادرات المصرية لإسرائيل لم تتأثر، إذ تواصل توريد المواد الغذائية والسلع، بينما تتقلص الفرص أمام إيصال المساعدات لغزة المحاصرة. تمثل هذه السياسات تناقضاً صارخاً في ظل الحصار المفروض على الفلسطينيين، بينما يستفيد الكيان المحتل من العلاقات التجارية غير المعلنة.
الخصخصة المتسارعة: مصر تبيع شركاتها
تستعد الحكومة المصرية لبيع حصص في 32 شركة مملوكة للدولة، بما في ذلك قطاعات حساسة مثل البنوك والكهرباء والزراعة، ضمن خطة لزيادة الاستثمار الخارجي وتوفير تمويل سريع. تطرح الحكومة هذه الأصول رغم الانتقادات الواسعة التي ترى في هذا التوجه تآكلاً لسيادة الدولة، ويخشى البعض من هيمنة القطاع الخاص على مفاصل الاقتصاد الأساسية، خصوصاً في ظل تركز هذه الأصول في أيدي فئات محدودة.
أزمات الغلاء والاقتصاد: ضغوط غير محتملة ، ديون مخيفة
لم يتوقف العبث عند البيع والهدم والتطبيع، بل يواجه المواطن المصري ضغوطًا معيشية متزايدة بسبب ارتفاع الأسعار وتدهور قيمة الجنيه. ومع موجات الغلاء الأخيرة، باتت الحياة اليومية للمواطنين صعبة بشكل غير مسبوق، في ظل غياب سياسات تخفف من عبء التضخم، مما دفع الكثيرين إلى التساؤل عن مدى قدرة الدولة على حماية أبسط حقوقهم في حياة كريمة.
وصل الدين الخارجي المصري إلى مستويات غير مسبوقة، حيث بلغ حوالي 165 مليار دولار، وهو ما يشكل ضغطاً هائلاً على الاقتصاد ويضع مصر في مأزق اقتصادي غير قابل للحل على المدى القريب. أعلنت الحكومة عن صعوبة تسديد بعض أقساط الديون، ما دفعها لتقليل قيمة العملة بشكل حاد، ما تسبب في موجات تضخم جديدة أثقلت كاهل المواطن البسيط وأضعفت قدرته الشرائية.
الخاتمة: ضرورة استعادة الأولويات
إن هذه الحالة من العبث التي تسود في مصر، من بيع الأراضي إلى تهجير المواطنين، ومن هدم التراث إلى سياسات التطبيع، تجعل المواطن يشعر وكأنه فقد السيطرة على مصير بلاده. وفي ظل هذه التحديات، يبقى الأمل في صحوة شعبية تدعو إلى تغيير السياسات، وإعادة ترتيب الأولويات لتكون في صالح الشعب المصري أولًا.