حسين معلوم
في وقت يسود فيه الجمود المشهد العام في البلاد، جاء إعلان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، عن تعيين مبعوثة أممية جديدة إلى ليبيا، هي وزيرة الخارجية الغانية السابقة، هنا سيروا تيتيه، ليُثير التساؤلات حول فرص نجاحها، وأبرز التحديات التي تواجهها؛ هذا، فضلًا عن المواقف المتباينة، سواء الداخلية أو الإقليمية والدولية، من هذا التعيين.
بل، تتزايد التساؤلات بخصوص نجاح تيتيه، ليس فقط لأنها الشخصية “العاشرة” التي تشغل هذا المنصب، منذ عام 2011؛ ولكن أيضًا لأنها تأتي بعد فترة زمنية ظل فيها منصب المبعوث الأممي في ليبيا شاغرًا، منذ استقالة السنغالي عبد الله باتيلي، في أبريل 2024.
صعوبات داخلية
مع استمرار الأزمة الليبية، منذ سقوط نظام معمر القذافي، في عام 2011، تعاقب على ليبيا عدد من المبعوثين الأمميين، الذين فشلوا جميعهم في تحقيق اختراق كبير نحو حل سياسي شامل. هذا السياق، يضع على عاتق تيتيه تحديات ضخمة؛ تحتاج فيها إلى فهم عميق للوضع الليبي المعقد، بالإضافة إلى التعامل مع أطراف دولية وإقليمية لديها مصالح متضاربة.
أضف إلى ذلك، الصعوبة التي ستجد فيها تيتيه نفسها، وذلك في مواجهة المبادرة التي أعلنت عنها ستيفاني خوري، التي كانت ترأس البعثة الأممية في ليبيا بالإنابة، بعد استقالة باتيلي؛ المبادرة بشأن اللجنة الفنية والاستشارية وتشكيل حكومة موحدة في البلاد. فهل ستتبنى تيتيه مبادرة خوري، أم سوف تتعامل معها كأنها لم تكن.. تساؤل واقعي، سوف تجيب عنه تيتيه في قادم الأيام.
وبالطبع، ليس هذا هو التحدي الوحيد أمام تيتيه.. ولكن هناك تحديات أخرى:
فمن جانب، هناك التعقيد في المشهد السياسي الداخلي؛ إذ، رغم وجود اتفاقات سياسية، مثل اتفاق الصخيرات في 2015، واتفاق جنيف في 2020، فإن الواقع على الأرض يعكس حالة من الانسداد السياسي، حيث تعجز الأطراف المتنازعة عن الالتزام بتنفيذ الاتفاقات على نحو كامل.
ومن ثم، ستواجه تيتيه تحديًا مباشرًا في التعامل مع الانقسامات العميقة بين الأطراف الليبية. حفتر، من جانب، ما يزال يرفض الاعتراف بشرعية حكومة الوحدة الوطنية، ويطالب بإجراء انتخابات رئاسية ونيابية؛ بينما الدبيبة يتمسك بالبقاء في السلطة إلى حين إجراء انتخابات. هذه الانقسامات تتطلب من المبعوثة الجديدة استراتيجية متوازنة، تستطيع من خلالها إقناع الأطراف المختلفة بالجلوس إلى طاولة المفاوضات مرة أخرى.
من جانب آخر، هناك الميليشيات وإشكالية بناء المؤسسات؛ حيث يشكل وجود الميليشيات المسلحة تحديًا أمنيًا كبيرًا، خاصة في الغرب الليبي. فالميليشيات ليست فقط أدوات للضغط العسكري، بل إنها جزء من اللعبة السياسية والاقتصادية؛ فهي تتحكم في موارد البلاد وتلعب دورًا في المشهد السياسي الداخلي. وقدرتها في التأثير على القرار السياسي يجعلها عقبة كبيرة أمام أي محاولات للتوصل إلى حل شامل. ولذلك، ستحتاج تيتيه إلى التعامل مع هذه القوى بعناية، وضمان عدم انزلاق البلاد نحو مواجهات مسلحة جديدة.
أما ما يتعلق بإعادة بناء المؤسسات، فهذا هو التحدي الأساسي الذي سيواجه تيتيه، وخاصة توحيد الجيش والشرطة. إذ، إن ليبيا بحاجة إلى مؤسسة عسكرية “موحدة” قادرة على فرض سيادة الدولة على كامل أراضيها، وكذلك إلى جهاز أمني موحد يعمل على فرض القانون والنظام.
ومن جانب أخير، هناك مسألة الانتخابات والأزمة الاقتصادية؛ فمسألة الانتخابات في ليبيا هي قضية جوهرية، حيث كانت الانتخابات جزءًا من اتفاقات عام 2015 في الصخيرات، وعام 2020 في جنيف، التي تم التوصل إليها. لكن، حتى الآن، لم يتم الاتفاق على الأسس الدستورية لهذه الانتخابات ولا على مواعيد إجرائها. المبعوثة الأممية الجديدة تحتاج إلى وضع خطة محكمة لتحريك الملف الانتخابي وضمان أن تكون العملية الانتخابية شاملة وشفافة.
أضف إلى ذلك، الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها ليبيا، رغم أنها من أغنى الدول الإفريقية من حيث الموارد النفطية. الفساد وسوء الإدارة، بالإضافة إلى الانقسامات السياسية، أدت إلى تدهور الأوضاع المعيشية للمواطن الليبي. وعلى الرغم من المحاولات المستمرة لإصلاح الوضع، فإن أي حلول سياسية أو أمنية لن تكون فعالة إذا لم يتم التعامل مع الأزمة الاقتصادية بطريقة جذرية.
فرص متاحة
الملاحظ، أن هنا تيتيه تحمل معها سجلًا حافلًا في الدبلوماسية الإقليمية والدولية، فهي قد شغلت منصب وزيرة خارجية غانا، وعملت كممثلة خاصة للأمم المتحدة لدى الاتحاد الأفريقي. هذه الخبرات تمنحها فهمًا عميقًا للتحديات التي تواجه القارة الإفريقية، بما في ذلك التدخلات الدولية والإقليمية التي تؤثر على الاستقرار في ليبيا.
لذا، فإن هناك فرصًا أمام تيتيه لتحقيق بعض التقدم في الملف الليبي.. لعل من أهمها:
من ناحية، إمكانية الاستفادة من التجارب السابقة؛ إذ، إن تيتيه ليست جديدة على الساحة الدبلوماسية؛ فقد شغلت مناصب مهمة، مثل وزيرة الخارجية الغانية وممثلة خاصة للأمم المتحدة لدى الاتحاد الأفريقي. هذه الخبرات تجعلها مطلعة على الديناميات الإقليمية والدولية، وتمكنها من تقديم مقاربة مختلفة قد تساعد في كسر الجمود في الملف الليبي.
من ناحية أخرى، إمكانية الاستفادة من إرهاق المتنازعين؛ فبعد أكثر من عقد من الصراع، يبدو أن الأطراف الليبية منهكة من الحروب والاقتتال. هذه النقطة قد تشكل فرصة للمبعوثة الأممية الجديدة، لدفع هذه الأطراف نحو طاولة الحوار مرة أخرى؛ خاصة أن هناك رغبة بين كثير من الليبيين لتحقيق الاستقرار وإنهاء حالة الانقسام التي أنهكت البلاد.
في هذا الإطار..
يمكن القول إذا كانت الأزمة الليبية واحدة من أعقد الأزمات على مستوى القارة الأفريقية، وحلها يتطلب جهدًا دوليًا منسقًا يتجاوز الصراعات المحلية والإقليمية؛ لذا، فإن تعيين هنا تيتيه كمبعوثة أممية جديدة إلى ليبيا، قد يمثل “خطوة جديدة” على طريق إعادة إحياء العملية السياسية. وكما يبدو، فإن المواقف المتباينة بين الأطراف الليبية المختلفة، بالإضافة إلى الاعتراضات الأولية من بعض القوى الدولية، تعكس الصعوبات التي قد تواجهها تيتيه في تحقيق تقدم ملموس. مع ذلك، فإن الدعم القوي الذي تلقته من الاتحاد الأفريقي، إلى جانب خبراتها السابقة، يمكن أن يعزز فرصها في لعب دور محوري في حل الأزمة الليبية.