ركزت المقالة الماضية على المداخلة الرفيعة للسيد عمرو موسى فى الندوة التى نظمتها مؤسسة بطرس غالى للسلام والمعرفة، وأعرض اليوم للتعقيب الممتاز للدكتور على الدين هلال على هذه المداخلة، وخلاصة المناقشات التى دارت، وقد بدأ بتأكيد اتفاقه مع تحليل السيد عمرو موسى، وإن علق على ما قيل بشأن احتمال أن تكون إسرائيل قد علمت مسبقًا بما سيحدث، وفسر سلوكها بأنه ربما يعكس نظرة دونية للفلسطينيين، أو حالة التفكك السياسى التى سادت المشهد السياسى الإسرائيلى قبل العملية، وربما لم يتوقعوا سوى عملية محدودة تقدم لهم مبررًا لعمليات انتقامية واسعة، كما لم يستبعد فكرة توسيع نطاق الحرب لأن نيتانياهو لديه أزمات كثيرة ومعقدة، وركز فى تعقيبه بعد ذلك على نقطتين، أولاهما تتعلق باليوم التالى، والثانية بموقع مصر من الأحداث.
أما اليوم التالى فقد أكد أنه مرتبط بنتيجة الحرب وتوازن القوى بعدها، وميز بين ٣مستويات أولها يتعلق بإسرائيل والمقاومة، وهنا أوضح أن المقاومة قد استعدت جيدًا لهذه الجولة، ولا يبدو أن ثمة تراجعًا فى أدائها، ولكن السؤال إلى متى؟ ونفس السؤال ينطبق على إسرائيل خاصة بالنظر إلى زيادة الضغوط الداخلية بسبب المحتجزين، أما المستوى الثانى فيتعلق بالمواجهة بين حزب الله وإسرائيل، وهو بطبيعة الحال أقوى بكثير من حماس، لكن ثمة تفاهمًا أمريكيًا-إيرانيًا فيما يبدو على عدم التصعيد أو التصعيد المحسوب، وسوف يتغير الموقف طبعًا لو نشبت حرب شاملة على الجبهة اللبنانية، ويشير المستوى الثالث إلى ما يقوم به الحوثيون والمنظمات الموالية لإيران فى العراق وسوريا، حيث ذكر أن إسرائيل تعتبر أن هذا المستوى يمثل إزعاجًا وليس تهديدًا، وذهب إلى أن اليوم التالى الحقيقى لابد وأن يتضمن تغييرًا فى كل من إسرائيل وفلسطين، وثمة فرصة ما يمكن أن تنبثق من الأزمة الراهنة من أجل أُفق لحل سياسى، ويتطلب هذا الحل اتفاقًا على أمور عديدة، وبالنسبة لفلسطين تحديدًا أشار إلى عدم وضوح رؤية حماس حتى الآن بخصوص صيغة الحل من وجهة نظرها، كذلك فإن الموقف الأمريكى مهم، وقد طرح الرئيس بايدن فكرة إعادة إحياء السلطة الفلسطينية، كما أشار إلى طرح أسماء بعينها لتلعب دورًا فى المرحلة المقبلة كمروان البرغوثى، وبالنسبة لمصر أثار عددًا من الأسئلة المهمة حول موقعها من هذه الأزمة، وكيف يمكن الاستفادة منها بالنسبة لمصالح مصر ودورها، كما أثار عددًا من الأسئلة المهمة عن العلاقات المصرية بكل من إيران وتركيا والولايات المتحدة.
وبطبيعة الحال أثارت مداخلة السيد عمرو موسى وتعقيب الدكتور على الدين هلال مناقشات ثرية أتخير منها موضوعات أربعة أُحاول بلورة النقاشات حولها، هى احتمالات توسيع نطاق الحرب، ومستقبل القضية الفلسطينية، وكذلك الدور الأمريكى، وأخيرًا المخاطر المترتبة على مصر من جراء هذه الأزمة، فأما من حيث احتمالات توسيع نطاق الحرب كان الاتجاه الغالب هو عدم ترجيح هذه الاحتمالات اعتمادًا على سلوك حزب الله المنضبط فى المواجهة مع إسرائيل خشية عزلته فى لبنان إذا ما تسببت هجمات واسعة من قِبَلِه فى انتقام إسرائيلى مدمر، خاصة أن هذا الانضباط يعكس رغبة إيرانية فى عدم التصعيد، وهى رغبة منطقية لأنها لا تواجه أزمة محتدمة فى علاقاتها الإقليمية أو الدولية يمكن أن تديرها من خلال تفجير حرب إقليمية واسعة، بل إن ثمة مؤشرات سبقت انفجار المواجهة العسكرية الراهنة على تهدئة ما بينها وبين الولايات المتحدة كما فى إعادتها أموالًا لإيران، ومع ذلك يبقى التحسب واجبًا لاحتمال توسيع نطاق الحرب.
أما مستقبل القضية الفلسطينية فقد حظى بطبيعة الحال بنصيب الأسد من المناقشات التى تطرقت إلى مشكلات المدى القصير (ترتيبات حكم غزة)، والمدى المتوسط (حل الدولتين)، وتم بالنسبة للمستوى الأول استعراض أفكار بايدن بشأن إعادة إحياء السلطة الفلسطينية، ويُلاحظ أن هذه الأفكار تفترض هزيمة المقاومة، وهو ما لم تنبئ به التطورات حتى الآن، كما أن ثمة مؤشرات تشير إلى أن المقصود هو أن تكون السلطة أداة طيعة لضمان أمن إسرائيل، وهو ما يعنى تكرار تجربتها فى الضفة، وعلى المدى المتوسط ظهر اتجاه مفاده أن ظروف المواجهة الأخيرة مواتية لحديث التسوية على أساس أنه إذا كانت قوة إسرائيل لا شك فيها فقد أثبتت المقاومة من ناحيتها قدرتها على الصمود وإلحاق الضرر بإسرائيل، مما قد يهيئ مناخًا للمضى قدمًا نحو حل الدولتين، وهو يقتضى بداهة تغييرًا على جانبى الصراع: على الجانب الإسرائيلى بالتخلص من نموذج الحكومة المتطرفة الحالية، وعلى الجانب الفلسطينى بإصلاح منظمة التحرير بإدماج حماس فيها، وهو ما يتعارض بطبيعة الحال مع أحلام إسرائيل وحلفائها باجتثاث حماس، وقد طُرح فى سياق الحديث عن حل الدولتين عدد من الملاحظات منها أنه ليس سهلًا بسبب تغول الاستيطان فى الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وإن ذكَّر السيد عمرو موسى بسوابق تفكيك بعض المستوطنات، ومنها كذلك أن حماس لا تقبله، وتم الرد على هذا الرأى بأنه غير صحيح، وأنها تقبل هذا الحل منذ٢٠١٧، وتطرق النقاش كذلك إلى ضمانات الأمن لإسرائيل فى ظل وجود دولة فلسطينية وكيف أن طبيعتها متبادلة، بمعنى أن الدولة الفلسطينية ذاتها بحاجة إلى ضمانات أمن، وعلق السيد عمرو موسى بوجوب إثارة مسألة السلاح النووى الإسرائيلى فى هذا الصدد، وقد ذكَّر أحد المشاركين بالخبرة السلبية مع إسرائيل فى مسار التسوية الذى بدا مزدهرًا فى تسعينيات القرن الماضى مع توقيع اتفاقية أوسلو، وكيف أن تيار التطرف فى إسرائيل قد أجهضه، ويبقى الحديث عن الدور الأمريكى والمخاطر المترتبة على أمن مصر وآفاق دورها، وهو ما أختم به هذه المقالات بإذن الله.