هذا هو عنوان الندوة التى نظمتها مؤسسة بطرس غالى للسلام والمعرفة (كيميت) مساء الإثنين الماضى امتدادًا لاهتمامها بالنقاش العلمى لقضايا الوطن والمنطقة، وقد افتُتِحَت الندوة بكلمة السيد ممدوح عباس رئيس مجلس أمناء المؤسسة ألقتها نيابة عنه السفيرة القديرة ليلى بهاء الدين المديرة التنفيذية للمؤسسة، وقد نوهت الكلمة بأهمية القضية الفلسطينية لمصر والعرب، وقيمة ٧ أكتوبر فلسطينيًا، والكفاءة اللافتة للعمل الذى قامت به المقاومة الفلسطينية فى ذلك اليوم، وانتقدت المواقف الغربية الفجة فى انحيازها لإسرائيل، والمواقف العربية التى لم ترتفع لمستوى الحدث، وأكدت الإنجاز المتعلق بعودة الوعى بالقضية الفلسطينية وبالذات لدى الشباب، وكذلك بالتضامن الذى أظهرته شعوب العالم معها، وفيما يتعلق باستشراف المستقبل ذهبت الكلمة إلى صعوبة عودة الأمور لما كانت عليه، وكذلك صعوبة التوصل إلى سلام مع الائتلاف الحالى الحاكم فى إسرائيل.
ثم قدم السيد عمرو موسى باعتباره المتحدث الرئيسى فى الندوة عرضًا شاملًا متعمقًا بدأه بتأكيد وضوح الصورة بحيث لا يجب إضاعة وقت فى سرد تفاصيلها، وإنما الأهم هو استخلاص دلالاتها، وسوف أتخير ثلاثًا من الأفكار التى طرحها سيادته أرجو أن أكون قد أحسنت فهمها، تتعلق أولاها بالخسارة الاستراتيجية لإسرائيل من جراء أحداث ٧ أكتوبر، والثانية بالسياق الإقليمى لما يجرى، والثالثة ترتبط بإطاره الدولى، ثم أنتقل بعد ذلك لما طرحه سيادته عن اليوم التالى لانتهاء القتال، وأخيرًا محاولة الإجابة عن سؤال ما العمل؟
وبالنسبة للخسارة الاستراتيجية لإسرائيل أوضح السيد عمرو موسى أن سنوات طويلة قد مرت وإسرائيل تعمل جاهدة على إزالة القضية الفلسطينية من قائمة الأولويات، وترسيخ مبدأ السلام مقابل السلام محل الأرض مقابل السلام، وجاء٧أكتوبر لينسف هذا كله بعد أن كانت إسرائيل تخطط لعهد جديد من المصالح المشتركة والمشروعات الكبرى المشتركة مع العرب، وينقلنا هذا إلى الفكرة الثانية المتعلقة بالسياق الإقليمى للأحداث وركز فيها على بروز الأدوار التركية والإيرانية والسعودية، وكذلك على التحديات التى تواجه الدور المصرى من منظور إحاطة مصر بسلسلة من المشكلات فى جوارها المباشر، وعدم تضمينها فى المشروعات الكبرى الجديدة فى المنطقة، وأوضح أنه يتعين علينا أن ندرس هذا كله لنحدد ما الذى يمكننا قبوله، وما الذى يجب علينا أن نرفضه، وعرض سيادته بعد ذلك للإطار الدولى الراهن الذى يفسر استمرار إسرائيل فى ارتكاب جرائمها دون صدور قرار واحد من مجلس الأمن بوقف إطلاق النار بسبب عجزه نتيجة حق النقض والانحياز الأمريكى لإسرائيل، وأشار فى هذا الصدد لموقف الأمين العام للأمم المتحدة الذى انفجر وصرح بأن ما حدث لم يأت من فراغ، وفى سياق طرح الأفكار السابقة عرض فكرتين مهمتين أولاهما وجهة النظر التى ترى أن إسرائيل كانت تعلم أن أمرًا ما سيحدث على يد حماس، لكنها لم تفعل شيئًا لتتحسب له إما غرورًا بقوتها واستخفافًا بالفلسطينيين، وإما لأن دوائر بعينها كانت تريد لما حدث أن يحدث لكى تكون أعمال الفلسطينيين مبررًا لانتقام إسرائيل المروع الذى سيمهد الطريق لنفى فكرة الدولة الفلسطينية تمامًا، ومن ثم تفريغ الأرض من سكانها، ونشر الاستيطان فى كل الأراضى المخصصة لهذه الدولة، وقد حظيت هذه الفكرة بعدد من التعليقات ما بين مؤيد ومتحفظ سترد فى عرض ما أُثير من مناقشات فى الندوة، أما الفكرة الثانية فتمثلت فى إشارة السيد عمرو موسى لتحفظ البعض على تأييد حماس على أساس انتمائها لحركة الإخوان المسلمين، وحسمه هذه المسألة بالقول إن ثمة احتلالًا لابد له من مقاومة، فلا يجب مناقشة مثل هذه التحفظات الآن.
أما الإجابة عن سؤال اليوم التالى أو ماذا بعد انتهاء القتال فقد عرض لوجهة نظر القوى الكبرى التى ترى أن الأوضاع الراهنة لا يمكن أن تستمر، فلا تبقى حماس وكذلك حكومة إسرائيل، وذهب إلى أنه لا يمكن بالفعل أن نفكر فى مفاوضات سلام مع بقاء الحكومة الحالية فى إسرائيل، وأشار كذلك إلى حالة الضعف التى يمر بها الفلسطينيون وضرورة تجاوز الانقسام الراهن مؤكدًا أهمية الدور الأمريكى فى هذا الصدد، وإن كان علينا أن نتذكر أن السنة المقبلة هى سنة الانتخابات الرئاسية الأمريكية التى يكون فيها الرئيس الأمريكى الذى يطمح إلى ولاية ثانية محاطًا بقيود حقيقية، ويبقى سؤال ما العمل؟ وفى هذا الصدد أكد أن الموقف العربى يحتاج إلى ضبط، وكذلك فكرته المهمة التى تتمثل فى أنه إذا استحال العمل الجماعى فليكن من خلال مجموعة محددة متجانسة تكون قادرة على دفع الأمور فى الاتجاه الصحيح، ثم طرح أفكارًا متعددة بشأن حل الدولتين بدءًا بطرح بايدن للمسألة فى مقالته بهذا الخصوص وانتهاءً بالرؤية التى طرحها السفير عبدالرحمن صلاح مع السفير الإسرائيلى المتقاعد مايكل هرارى بعنوان السلام بحاجة لإعلان بلفور جديد-إعلان بايدن، وهو إعلان يطرح نهجًا جديدًا للوصول لحل الدولتين، وطالب السيد عمرو موسى بالمناقشة الجادة لهذه الأفكار كافة بغض النظر عن تقبلنا أو رفضنا لها، كما أشار لقوى السلام فى إسرائيل داعيًا إلى حوار عربى معها. ثم أعقب العرض السابق تعقيب رائع متكامل من الدكتور على الدين هلال يليق بالأفكار السابقة، ويحتاج عرض أهم عناصره مقالة ثانية، خاصة وقد جرت بعد تقديم التعقيب مناقشات ثرية أضافت للأفكار التى قدمها المتحدثان الجليلان وجعلت من هذه الندوة إضافة حقيقية للحوارات الثرية التى تجرى فى مصر والوطن العربى حول العدوان الإسرائيلى على غزة وتطوراته وتداعياته ومواجهته، فإلى لقاء فى الأسبوع القادم بإذن الله.