الناصرية بين السلفية والتجديد

شريف عبد البديع

كان أعداء عبد الناصر في حياته هم أول من إستخدم مصطلح (ناصرية ) وهم يحاولون وصف الحالة القومية التي إجتاحت الوطن العربي وكان أعضاء مراكز الفكر في الولايات المتحدة هم أصحاب هذا المصطلح بعد أن إستبعدوا كونه شيوعيآ

وفي المقابل كان المؤيدون لعبد الناصر في البلاد العربية يصنفون أنفسهم بأنهم ناصريين في مقابل المعسكر المعادي لعبد الناصر

ةكان المفكر اعربي الكبير طه حسين أول من غستخدم لفظ ( ثورة ) علي ما جري ليللة الثالث ةالعشرين من يوليو , إذ كةنه درس في اوروبا , هضم الأفكار الغربية , ةفهم أن الثورة والفعل الثوري هو ببساطة أن تزيح الطبقات الشعبية طبقة الأوليجارشية الحاكمة وتستلم هي السلطة , ةةصل لهذه القناعى بعد 9 سبتمبر 1952 وصدور قانون الأصلاح الزراعي الأول , كما أنه بعد تأميم القناة ةتحةل جمال عبد الناصر لقائد أممي , كتب طه حسين مقالأ في اغسطس 1957 بعنوتن ( الناصريزم )

وكان عبد الناصر يحاول قراءة كل النظريات  السياسية ولما أقتنع بالإشتراكية التي تتوافق وقناعاته وتتسق مع طبيعته التي تتوخي العدل وتتطلع إليه حاول أن يؤسس ما يسمي بالإشتراكية العربية وهي الطريق الثالث الوسط بين الشيوعية والرأسمالية كما تصور هو أنه قادر علي تحقيقه وخرج بصيغة التحالف الإشتراكي الشهيرة

(إن أعظم الملامح في تجربتنا الفكرية والروحية هي أننا لم ننهمك في النظريات بحثآ عن حياتنا وإنما إنهمكنا في حياتنا ذاتها بحثآ عن النظريات ) هكذا وصف عبد الناصر تجربته وطريقة تفكيره

مات عبد الناصر في 28 سبتمبر 1970 وظل  مؤيديوه ومريدوه يحاولون صياغة  نظرية تسمي ( الناصرية ) وإنتشرت الجماعات والاحزاب التي تتخذ الناصرية  لقبآ مميزآ لها في كل بلد عربي بلد وأكثر من حزب ناصري في بلد واحد

لم تحقق الناصرية طيلة هذه السنوات شيئآ يذكر لا علي مستوي الوعي ولا علي مستوي إستلام السلطة ولا بناء تنظيم ثوري جامع اللهم إلا من تجربة قصيرة قادها الرئيس ابراهيم الحمدي في اليمن الشمالي من 1974-1977 قبل أن يقتل علي يد أعداء المشروع الناصري وأعداء الثورة اليمنية  

بطبيعة الحال هناك جهود نظرية لا يمكن إغفالها مثل جهود الدكتور عصمت سيف الدولة في محاولة لصياغة نظرية وبناء فكري يمكن الإحتكام إليه

كل ما نراه  علي ساحة العمل السياسي القومي هي مجرد ( ناصرية سلفية ) تحن للماضي وتجتر الذكريات وتحاول بناء مواقف علي خبرات من تجربة عبد الناصر وتخرج بنتائج مضادة لفكرة الناصرية كما جسدها عبد الناصر

إذ ينطلق البعض في بناء مواقفه  من تجربة عبد الناصر مع حزب البعث السوري ليتخذه منطلقآ لمعادة الدولة السورية التي تواجه عدوانآ إمبرياليآ بشعآ منذ  سنوات ويجد نفسه في النهاية مصطفآ مع الرجعية العربية ومع الكيان الصهيوني ومع الامريكي اعداء الناصرية .

وينطلق البعض من تجربة أنصار الإمامة مع التدخل المصري في اليمن في الستينيات ليصطف مع الرجعية العربية ومع الكيان الصهيوني ومع الأمريكي أعداء الناصرية

أو أن ينطلق البعض من سياق تجربة عبد الناصر نفسه محاولآ إستنساخها ( وهذا مستحيل عمليآ وواقعيآ )

وفي ظني الشخصي تتلخص الناصرية في أنها تقوم علي التنمية المستقلة المعتمدة علي الذات ببناء قطاع عام قوي يقود التنمية  وفق خطة طموحة ويحقق العدل الإجتماعي ويرفض الإقتصاد الريعي وأن يعتمد الإقتصاد علي موارد ذاتية .

وتقوم علي أن المراكز الإستعمارية (الولايات المتحدة واوروبا ) التي دأبت علي نهب خيرات العالم الثالث وتفضل قيام علاقات إقتصادية غير متكافئة ينبغي الفكاك من هذا المصير ورفض أدواته ( البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمات غير الحكومية ) التي تتدخل في الشان الداخلي وتقضي علي فكرة الإستقلال ذاتها

تقوم أيضآ علي أن الكيان الصهيوني هو مجرد آداة للناهب الدولي يفصل مصر ويعزلها عن المشرق العربي حيث أمنها القومي ويقوم بضرب مصر كلما حاولت بناء أي نهضة وكذلك معادي للمحيط العربي يمنع وحدته ويستنزف مقدراته

وكذلك هي محاولة لبناء وحدة عربية تقاوم المشروع الصهيوني وأيضآ تقاوم المشروع الإمبريالي الغربي بالتكامل الإقتصادي ووحدة الهدف والارادة السياسية

وهكذ فيما أظن تكون الناصرية معاداة للمشروع الإستعماري وأدواته وهي إصطفاف مع آولئك الذين يقاومون هذا المشروع

وفيما يخص دوائر الإمن القومي الثلاث التي حددها عبد الناصر مبكرآ في فلسفة الثورة فأعتقد أن الأمر بقدر ماهو ليس إختراعآ ناصريآ وإنما قراءة واعية لتاريخ مصر عبر العصور ( الدائرة العربية والإفريقية والإسلامية )

وهكذا فإن من يعتبر نفسه ناصريآ يجد نفسه يعادي المشروع الإستعماري الذي غيًر طريقته في إدارة نهب الموارد بإقامة علاقات غير متكافئة مع الدول الفقيرة

وإذا إستعصي عليه أمر دولة ما قام بغزوها خارج القانون الدولي كما في حالة العراق

ومن يعتبر نفسه ناصريآ لا يمكن أن يقبل وجود الكيان الصهيوني ويعترف به فهذا الكيان العنصري هو آداة إستعمارية لعزل مصر وحبسها داخل حدودها, ولا يمكن قبول هذا الكيان في فلسطين وكما قال عبد الناصر ( إن الشر الذي زرعه الإستعمار في قلب وطننا العربي ينبعي علينا أن نسـتأصله , والهزيمة الحقيقيى ليست فقدان ارض وإنما الهزيمة الحقيقية أن يبقي إسم اسرائيل علي قرية أو بلدة عربية)

ومن يعتبر نفسه ناصريآ لا يمكن أن يكون قوميآ شوفينيآ أو طائفيآ أو عنصريآ, وينبغي أن يقوم مشروعه الذي يؤمن به علي إستيعاب المجموعات الإثنية والعرقية في الوطن العربي ويساند كل مشروع تحرر في كل مكان .

ومن حسن الحظ أن التوليفة الإقتصادية التي ابتكرها عبد الناصر بوجود قطاع عام قوي يقود التنمية , وإشراك القطاع الخاص يعمل بشروط ثلاث ( عدم الإختكار -عدم الإستغلال -العمل وفق خطة الدولة الإقتصادية ) من حسن الحظ أن احزابآ اشتراكية تبنت هذا النهج ةنجحت في تطبيقه ( الطريق الثالث ) بين الشيوعية وإلغاء الملكية الخاصة وبين الرأسمالية المتوحشة .

الناصرية بعد كل هذه السنوات صارت مصطلحآ يدرس في المعاهد والكليات المتخصصة بالعلوم السياسية , وهناك رغم التشويه مؤمنين علي امتداد قارات العالم الثلاث بالناصرية ةقائدها الأممي جمال عبد الناصر ,

إن تجديد الناصرية واجب علي كل مؤمن بالفكرة وبالتجربة حتي لا نبقي آسري التاريخ والتجربة وشخصية الرجل الكاريزما

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *