د. أحمد يوسف أحمد

أعلن حكام دمشق الجدد نيتهم بناء جيش جديد من الواضح أنه سيتكون أساساً من الفصائل المسلحة التي أسقطت النظام السوري، خاصة وقد تم إلغاء التجنيد الإجباري في سوريا، وقد عقدت السلطة الانتقالية في سوريا اجتماعاً مع قادة هذه الفصائل لهذا الغرض، ولا شك أن عملية بناء مؤسسة عسكرية في ظروف استثنائية كظروف سوريا الحالية، أو كما كان الحال في إعادة بناء الجيش اللبناني بعد حرب أهلية دامت نحو 15 عاماً، أو بناء الجيش العراقي بعد الغزو الأميركي للعراق عملية بالغة الصعوبة، وقد أعلنت السلطة الانتقالية في سوريا أنه لن يكون هناك سلاح خارج سيطرة الدولة، ما يقتضي توحيد الفصائل تحت سلطتها، وثمة ملاحظتان أساسيتان في هذا الصدد.
تتعلق الملاحظة الأولى بمكونات الجيش الجديد، وهي الفصائل المسلحة التي أسقطت النظام، وهي ليست بالمهمة اليسيرة لسببين على الأقل.
أولهما، العدد الكبير لهذه الفصائل، وقد كنت أعلم بتعدد هذه الفصائل، ولكني يجب أن أعترف بأنني فوجئت بالصورة التي التُقطت بعد اجتماع السلطة الانتقالية في سوريا بهم، فقد أحصيت منهم ما لا يقل عن 40 زعيماً للفصائل، فإذا علمنا أن ثمة اختلافات بينها، وإلا ما كانت احتفظت بهياكلها المستقلة، لاتضح لنا مدى صعوبة الدمج بينها.
وقد لاحظت في التصريح الذي أعقب الاجتماع أنها أشارت إلى أن معظم قادة الفصائل قد وافقوا على الاندماج، وهو ما يعني أن بعضهم الذين لا نعرف عددهم، إما أنه معترض على مبدأ الدمج أو آلياته، ونعلم على سبيل المثال أن الفصيل المكلف بحماية حلب كان قد أعلن رفض تسليم السلاح للدولة، وإما أن له على الأقل تحفظات على آليات الدمج.
أما السبب الثاني فلا يقل أهمية بل قد يكون أهم، وهو أن القول إن الجيش الجديد سوف يتكون بدمج الفصائل التي أسقطت النظام السوري يعني أنه لن يكون ممثلاً لخريطة المجتمع السوري شديدة التنوع، وهو نقص خطير في أي قوة مسلحة لدولة من الدول لا تُعَبر عن مجتمعها، وإلا أصبح الجيش الجديد تكراراً لتجربة الجيش السوري في ظل حكم النظام السابق الذي دام أكثر من نصف قرن، والذي سيطرت عليه طائفة بعينها، بل إن جيش النظام السابق انطوى على تمثيل ما للطوائف والجماعات العرقية الأخرى غير الطائفة العلوية، وإن بقيت القيادة في يد المنتمين لها، ناهيك أن الجيش الجديد سوف يتضمن فصائل غير سورية، بل غير عربية، وكلها أمور تثير عديداً من الأسئلة.
أما الملاحظة الثانية، فتشير إلى صعوبة عملية بناء الجيش الجديد، لأنها تبدأ من الصفر لسببين، أولهما، إن جيش النظام السابق قد تبخر كأفراد، وحتى لو بقي منه شيء فكيف يكون مكوناً لجيش جديد كان جيش النظام السابق يقاومه بأقصى درجات العنف، كذلك فإن الجيش كأسلحة ومعدات قد انتهى بعد الضربات الإسرائيلية الشاملة التي تذرعت إسرائيل في توجيهها بأنها تخشى وقوع الأسلحة الاستراتيجية للجيش القديم في يد من لا تثق في توجهاتهم، مع أن هذه التوجهات كانت أكثر من واضحة، وفقاً لتصريحات حكام دمشق الجدد.
ومن المؤكد أن تركيا ستساعد في عملية بناء الجيش الجديد، وأن تسليحه لن يمثل مشكلة طالما أن اهتماماته سوف تكون داخلية بالأساس على ضوء هذه التوجهات.

نقلا عن الإتحاد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *