بين إخوان مصر وتركيا ما بين أبو الهزائم وأبو الأتراك

كتب: محمد زكي

يُعتبر مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس الجمهورية التركية، شخصية محورية في تشكيل التاريخ التركي الحديث. بعد هزيمة الدولة العثمانية، أدرك أتاتورك الحاجة الماسة إلى إعادة بناء الأمة التركية، مما قاده إلى إعلان الجمهورية في 29 أكتوبر 1923، بعد إلغاء الخلافة.

كان لدى أتاتورك رؤية عميقة لتحديث تركيا، حيث عمل على تنفيذ مجموعة شاملة من الإصلاحات السياسية والاجتماعية والثقافية. من أبرز إنجازاته

  • إقرار نظام قانوني علماني، بعيداً عن التقاليد الدينية.
  • أعاد تشكيل نظام التعليم، وأسس المدارس الحديثة، وركّز على تعليم اللغة التركية وإحياء الثقافة الوطنية.
  • كما قدم المرأة التركية في المجتمع من خلال حقها في التعليم والمشاركة في الحياة السياسية.
  • أدرك أنه يجب تعزيز الهوية الوطنية لتعزيز الوحدة بين الأتراك، لذا تبنى سياسات شجعت على إبراز الفخر القومي.
  • تعتبر الفلسفة العلمانية التي تعززت خلال فترة حكمه حجر الزاوية للتوجه الجديد، حيث أدت هذه الفلسفة إلى تحييد الدين عن السياسة، مما ساهم في إيجاد أمة تسعى للتقدم والتطور ضمن إطار حدي
  • إن تأثير أتاتورك لم يقتصر فقط على فترة حكمه، بل استمرت فلسفاته وأفكاره في التأثير على المجتمع التركي حتى يومنا هذا. إن إرثه لا يزال محورياً فيما يتعلق بكيفية فهم الأتراك لتاريخهم ومكانتهم في العالم الحديث.

خلال فترة حكم مصطفى كمال أتاتورك، قام بتطبيق سلسلة من التغييرات الجذرية التي كانت تهدف إلى تحديث المجتمع التركي وتعزيز علمانيته. واحدة من أبرز هذه التغييرات كانت إلغاء الأذان خارج المساجد، والذي كان يعد وسيلةً أساسيةً للتعبير عن الهوية الإسلامية في المجتمع.

علاوةً على ذلك، قام أتاتورك بتغيير العطلة الأسبوعية من يوم الجمعة إلى السبت، مما يعكس رؤيته نحو تحويل تركيا إلى دولةٍ تتماشى مع الممارسات الغربية. هذه الخطوة لم تكن مجرد تغيير في الجدول الزمني، وإنما كانت رسالة قوية تسعى إلى فصل الدين عن الدولة وتعزيز النظام العلماني.

من بين أبرز القرارات التي اتخذها أتاتورك كانت إلغاء تعليم اللغة العربية في المدارس والتحول من الكتابة بالحروف العربية إلى اللاتينية. هذا التغيير لم يؤثر فقط على القراءة والكتابة، بل كان له تأثير عميق على الهوية الثقافية للأتراك.

يبرز الاحترام الكبير الذي يكنه الأتراك لقادتهم وتاريخهم ويتمثل في التقبل العميق لشخصية مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس الجمهورية التركية الحديثة. على الرغم من التنوع السياسي والاختلافات العقدية التي قد تظهر بين الأفراد والمجموعات، تبقى صورة أتاتورك علامة بارزة ومحل احترام واسع في المجتمع التركي.

يظل وجود صورته في المقرات الحكومية، بالإضافة إلى تماثيله في الأماكن العامة، دليلاً واضحًا على مكانته المحورية في الوعي الجمعي للأتراك. هذه الرمزية لا تعكس فقط التاريخ، بل تعبر أيضًا عن رؤية مستقبلية أرادها مؤسس الدولة الحديثة، حيث سعى لتطوير نظام علماني يعزز من قيم الحداثة ويحقق التوازن بين الدين والدولة.

ورغم وصول التيار الديني إلى السلطة في تركيا من فترة ليست قصيرة إلا أنهم لم يعبثوا بالإرث التاريخي للدولة الحديثة ورمزها وظلت صورة كمال أتاتورك معلقة في المكتب الرئاسي فوق رأس الجالس على كرسي الرئاسة

تعتبر هذه الرمزية مهمة لحماية الإرث الذي خلفه أتاتورك، مما يعكس الثقة وتأصيل التاريخ في الذاكرة الوطنية، حيث يرى الأتراك في هذه القيم أساساً لنموهم وتقدمهم في المستقبل. وعلى الرغم من التحديات، يبقى احترام التاريخ وقياداته مركزًا هامًا في صياغة الثقافة التركية ومواصلة مسيرتها نحو الاستقرار والتطور.

في المقابل نرى المجتمع المصري منقسم حول تاريخه ورموزه، وهذه الظاهرة من الملاحظ أن لها مستويات متفاوتة بين الثقافات. فبينما يبرز الأتراك تفانيهم في احترام تاريخهم وقادتهم السياسيين، فإن التجربة المصرية تُظهر تعقيدات أكبر. على سبيل المثال، يعتبر جمال عبد الناصر واحدًا من أبرز القادة العرب، حيث ترك بصمة واضحة على التاريخ المصري والعربي بل و العالمي. ومع ذلك، فقد تم تشويهه عمدا ونسب إليه الكثير من الأكاذيب والافتراءات وقاد الإخوان المسلمون ومن خلفهم التيار الديني في معظمه حملة شرسة على عبد الناصر وفترة حكمه وصلت لاتهامه بالكفر ومعاداة الدين، متجاهلين عدد المساجد الضخم الذي بنيت في عصره وتطويره للأزهر وإنشائه لإذاعة القرآن الكريم ومدينة البعوث الإسلامية والبعثات الأزهرية إلى أفريقيا والعالم العربي وغيرها الكثير في الشأن الديني فقط،

ولم يتوقف الهجوم عند هذا الحد بل طال كل إنجازاته السياسية والاقتصادية والعسكرية فجعلوا من السد العالي كارثة والإصلاح الزراعي خرابا وتأمين القناة مغامرة وصد العدوان الثلاثي هزيمة وتحرير اليمن مذبحة للجيش ومساعدة الجزائر في حرب التحرير إهدار للمال العام ومساندة حركات التحرر رغبة في الزعامة

إن التشويه الذي أحدثه الإخوان وأذنابهم في العقلية المصرية انعكس بالسلب على الحياة العامة بكل أشكالها فهما وإدراكا وانتماءا، وتسبب في موجة من الشك في كل الثوابت الوطنية بل والدينية أيضا فلا شئ فوق مستوى الشك ولا أحد أمن في بيت يحترق

فرق شاسع بين الشعب التركي والمصري في تعاملهم مع الرموز التاريخية، فالأتراك يسمون مصطفى كمال ( أتاتورك ) أي أبو الأتراك والإخوان ومن تأثر بهم في مصر يطلقون على عبد الناصر أبو الهزائم

هذا الفارق في قيم التقدير والاحترام يسهم في فهم أعمق لكيفية تحديد الهويات الثقافية والسياسية لكل من الأمة التركية والعربية. إن مراجعة التاريخ السياسي لكلا الجانبين تُظهر تنوع المعايير وكيفية تأثير ذلك على مكانة الشخصيات التاريخية في الذاكرة الجماعية.

By محمد زكى

كاتب و صحفى بجريدة الكرامة - عضو مؤسس بحزب الكرامة و امين التنظيم - ليسانس دار العلوم جامعة القاهرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *