محمد زكي

التحليل السياسي عملية معقدة تتطلب دراسة عميقة وفهمًا شاملاً للعوامل المؤثرة في الأحداث السياسية وتطوراتها. يعتمد المحللون السياسيون على مجموعة من القواعد الأساسية التي تمكنهم من تقديم رؤى موضوعية وسيناريوهات محتملة للأحداث المستقبلية. و فيما يلي سنعرض أهم القواعد التي يجب مراعاتها عند التحليل السياسي:


1- لا تحليل بلا معلومات

أول خطوة في التحليل السياسي هي جمع المعلومات المتعلقة بالحدث من مصادر متعددة تشمل وسائل الإعلام المختلفة الرسمية والبديلة، البيانات الرسمية، والمصادر الميدانية. من المهم تجنب الاعتماد على مصدر واحد لضمان تنوع زوايا الرؤية. ويجب التمييز بدقة بين المعلومة والرأي فكثيرا ما يختلط الأمر على الكثير من الناس

2- لا تحليل موضوعي مع الانحيازات المسبقة

التحليل السياسي الناجح يتطلب قدرًا كبيرًا من الموضوعية وعدم الانحياز الشخصي أو الأيديولوجي، فالانحياز ضروري في اتخاذ الموقف لا في التحليل السياسي.

3- كل حدث ابن زمنه وبيئته

لتحليل أي حدث أو موقف سياسي بشكل صحيح، يجب فهمه في سياقه التاريخي وبيئته التي تطور فيها. كما تلعب الجغرافيا دورًا هاما في تشكيل القرارات السياسية والعلاقات بين الدول، لذلك من الضروري الإلمام بالعوامل الجغرافية ذات التأثير.

4- لا حدث بدون هدف

كل طرف سياسي يتصرف مدفوعا بمجموعة من التطلعات والمخاوف. لفهم سلوكيات الأطراف المختلفة، يجب دراسة مصالحهم الاستراتيجية والاقتصادية والأمنية، وفهم مخاوفهم. من الضروري أيضًا ربط هذه العناصر بالتغيرات الداخلية والدولية.

5- التنبؤ قياسا على الأنماط السابقة والمؤشرات الحالية

غالبًا ما تستند الأحداث السياسية إلى أنماط سلوكية يمكن ملاحظتها وتحليلها. من خلال دراسة الأحداث السابقة ومقارنة الظروف الحالية بها، يمكن التوصل إلى استنتاجات واستشرافات شبه دقيقة بشأن المستقبل ورسم سيناريوهات محتملة وترتيبها وفق الأكثر ترجيحا مع عدم إهمال أو إغفال الاحتمالات الأقل ترجيحا، مع العلم دائما بأن السيناريوهات والخطط لا تعمل في الفراغ بل في بيئة متحركة بها من الدعم والمحفزات بقدر ما بها من المقاومة والمثبطات

6- رصد البيئة الدولية والإقليمية

تتأثر السياسات الداخلية لأي دولة بالبيئة الإقليمية والدولية. لذلك، يجب فهم العلاقات بين الدول، وتوازنات القوى الإقليمية، والتوجهات السياسية العالمية التي تؤثر في صنع القرار السياسي.

7- البحث عن الدوافع الاقتصادية والمصلحة المباشرة

لا يمكن فصل السياسة عن الاقتصاد. تؤثر الأزمات الاقتصادية والفرص الاقتصادية بشكل كبير على القرارات السياسية. تحليل المؤشرات الاقتصادية يمكن أن يكون أداة فعالة لفهم التحولات السياسية الكبرى.

8- المرونة في استيعاب التغيرات المفاجئة

التحليل السياسي يتطلب المرونة في التفاعل مع الأحداث المتغيرة. بعض الأحداث قد تؤدي إلى تحولات مفاجئة في المواقف السياسية، لذلك يجب أن يكون المحلل مستعدًا لإعادة تقييم السيناريوهات بناءً على المستجدات.

9- الفصل بين الأمنيات والوقائع

غالبًا ما تتداخل الرغبات الشخصية أو الأيديولوجية مع الواقع السياسي. المحلل السياسي المحترف يجب أن يميز بوضوح بين التحليل الواقعي القائم على الحقائق، والرغبات أو الأمنيات التي لا تستند إلى معطيات واقعية.

10- الحبكة الروائية

تحليل الأحداث السياسية وحده لا يكفي إذا لم يتم طرحه للجمهور بشكل واضح ومفهوم ومقنع. يجب أن تكون السردية محبوكة ومقنعة وتجيب على الأسئلة الأساسية للخبر أو على الأقل جزء هام منها ( ماذا – من – متى – أين – كيف – لماذا ) وكلما كانت الإجابات مقنعة كان التحليل محبوك روائيا

التحليل السياسي ليس مجرد قراءة للأحداث الحالية، بل هو فنّ قائم على مزيج من الفهم العميق، التفكير النقدي، والاستشراف. الالتزام بالقواعد الأساسية للتحليل السياسي تمكّن المحلل من تقديم رؤى دقيقة إلى حد كبير تسهم في فهم التحولات السياسية واستشراف مستقبلها بشكل أفضل.

من محمد زكى

سياسي وصحفي بالكرامة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *