حسين معلوم
لم يشأ عام 2024 أن يرحل دون أن يترك آثارا متعددة، على العرب ومنطقتهم العربية؛ آثارا سوف تتمدد تداعياتها عليهم وعلى المنطقة بشكل واضح، في ما هو قادم من الأيام، خاصة مع “العربدة” التي تمارسها إسرائيل في هذه المنطقة، من أقصى شمالها إلى أقصى جنوبها.
لقد شهد العام سلسلة من الأحداث الكبرى التي كان لها تأثير عميق على المنطقة العربية، ما زاد من تعقيد المشهد السياسي والأمني في المنطقة؛ من استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان، إلى استمرار الحرب الأهلية في السودان، وحتى سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، كانت هذه الأحداث محورية وغيرت العديد من التوازنات الإقليمية والدولية.
حرب غزة
الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة التي بدأت في عام 2023، واستمرت خلال عام 2024، كانت واحدة من أكثر الحروب دموية في المنطقة. دخلت هذه الحرب مرحلة جديدة من العنف الشديد، مع استخدام إسرائيل للغارات الجوية المكثفة والعمليات البرية، في محاولاتها للقضاء على حركات المقاومة الفلسطينية، مثل حركة حماس والجهاد الإسلامي. في المقابل، تصاعدت الهجمات الصاروخية من غزة باتجاه المدن الإسرائيلية، بما يعني الفشل الإسرائيلي في الحد من هجمات المقاومة “الفلسطينية”.
من الناحية الإنسانية، كانت الأوضاع في غزة كارثية، حيث تعرّض القطاع لحصار شديد ونقص في الاحتياجات الأساسية، بما في ذلك الغذاء والماء والدواء. تأثرت البنية التحتية بشكل كبير، مع تدمير واسع للمدارس والمستشفيات والمرافق العامة، ما جعل الحياة اليومية للسكان المدنيين صعبة للغاية، مع استمرار الصمت العربي والدولي على ما يحدث.
من الناحية السياسية، انعكست الحرب على المنطقة بشكل كبير. تجددت النقاشات الدولية حول حل الدولتين، وازدادت الضغوط على الحكومات العربية لاتخاذ موقف أكثر وضوحا ضد الانتهاكات الإسرائيلية؛ فكان رد الفعل العربي مجرد إدانات للعدوان.. ليس أكثر.
حرب لبنان
في تطور غير متوقع، اندلعت حرب جديدة بين إسرائيل وحزب الله في لبنان، في عام 2024، بعد تصاعد التوترات على الحدود الجنوبية للبنان. بدأت الحرب بهجوم إسرائيلي على مواقع حزب الله في الجنوب اللبناني، الذي رد بدوره بإطلاق صواريخ على شمال إسرائيل. وسرعان ما تصاعدت الأمور إلى مواجهة عسكرية شاملة، حيث شن الجيش الإسرائيلي عمليات واسعة داخل الأراضي اللبنانية بهدف القضاء على قدرات حزب الله العسكرية.
الحرب أسفرت عن دمار كبير في البنية التحتية اللبنانية، خصوصا في المناطق الجنوبية والبقاع، وأدت إلى تهجير الآلاف من المدنيين؛ كما أدت إلى زعزعة الاستقرار السياسي في لبنان، الذي يعاني بالفعل من أزمات اقتصادية وسياسية خانقة. رغم محاولات بعض الأطراف الدولية، مثل فرنسا وروسيا، للتدخل ووقف التصعيد، إلا أن القتال استمر لعدة أشهر دون تحقيق نتائج ملموسة.
تأثير هذه الحرب امتد إلى الساحة العربية بشكل أوسع؛ فقد زادت الانقسامات بين الدول العربية بشأن كيفية التعامل مع إسرائيل، بينما تزايدت المخاوف من أن يمتد النزاع إلى دول أخرى في المنطقة. كما أثرت الحرب على التحالفات الإقليمية، خصوصا فيما يتعلق بمحور المقاومة الذي يضم إيران وسوريا وحزب الله.
حرب السودان
منذ اندلاع الحرب الأهلية في السودان في أبريل 2023، استمر القتال العنيف بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع خلال عام 2024. تصاعدت المعارك بين الطرفين، حيث استمرت قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) في محاولة السيطرة على العاصمة الخرطوم والمناطق الاستراتيجية الأخرى، في حين حاول الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان الحفاظ على سيطرته.
هذه الحرب تسببت في كارثة إنسانية، حيث اضطر ملايين السودانيين إلى النزوح داخليا، أو اللجوء إلى الدول المجاورة مثل تشاد ومصر. الوضع الاقتصادي في السودان تدهور بشكل كبير، مع انهيار العملة السودانية وارتفاع معدلات الفقر والجوع.
دوليا، زادت الجهود الدولية لمحاولة التوصل إلى وقف إطلاق النار، إلا أن الصراع استمر وسط تعنت الطرفين وعدم التوصل إلى اتفاق سياسي مستدام. وقد كان للصراع في السودان تأثير على الأمن الإقليمي، حيث تأثرت الدول المجاورة بالأزمة الإنسانية والأمنية، وزادت المخاوف من أن يتحول السودان إلى نقطة انطلاق جديدة للجماعات المسلحة في منطقة القرن الإفريقي.
حرب سوريا
شهد عام 2024 سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، بعد أكثر من عقد من الحرب الأهلية التي دمرت البلاد. جاءت النهاية المفاجئة للنظام نتيجة لتصاعد الضغط العسكري، من قبل مجموعات المعارضة المسلحة المدعومة دوليا وإقليميا، خصوصا بعد انسحاب القوات الروسية بشكل جزئي من البلاد، نتيجة التحديات الداخلية التي واجهتها موسكو.
سقوط الأسد جاء نتيجة لتغير موازين القوى داخل سوريا، حيث تمكنت المعارضة من توحيد صفوفها بدعم إقليمي ودولي، خاصة من تركيا. وتزايدت الضغوط على النظام بعد أن فقد السيطرة على معظم المناطق الرئيسية، بما في ذلك العاصمة دمشق، ما أدى إلى انهياره في نهاية المطاف.
هذا الحدث أثار حالة من الفوضى في سوريا، حيث اندلعت اشتباكات بين الفصائل المسلحة المختلفة حول من سيملأ الفراغ السياسي؛ كما ظهرت تحديات كبيرة أمام عملية إعادة بناء البلاد التي تعاني من دمار شامل في بنيتها التحتية، وانهيار اقتصادي تام. بالإضافة إلى ذلك، هناك تحديات كبيرة تتعلق بتحديد مستقبل سوريا السياسي، في ظل غياب رؤية واضحة لمستقبل البلاد بعد الأسد.
تأثيرات عربية
كل من هذه الأحداث تركت آثارا كبيرة على المنطقة العربية ومحيطها الإقليمي. الحرب على غزة ولبنان زادت من تعقيد العلاقات الإسرائيلية العربية، وأثرت على محاولات تطبيع العلاقات بين إسرائيل وبعض الدول العربية الخليجية. من ناحية أخرى، سقوط نظام الأسد في سوريا فتح الباب أمام إعادة رسم الخريطة السياسية في المشرق العربي.
أما الحرب في السودان، فقد زادت من تعقيد الأوضاع في القرن الإفريقي، وأثرت على استقرار المنطقة بشكل عام. كما زادت الهجرة الجماعية من السودان نحو دول الجوار، ما شكّل تحديات إضافية أمام الدول المستقبلة لهذه الهجرات.
في السياق الدولي، وجدت القوى الكبرى، مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين، نفسها أمام تحديات جديدة في التعامل مع هذه الأزمات المتفاقمة. حاولت هذه الدول لعب دور في التوسط أو التدخل لحماية مصالحها، لكن التعقيدات المحلية والإقليمية جعلت من الصعب تحقيق نتائج ملموسة.
في هذا الإطار..
يمكن القول بأن الأحداث التي شهدها عام 2024، في المنطقة العربية، كانت محورية، وغيرت من موازين القوى السياسية والعسكرية والاقتصادية في المنطقة. استمرار الحرب في غزة ولبنان، وسقوط نظام الأسد في سوريا، والحرب الأهلية في السودان، كلها أحداث أثرت بشكل كبير على الاستقرار الإقليمي، وتركت أثرًا عميقًا على مستقبل المنطقة.
ومن الواضح، أن هذه القضايا ستظل تشكل تحديات كبيرة أمام الدول العربية، والعالم، في السنوات المقبلة، حيث تتطلب حلولا دبلوماسية وسياسية معقدة لضمان استقرار المنطقة التي يعيش العرب بين جنباتها.