تصاعد الخلاف بين الأطباء والحكومة في مصر بسبب مواد الحبس في قانون المسؤولية الطبية

تامر هنداوي

استأنف مجلس الشيوخ المصري، مناقشة مشروع قانون المسؤولية الطبية، وسط اعتراضات نقابة الأطباء التي دعت أعضائها إلى عقد جمعية عمومية طارئة يوم 3 يناير/ كانون الثاني المقبل للإعلان عن رفض مشروع القانون الذي ينص الذي تضمن مواد تنص على الحبس في القضايا المهنية.

ويناقش مجلس الشيوخ على مدار يومين، تقرير اللجنة المشتركة من لجنة الصحة والسكان، ومكتبي لجنتي الشؤون الدستورية والتشريعية، والشؤون المالية والاقتصادية والاستثمار، عن مشروع قانون مقدم من الحكومة بإصدار قانون تنظيم المسؤولية الطبية وحماية المريض.

وبحسب تقرير اللجنة، ترتكز فلسفة مشروع قانون على تحقيق التوازن بين حقوق المرضى وواجبات الأطقم الطبية ومسؤولية القائمين على إدارة المنشآت الطبية، مع ضمان بيئة عمل عادلة وآمنة للعاملين في المجال الصحي، وتعزيز الثقة المتبادلة بين المرضى ومقدمي الرعاية الصحية من خلال وضع إطار قانوني واضح يحدد الالتزامات والمسؤوليات، ويعالج القضايا المتعلقة بالأخطاء الطبية بطريقة عادلة ومنصفة، ويراعي التطورات العلمية والتكنولوجية في المجال الصحي، ويهدف مشروع القانون إلى بناء نظام صحي مستدام يعزز من جودة الرعاية المقدمة ويحمي حقوق جميع الأطراف المعنية.

وقالت اللجنة، إن مشروع القانون ينطلق من المبادئ الأساسية، وهي حماية حقوق المرضى من خلال ضمان حصولهم على خدمات طبية عالية الجودة، ومعاقبة الإهمال أو التقصير الذي قد يؤدي إلى الإضرار بصحتهم أو سلامتهم وتشجيع الكفاءة الطبية عبر وضع معايير واضحة تحفز الممارسين الطبيين على الالتزام بأعلى درجات المهنية والدقة في عملهم، مما يسهم في تحسين جودة الخدمات الصحية.

وزادت اللجنة في تقريرها: يهدف مشروع القانون إلى تحقيق العدالة وإنصاف المرضى المتضررين من الأخطاء الطبية دون المساس بحقوق الأطباء الذين قد يقعون ضحية لاتهامات غير عادلة، من خلال اعتماد آليات تحقيق دقيقة ومحايدة.

جمعية عمومية

إلى ذلك دعا مجلس النقابة العامة للأطباء المصريين، جموع أطباء مصر للمشاركة في جمعية عمومية طارئة يوم 3 يناير/ كانون الثاني المقبل، لإعلان رفض مشروع قانون المسؤولية الطبية بصيغته الحالية، وبحث التحركات والإجراءات اللازمة للتصدي لمشروع القانون الذي يتضمن مواد تقنن حبس الأطباء في القضايا المهنية.

وقالت النقابة في بيان، إنها تناشد جميع أعضائها الحضور والمشاركة بقوة في الجمعية العمومية، والتعبير عن رفضهم القاطع لمشروع القانون بصيغته الحالية الذي يهدد المنظومة الصحية بالكامل.

وأكدت النقابة أنها اعترضت بشدة وأعلنت موقفها الرافض تماما لما تضمنه مشروع القانون من مواد تقنن الحبس في القضايا المهنية، وذلك أثناء المناقشات التي جرت في لجنة الصحة بمجلس الشيوخ وشارك فيها النقيب العام للأطباء أسامة عبد الحي ونقيب الأسنان إيهاب هيكل.

مطالب الأطباء

وتمسكت النقابة بمجموعة من المطالب التي لم تستجب لجنة الصحة بمجلس الشيوخ لأي منها وهي، رفض حبس الأطباء في القضايا المهنية، وإقرار وقوع المسؤولية المدنية على الطبيب حال التسبب في ضرر للمريض نتيجة خطأ، لكنه يعمل في تخصصه وملتزم بقواعد المهنة وقوانين الدولة، وتكون العقوبة هنا تعويضات لجبر الضرر وليس الحبس.

وتضمنت مطالب الأطباء، أن تقع المسؤولية الجنائية على الطبيب فقط حال مخالفته لقوانين الدولة، أو عمله في غير تخصصه، أو قيامه بإجراء طبي ممنوع قانونا.

وأكدت النقابة، على عدم جواز الحبس الاحتياطي في الاتهامات التي تنشأ ضد مقدم الخدمة الصحية أثناء تأدية مهنته أو بسببها؛ حيث أن مبررات الحبس الاحتياطي غير متوفرة في القضايا المهنية، وأن تكون اللجنة العليا للمسؤولية الطبية هي الخبير الفني لجهات التحقيق والتقاضي، وتتلقى كافة الشكاوى المقدمة ضد مقدمي الخدمة الطبية بجميع الجهات المعنية وذات الصلة بتلقي شكاوى المواطنين بشأن الأخطاء الطبية.

النقابات الفرعية

وكانت كافة النقابات الفرعية للأطباء أعلنت خلال الأيام الماضية، رفضها مشروع قانون المسئولية الطبية.

وعقدت مجالس نقابات الأطباء الفرعية اجتماعات خلال الفترة الماضية لإعلان موقفها من قانون المسئولية الطبية الجديد.

واتخذت مجالس النقابات الفرعية عدة توصيات أهمها؛ تعديل ما تضمنه مشروع القانون من مواد تقنن الحبس في قضايا الضرر الناتج عن تقديم الخدمة الطبية في غير الإهمال الجسيم أو العمل في غير التخصص أو تحت مسكر.

كما أوصت باستبدال الحبس بالتعويض في حالات الضرر الناتج عن التدخل الطبي، وعدم جواز الحبس الاحتياطي في الاتهامات التي تنشأ ضد مقدم الخدمة الطبية أثناء تأدية مهنته أو بسببها لانتفاء مبرراته وهو الأمر المعمول به بمعظم الدول، وأن تكون اللجنة العليا للمسؤولية الطبية الخبير الفني لجهات التحقيق وتتلقى جميع الشكاوى المقدمة ضد مقدمي الخدمة الطبية.

كما طالبت النقابات الفرعية للأطباء، الحكومة بتمييز المضاعفات الطبية المتعارف عليها علميا والوارد حدوثها وينتج عنها ضرر ينتفي معها المسؤولية المدنية والجنائية علي مقدم الخدمة الطبية، إلى جانب توضيح مفهوم المسؤولية المدنية التي تقع علي مقدم الخدمة الطبية حال حدوث ضرر غير متعمد وفي مجال التخصص مع الالتزام بالأصول والقواعد المهنية وتكون العقوبة الغرامة والتعويض وليس الحبس.

كما طالبت النقابات الفرعية للأطباء، الحكومة بإنشاء صندوق يتحمل التعويضات كاملة وليس المساهمة فيها فقط، وتشديد العقوبة على المعتدين على المنشآت الطبية ومقدمي الخدمة الطبية.

وأكد النقابات الفرعية، على ضرورة إزالة عوائق تراخيص المنشآت الطبية لحماية المجتمع والمرضى ومقدمي الخدمة الطبية.

وطالب الأطباء بمزيد من الجهود ليخرج قانون للمسؤولية الطبية يليق بمكانة مصر ويحمي المجتمع وحقوق المرضى ومقدمي الخدمة الطبية لضمان استمرارية خدمة طبية متميزة وآمنة.

تنسيق بين النقابات

وواصلت نقابة الأطباء اجتماعاتها مع نقابات التمريض والأسنان، بهدف التنسيق بين النقابات التي يتأثر أعضاؤها مباشرة بمواد مشروع القانون، والذي يتضمن عددا من المواد تقنن الحبس في القضايا المهنية، مما قد يعرض أطقم التمريض الذين يتحملون مسؤوليات كبيرة تجاه رعاية المرضى، أيضا للمساءلة والحبس جراء ممارستهم لمهنتهم شأنهم شأن الأطباء وجميع مقدمي الرعاية الصحية.

وتواصل أمين عام نقابة الأطباء الدكتور محمد فريد حمدي، مع نقيب التمريض كوثر محمود، للنقاش حول مشروع قانون المسؤولية الطبية، وآخر التطورات حوله، وتوضيح موقف نقابة الأطباء منه، والتعديلات التي طرحتها عليه، خاصة أن مشروع القانون يتعامل مع جميع مقدمي خدمات الرعاية الصحية ومن بينهم أطقم التمريض.

وطالب نقيب الأطباء الدكتور أسامة عبد الحي، بضرورة التمييز بين الخطأ الجسيم والخطأ العادي فى قانون المسئولية الطبية، موضحا أن الخطأ الطبي الجسيم الناتج عن الإهمال المتعمد أو عمل الطبيب تحت تأثير مخدر يمكن أن نعتبره جريمة يحبس فيها الطبيب وفقا لمعظم القوانين حول العالم. أما الخطأ الفني من طبيب متخصص فتكون المسئولية مدنية والعقوبة مدنية بالتعويض لجبر الخطأ.

الطب الدفاعي

وحذر نقيب الأطباء مما يعرف بالطب الدفاعي وهو امتناع الطبيب عن علاج الحالات الخطرة خوفا من الوقوع في الخطأ وبالتالي بالوقوع تحت طائلة القانون، وهو ما يضر بمصلحة المرضي.

وبين نقيب الأطباء أنه لا يجوز أن يتم وضع الحبس سيف على رقبة الأطباء، لأن الطبيب لا يمكن أن يعمل تحت تأثير الخوف، وإذا وقع تحت تأثير الخوف سيتردد قبل علاج المريض صاحب الحالة الخطرة، وسوف يرفض تماما علاج المريض صاحب الحالة عالية الخطورة.

وقال إنه لا يجوز محاسبة الأطباء بقانون العقوبات ولا بد من التمييز بين المسؤولية الجنائية والمسؤولية المدنية، مشددا على أن مبررات الحبس الاحتياطي غير متوفرة في القضايا المهنية، ويجب أن يتم إلغاء الحبس الاحتياطي في التهم التي تتعلق بممارسة المهنة، مبينا أن هذا الأمر ليس بدعة، وسبقتنا إليه معظم دول المنطقة، وهى القوانين التي صاغها قانونيون مصريون.

إلى ذلك قال محمود فؤاد، المدير التنفيذي للمركز المصري للحق في الدواء، إن قانون المسؤولية الطبية يحتاج إلى إعادة تقييم شاملة لضمان حقوق جميع الأطراف المعنية، سواء كانت حقوق المرضى أو الأطباء.

وبين فؤاد أن الغرض من القانون يجب أن يكون حماية المرضى وضمان حقوقهم، وليس التقييد أو السجن أو حتى الحبس الاحتياطي”، لافتا إلى أن هناك العديد من التحديات في النظام الطبي الحالي، أبرزها أخطاء بشرية ناتجة عن ظروف بيئة العمل داخل المستشفيات، مثل تأجيل العمليات بسبب نقص المستلزمات أو غياب الأطباء.

وقال في بيان: من 10 سنوات نؤكد على أن الغرض ليس التقييد أو السجن أو حتى الحبس الاحتياطي، لكن الأمور مع متغيرات حدثت في أمور أولها: حق المريض الذي يقع ضحية نتيجة أخطاء بشرية أو بسبب بيئة المستشفيات نفسها وتجهيزاتها.

وضرب فؤاد مثلا، بأن كثيرًا ما يتم الاستعداد للعملية بنظام الدور، وقبل الدخول يتم تأجيلها لعدم توافر مستلزم أو بنج أو غياب الأطباء.

النظام التعليمي

وأضاف: للطبيب احتياجات مكلفة، مثل الدراسات العليا والماجستير والدكتوراه والزواج وتكوين أسرة وامتلاك سيارة، هل يكفيه مرتب الحكومة؟ بالطبع لا، لذلك يجب أن يعمل في مستشفى حكومي للحصول على اليافطة، ثم يكمل في مركز طبي، وبعدها يذهب إلى العيادة، وهذا الطبيب مرهق يوميًا بعمل 24 ساعة، إذًا الخطأ البشري وارد بشكل طبيعي حتى لو كان إهمالًا، فالقانون لا يفرق في العادة”.

وتابع: تم تعديل النظام التعليمي الطبي للجامعات التي تقبل من حصلوا على 70 في المئة في الثانوية العامة، وتم اختصار سنوات الدراسة بالكليات إلى 5 سنوات فقط غير الامتياز، هل نحن أمام طبيب كفء مثل الذي حصل على 99 في المئة مثلاً؟، أعرف خبراء في الطب يحذرون من هذا، وفي عام 2022، رفعت النيابة الإدارية تقريرا رسميًا للرئيس بتسجيل 553 شكوى في عام ضد أطباء نتيجة أخطاء.

وشدد على أن الأمر بحاجة إلى إعادة مناقشة القوانين المتعلقة بالمسؤولية الطبية بشكل مجتمعي، وإعادة صياغة مواد العقوبات، على أن تتم هذه العملية بمشاركة نقابة الأطباء لضمان تمثيل حقيقي لكافة الأطراف.

وقال: نحن نريد قانونا عادلا للجميع، أولا حق المريض، ثم حق الطبيب والمنظومة التي تقدمها الدولة، لا يجب أن نتوقف عند بند العقوبات فقط.

نقلا عن القدس العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *