بعد 66 يوما من الحرب الإسرائيلية العنيفة على لبنان وحزب الله جرى الإعلان عن بدء سريان اتفاق لوقف إطلاق النار بين الطرفين فجر الأربعاء الماضى (27 نوفمبر/ تشرين الثانى) على لسان الرئيس الأمريكى المنتهية ولايته جو بايدن الذى لعبت بلاده الدور الرئيسى فى التوصل إلى هذا الاتفاق الذى تعرض، ومازال يتعرض لكثير من الانتقادات على الطرفين اللبنانى والإسرائيلى ما يعنى أنه ، (أى الاتفاق) لم يحقق لأى من الطرفين ما كان يريده من هذه الحرب، لكنه يعنى، فى ذات الوقت، أنه حقق الكثير للطرفين. من هنا يجدر التساؤل عن أى تداعيات يمكن أن تكون محتملة بالنسبة لهذا الاتفاق الذى دخل مرحلة اختبارية مدتها 60 يوماً يتم خلالها إنجاز الترتيبات المنصوص عليها من الطرفين خاصة قيام لبنان بنشر الجيش والقوات الأمنية اللبنانية جنوب نهر الليطانى وعلى طول الحدود الجنوبية اللبنانية مع إسرائيل بعد أن تنسحب قوات حزب الله منها، وأن تقوم إسرائيل بسحب قواتها كاملة من الجنوب اللبنانى.
كان يمكن فى ظل هذا الترتيب اعتبار الاتفاق متوازناً، لكن الكشف عن وجود وثيقة ضمانات أمريكية لإسرائيل، ينظر إليها الطرفان الإسرائيلى والأمريكى على أنها مكملة لنص الاتفاق الذى تم التوصل إليه بين لبنان وإسرائيل، ينهى أى جدية للظن بوجود هذا التوازن، خاصة إذا أدركنا أن الاتفاق أنهى، ضمنياً، أى التزام من جانب حزب الله تجاه جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقى الإسرائيلى للشعب الفلسطينى فى قطاع غزة، ومن ثم أنهى عملياً وجود ما كان يسمى قبل هذا الاتفاق «جبهة المساندة»، ولا يعرف حتى الآن هل مازال كل من اليمن وفصائل المقاومة العراقية ملتزمتان بمساندة الشعب الفلسطينى فى غزة على نحو ما كان يحدث قبل توقيع الاتفاق اللبنانى – الإسرائيلى الذى أخرج لبنان من «جبهة المساندة» تلك، فى ظل غموض يتزايد يوماً بعد يوم بخصوص الموقف الإيرانى الراهن والمستقبلى من تلك الأحداث والتطورات .
فما جرى تسريبه «إسرائيلياً» من معلومات حول مضمون وثيقة الضمانات الأمريكية لإسرائيل نقلت بعضها «القناة 12» العبرية صباح الخميس، (28/11/2024) أى صبيحة اليوم التالى لإعلان الاتفاق يؤكد ثلاثة مستجدات شديدة الخطورة؛ أولها أن إسرائيل، بدعم أمريكى، ستعمل كل جهدها لمنع عودة حزب الله مجدداً ليكون مصدراً للتهديد على نحو ما حدث ابتداء من يوم 8 أكتوبر/ تشرين الثانى عام 2023 صبيحة هجوم «طوفان الأقصى» الفلسطينى ضد إسرائيل، وهذا يعنى أنها ستعمل على منع إعادة تسليحه ومنع كل مصادر التسليح، وهنا يأتى الحديث عن سوريا وما يحدث فى سوريا الآن من تجديد للحرب الإرهابية المدعومة إسرائيلياً وأمريكياً ضد سوريا، لإنهاء الدور السورى كـ «معبر» للدعم العسكرى الإيرانى لحزب الله. وضمن هذا الالتزام الأمريكى لإسرائيل ستساعد الولايات المتحدة إسرائيل بفرض رقابة مشددة على المعابر بين سوريا ولبنان، ناهيك عن انخراط إسرائيل فى حرب حقيقية ضد الوجود العسكرى الإيرانى فى سوريا، فى محاولة لإنهاء هذا الوجود الإيرانى نهائياً .
ثانى هذه المستجدات أن الولايات المتحدة أصبحت «طرفاً ثالثاً» فى معادلة الأمن بين إسرائيل ولبنان. فالولايات المتحدة هى التى ستشرف على ضبط المعابر فى لبنان، ولديها الآن مسئوليات عبر رجالها لضبط ومراقبة حركة المرور فى مطار بيروت وغيره من المنافذ اللبنانية، كما تلتزم الولايات المتحدة بتبادل المعلومات الاستخباراتية مع إسرائيل لمنع أى انتهاكات من جانب حزب الله للاتفاق ، ما يعنى أن «مرجعية الاتفاق» أضحت أمريكية، وهى، بالأصل مرجعية مشكوك فى حياديتها ونزاهتها، بل هى مرجعية ملتزمة بتقديم تقارير دورية لإسرائيل، عبر أقمارها الصناعية عن تحركات حزب الله التى يحتمل أن تكون تهديداً للأمن الإسرائيلى .
أما ثالث هذه المستجدات فيخص إيران. فقد التزمت الولايات المتحدة لإسرائيل بأن تتعاون معها لـ«كبح أنشطة إيران المزعزعة للبنان بما فى ذلك منع نقل الأسلحة أو أى دعم من إيران لحزب الله، كما تتعهد الولايات المتحدة بالعمل، مع إسرائيل، بهدف منع إيران من زعزعة استقرار المنطقة ومواجهة تدعيم تموضعها فى لبنان».
فى ظل هذه الالتزامات، خاصة اعتراف الولايات المتحدة بحق إسرائيل فى تنفيذ طلعات جوية فوق لبنان لأغراض استخباراتية وللمراقبة والاستطلاع لتحركات حزب الله شرط أن تكون «غير مرئية بالعين المجردة وألا تكسر حاجز الصوت»، واحتفاظ إسرائيل بحقها فى التحرك ضد أى تطور تعتبره إسرائيل مهدداً لأمنها بما فى ذلك نقل أسلحة غير قانونية عبر الحدود والمعابر يمكن الثقة بأن إسرائيل لا تعتزم الالتزام بهذا الاتفاق، وما يؤكد ذلك عشرات الخروقات التى قامت بها ضد الاتفاق، ما يعنى أن الحرب يمكن أن تتجدد فى ظل إصرار إسرائيل على عدم إنهاء الحرب فى غزة والتحرك لحكم غزة عسكرياً وفرض مشروعات استيطانية فى القطاع ، ناهيك عن التفجير المتزامن للحرب الإرهابية على سوريا مع الإعلان عن وقف الحرب فى لبنان، ومعنى أن هناك احتمالات لتجدد الحرب فى لبنان فى ظل عجز إسرائيل ورئيس حكومتها بنيامين نيتانياهو عن فرض الأجندة التى كان يحلم بها للقضاء على حزب الله فى لبنان وعلى حركة «حماس» فى غزة، أن كل ما أخذ يتردد عن أن اتفاق وقف إطلاق النار فى لبنان يعد بمثابة تجديد الثقة فى مشروع بنيامين نيتانياهو للشرق الأوسط الجديد، وإصلاح ما أفسده «طوفان الأقصى» من هدر للمكانة الإقليمية الإسرائيلية، بات هراء وليس أكثر من «أحلام يقظة» طالما أن «خيار المقاومة» لم ينكسر، ولم يستطع نيتانياهو احتلال أى جزء من الأراضى اللبنانية ، كما كان يأمل بفضل هذه المقاومة التى مازالت تحمل الرجاء لأمة بكاملها، ومازالت قادرة على الردع مجدداً وتجاوز كل التداعيات الصعبة التى واجهتها .
نقلا عن الأهرام