محمد زكي

منذ دخول هيئة تحرير الشام إلى دمشق وانسحاب الجيش بلا قتال ورحيل الأسد وسط حالة من الذهول من سرعة الانهيار تعددت الأسئلة حول كيف؟ والإجابة لابد أن تكون في شكل معلومات موثقة واعترافات حقيقية وهذا غير متوفر حتى الأن وسوف يفصح عنه المستقبل القريب
الأهم من فهم ماحدث هو محاولة فهم ما يحدث واستشراف ما سيحدث وليس أمامنا إلاالتحليل الموضوعي وحساب الاحتمالات حتى لا نخدع أنفسنا بحديث العواطف والأمنيات
الحقائق على الأرض تقول
1- هيئة تحرير الشام تحكم الأن في دمشق
2- الهيئة لا تضم كل فصائل السلفية الجهادية
3- هناك تنظيمات مسلحة مناوئة للهيئة
4- الهيئة تتبع النظام في تركيا
5- إسرائيل تمددت في الجنوب السوري ودمرت سلاح الجيش
6- أمريكا تناور بورقة الإرهاب والحصار
7- لا وجود إيراني في سوريا
8- لا وجود لحزب الله في سوريا
9- لا سلاح يمر إلى حزب الله
10- الزيارات الدولية تتوالى على دمشق
هذه هي بيّنات الواقع السوري يراها كل ناظر للمشهد
وهناك أخرُ متشابهات تحتمل التأويل والتأويل المضاد، منها:
1- أمريكا شاركت في ترتيبات الهجوم ودعمته .. هذا احتمال يقبل الترجيح لكون تركيا حليف قوي لواشنطن ولا يعقل ترتيب هذا الهجوم بدون علمها على الأقل إن لم يكن مدعوما أيضا، ويقبل أيضا النفي بشواهد استخدام أمريكا لسياسة العصا والجزرة للسلطة الحالية وهذا يعني أن أمريكا تفاجأت مثلنا بما حدث ولم تكن حاضرة في الترتيبات وإلا ما احتاجت للمناورة لتمرير أهدافها
2- الهيئة عميل لإسرائيل تنفذ أجندة مطلوبة منها .. هذا أمر يؤيده الدعم والمساندة الثابتة التي قدمتها إسرائيل لأعداء النظام السوري لسنوات، وينفيه استغلال إسرائيل للحظة الحالية للقضاء على سلاح الجيش السوري حتى تجعل سوريا الجديدة بلا سلاح حقيقي ومؤثر وخصوصا مصانع الصواريخ ومخزونها مما يعني أنها لا تثق في هذا القادم من العباءة الجهادية
كلما ابتعدت عن الحقيقة كلما كانت رؤيتك للمشهد مشوهة ومواقفك يجانبها الصواب ولذلك علينا تحري الدقة في قراءة المشهد، الثابت أن أطراف المشهد تركيا وأمريكا وإسرائيل والتنظيمات المسلحة كلهم أعداء لنظام الأسد وتعاونوا ضده على مدار السنوات الماضية لكن لا أحد يستطيع الإجابة بيقين على السؤال، ما نوع هذه العلاقة هل هي تعاون تكتيكي مدفوع بوحدة العدو وفرضته المصلحة المشتركة في الخلاص من الأسد ونظامه أم هو توافق استراتيجي على رؤية شاملة لمستقبل سوريا والمنطقة ودور كل طرف؟.. الإجابات غالبا ستكون تعبيرعن آراء تحكمها مواقف مسبقة أكثر منها إجابات مؤكدة مدعومة بالأدلة القاطعة، الأفعال القادمة وحدها ستجيب عن هذا السؤال الهام
مقاطع قصيرة
المقطع الأول: تحدث الجولاني عن اهتمامه ببناء الدولة وتحسين أوضاع المواطن وعدم رغبته في خوض حروب مع أي طرف والكلام يشمل إسرائيل طبعا بل ربما يكون الغرض منه في الأساس هو إرسال رسالة إلى إسرائيل.
المقطع الثاني: تحدث محافظ دمشق عن سلام مع إسرائيل فهاجت الدنيا على الرجل فخرج ليوضح أنه تكلم عن السلام الداخلي وأنهم غير معنيين بالحرب مع إسرائيل.
لو تأملنا هذان المقطعان في المشهد السوري لوجدنا الأتي:
1- تصريحات الجولاني ربما تكون تعبير عن استراتيجية متفق عليها بين الأطراف المنتصرة وربما تكون تكتيك يفرضه عليه الواقع المرير لسوريا الآن ومحيطها العربي
2- المقطع الثاني أكثر دلالة وينطوي على مكون في منتهى الأهمية وهو الرأي العام .. إن قيادة الهيئة معنية بالرأي العام داخل الهيئة وفي الداخل السوري وربما أوسع من ذلك، مما أدي إلى أن يسارع محافظ دمشق لتوضيح كلامه سواء كان صادقا في توضيحه أو كاذبا لتعديل مقولته أو تبريرها، في الحالتين نحن أمام قوة أجبرته على سرعة التراجع أو التبرير أو الإنكار .. وهذه القوة يمكن أن تكون صمام الأمان أمام أي انحراف استراتيجي عن الثوابت الأيديولوجية لدى الكادر السلفي أو لدي المواطن العادي
واضح في المشهد أن النموذج الأفغاني الطالباني مستبعد وغير قابل للتطبيق في البيئة السورية ولن يؤدي إلى أي استقرار بل هو الوقود لأي فوضى محتملة وبالتالي فالنموذج التركي هو البديل، وهذا في حد ذاته جيد لتأسيس دولة قابلة للحياة كولاية تركية مطلوب منها أن تكون ناجحة ونموذج ملهم لدول أخرى للانطواء تحت عباءة الخلافة العثمانية الجديدة،وهذا تحالف استراتيجي تم إعداده مسبقا ويتوافق مع القناعات الأيديولوجية لهذه السلطة الحالية
تحقيق هذا النموذج الناجح والملهم وفق الوصفة التركية يستوجب إنجاز استحقاقات المرحلة الانتقالية وأهمها دستور يؤسس للتعددية الحزبية والحريات الشخصية والسياسية ويحمي حقوق الأقليات ويؤمن وسائل وممارسات ديمقراطية نزيهة وانتقال سلمي للسلطة، هذا هو الواجب خلال المرحلة الانتقالية وأهدافها، فإذا حادت السلطة عن هذا المسار فيمكنها البقاء في السلطة بالاستبداد والقهر وهذا يعيدنا إلى الواقع المستبد الذي دفعت سوريا ثمنا غاليا للتخلص منه وهذا يؤدي بالضرورة إلى حركات معارضة وتحركات سياسية ستواجهها السلطة بالقمع والسجن والقتل وباقي سلوكيات الأنظمة المستبدة وبذلك يكون التيار السلفي قد كسب دولة وخسر المشروع والجمهور وانهارت معه الأحلام التركية
باختصار السلطة ليس أمامها إلا النجاح في تأسيس سوريا الديمقراطية، والداعمين ليس أمامهم إلا إنجاح النموذج القادم، والبديل هو اقتتال داخلي وبحور من الدماء تنتهي بتقسيم سوريا إلى كانتونات متحاربة ربما يصل حجم بعضها إلى قرية وأجوارها
ويبقى السؤال: ماذا لو تأسست الدولة الديمقراطية ثم أتت الديمقراطية باتجاه سياسي مختلف عن السلطة الحالية؟

من محمد زكى

سياسي وصحفي بالكرامة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *