كريمة الروبي

عودة البكالوريا وتمثال ديليسبس وسياسة الاقتراض وإلغاء الدعم وتصفية القطاع العام

منذ وفاة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر عام 1970، بدأت الحملة المسعورة على ثورة يوليو ومنجزاتها، واشتدت هذه الحملة وزاد تأثيرها على الأجيال الجديدة بعد ظهور مواقع التواصل الاجتماعي. وللنيل من ثورة يوليو كان هناك ضرورة لتلميع العهد الملكي بأكاذيب منتشرة بين الشباب كأنها حقائق لا يمكن المساس بها، وباتت الأجيال الجديدة تتمنى العودة مرة أخرى للعهد الملكي.

ولهذه الأجيال نقدم لهم البشرى.. فمنجزات يوليو قد تم القضاء على الكثير منها، وعادت مظاهر الحياة التي كانت منتشرة في العهد الملكي مرة أخرى من اتساع الفوارق الطبقية وانتشار الفقر وانتهاء مبدأ تكافؤ الفرص وسيطرة الأجنبي – متمثلا في صندوق النقد الدولي- وفرض شروطه بسبب سياسة الاقتراض وغيرها من المظاهر التي تؤكد على عودة البلاد لما قبل ثورة يوليو.

البكالوريا والكتاتيب:

لسيت المشكلة في المسميات التي عفا عليها الزمن ولكن في محاولات الوزارات المتعاقبة لإلغاء مجانية التعليم، فلم يبق التعليم مجاني تمامًا كما كان. كما أن تعدد أنظمة التعليم من تعليم حكومي وخاص ولغات ودولي يؤدي في النهاية للقضاء على حالة اللحمة الاجتماعية التي كان يضمنها وجود نظام واحد يجلس فيه ابن الوزير بجانب ابن الغفير يدرسون نفس المناهج الدراسية ويشتركون في نفس الأنشطة بينما أدى تعدد الأنظمة التعليمية إلى اتساع الفوارق بين أبناء الوطن الواحد، ناهيك عن المناهج التعليمية التي يدرسها طلبة المدارس الدولية والتي تؤثر على انتماء الطالب تجاه وطنه حيث يتحول انتماءه للدولة التي يدرس مناهجها.

إن مجانية التعليم التي تم إقرارها بعد صراع طويل في نهاية العهد الملكي ورفض كبير من البشوات وحرب كبيرة خاضها طه حسين، لم يتم تطبيقها بشكل عملي إلا بعد ثورة يوليو التي أنشأت المدارس في كل مكان وأقرت مجانية التعليم الجامعي. ولعل أهم ما أنتجته مجانية التعليم هو تطبيق مبدأ تكافؤ الفرص وإتاحة فرص الترقي الاجتماعي لأبناء البسطاء.

وها نحن الآن نرى التوسع في المدارس الخاصة والجامعات الخاصة وإهمال الحكومية وفرض رسوم أكبر من طاقة المواطن البسيط ليتم التخلص من أهم منجزات يوليو ليعود الوضع إلى ما كان عليه قبل الثورة حيث التعليم لمن استطاع إليه سبيلا.

تمثال دليسبس:

عاد الجدل مرة أخرى حول إعادة تمثال دليسبس إلى قاعدته عند مدخل قناة السويس والذي قام بنسفه الأهالي والفدائيين أثناء العدوان الثلاثي باعتباره رمزًا استعماريًا، ولكن يبدو أن من يريدون العودة للملكية لا يجدون مشكلة في عودة الاستعمار مرة أخرى والذي كان أحد مظاهر العهد الملكي.وسواء عاد التمثال أم لم يعد فيكفي أن هناك دعوات لعودة هذا الرمز الاستعماري مرة أخرى.

سياسة الاقتراض:

سياسة الاقتراض والديون التي انتهجها الخديوي إسماعيل- والذي يجد له محبين اليوم داخل مؤسسات الدولة يعتبرونه مثلهم الأعلى -كانت هي سبب احتلال مصر لأكثر من سبعين عامًا. عادت مرة أخرى سياسة الاقتراض وزادت الأعباء الاقتصادية التي يتحملها فقط المواطن البسيط بسبب تراكم الديون والشروط التي يفرضها صندوق النقد الدولي.

إلغاء الدعم:

لعل من أهم ما أنجزته ثورة يوليو هو الدعم المقدم للشعب المصري والذي تم مهاجمته ومحاربته لسنوات طويلة وتحميله مسؤولية تدني الأوضاع الاقتصادية، وقد كان من أهم شروط صندوق النقد الدولي هو إلغاء الدعم وهو ما أدى إلى زيادة المعاناة لدى قطاع كبير من الشعب المصري.

تصفية القطاع العام:

تركزت الحملات الأكثر شراسة على القطاع العام.. عشرات الأفلام والأعمال الدرامية والمقالات الصحفية التي تحمل القطاع العام مسؤولية أزماتنا الاقتصادية وتمت عملية تعمد تدمير شركات القطاع العام ليسهل عملية بيعها بأبخس الأثمان وتصفية القطاع العام الذي تحمل وحده إعادة بناء الجيش بعد النكسة وعدم إشعار المواطن بأية أزمة خلال الحرب، فكان قرار تصفية القطاع العام قراراً خارجياً في المقام الأول لتظل مصر في احتياج دائم دون الاعتماد على الذات. ولازالت أجيال تعيش بيننا تتذكر المنتجات التي كانت تنتجها تلك المصانع وظروف الموظفين العاملين بالقطاع العام والتي كانوا يوهمون الشعب بأن القطاع الخاص سينتج عنه ظروف أكثر آدمية حتى بات القطاع الخاص هو المسيطر وظهر استغلاله للموظفين الذين أصبحوا يعملون فيه كالعبيد بعد أن كان الموظف الحكومي يعمل في ظروف أكثر آدمية وبمميزات يفتقدها اليوم العاملون بالقطاع الخاص. ناهيك عن عدم استقرار الأسعار وارتفاعها بصورة كبيرة حتى أصبحت الأسعار تتغير في اليوم الواحد أكثر من مرة ولا يمكن السيطرة عليها.

ما تم ذكره في هذا التقرير هو بعض من مظاهر العودة للعهد الملكي الذي يتمنى الجيل الجديد عودته مرة أخرى.. فكيف لوطن ذاق طعم الاستقلال والحرية والاعتماد على الذات وتذويب الفوارق بين الطبقات ومنح الفرص المتكافئة لأبنائه أن يحلم بالعودة للعبودية والاستعمار؟ هل هذا الشعب الذي تعرض لحملات كي وعي على مدار اكثر من نصف قرن جاني أم مجني عليه؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *