“ساعر” يحرض الأقليات في دول المنطقة

لم يكد وزير الخارجية الصهيوني جدعون ساعر يستلم مهام منصبه خلفًا ليسرائيل كاتس الذي تولى وزارة الدفاع بعد إقالة يواف غالانت حتى أطلق تصريحاته التي تهدد العديد من دول المنطقة على رأسها تركيا والعراق وسوريا وإيران، فقد غازل ساعر الشعب الكردي ووصفه الأكراد بأنها أمة عريقة، وشعب عريق لا يتمتع بالاستقلال، وهي أقلية تقع في أربعة بلدان تستمتع بالاستقلال في بلدين ولا تحصل على استقلالها في دولتين في إشارة إلى تركيا، وإيران، ودعا الوزير اليميني “الليكودي” دولة الكيان إلى التعاون مع الأقليات في المنطقة ودعمها من أجل استقلالها وإنشاء تحالف بين بلاده والأكراد في الشرق الأوسط زاعمًا تعرضهم لقمع تركي، وقال “إنهم حلفاؤنا الطبيعيون”.

صدقت توقعات أردوغان

جاءت تصريحات الوزير الجديد في الحكومة المتطرفة التي يتزعمها مجرم الحرب ورئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو لتؤكد المسار المتطرف لتلك الحكومة، وردًا على الدعم التي تقدمه تركيا للمقاومة الفلسطينية وعلاقته مع كل دول محور المقاومة، وأكدت التصريحات التي أطلقها ساعر مخاوف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال تصريحات عدة ومؤتمرات في الأسبوعين الماضيين التي أكد فيها أن تركيا ليست بعيدة عن المخططات الصهيونية في المنطقة، وقال أردوغان إن الأطماع الصهيونية لن تتوقف عند حدود دولة من النيل إلى الفرات كما يزعمون في دولة الكيان.

لم تكن تلك التصريحات التي استهل بها الصهيوني ساعر وزارته بعيدة عن تاريخ طويل من الدعم الصهيوني للأقليات والجماعات المتطرفة في الوطن العربي والمنطقة كلها، بل جاءت الأكثر وضوحًا وعلانية في إطار حملة صراحة يقودها وزراء اليمين الصهيوني المتطرف، فقد سبقه وزير المالية الذي قال إن دمشق هي الخطوة التالية بعد لبنان، ودعا إلى الاستعداد للسيطرة على الضفة الغربية التي تقع تحت سيادة السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس أبو مازن، ناهيك من تصريحات أكثر تطرفًا بن غفير وزير الأمن القومي في دولة الاحتلال الذي يدعو إلى إبادة الفلسطينيين والعرب.

هذا الوضوح لدى وزراء حكومة الكيان الصهيوني لم يكن بهذا الوضوح والصراحة، ولكنه يأتي في إطار إحساس صهيوني بضعف الدول العربية وكونها تمر بمرحلة من أسوء المراحل وأضعفها خاصة في علاقتها مع القضية الفلسطينية، وانعدام المساعدة للمقاومة الفلسطينية بل يمكن أن نقول إن هناك العديد من الدول التي تتمنى القضاء على المقاومة في فلسطين ولبنان واليمن والعراق، وأيضًا ارتفاع وتيرة التطبيع بين دول المنطقة والكيان الصهيوني، وما نراه من تسهيلات تجارية وعسكرية على أرض بعض هذه الدول للكيان، حصار بعضها لغزة، وعدم قدرة البلاد العربية والإسلامية على توصيل المساعدات للشعب الفلسطيني الذي يفتقد كل مقومات الحياة من المأكل والشراب والأدوية للأطفال.

تصريحات ساعر تكشف المستور

لقد كشفت تصريحات وزير الخارجية الصهيوني تاريخًا طويلًا من دعم الكيان والولايات المتحدة الأمريكية للأقليات العرقية والجغرافية، التي كنا نستنتجها كثيرًا في علاقات تنظيمات إرهابية، وتكتلات في بعض الدول معهم، وكانت مصر في كثير من الأوقات محطة رئيسة في تلك المخططات، حاولوا بكل الطرائق إيجاد ثغرات بين أطياف الشعب المصري، ما بين فتنة طائفية بين أقباط مصر ومسلميها، وشهدت مصر فترة ارتفعت فيها النعرة الطائفية وزادت حدة الدعايات حول تعرض أقباط مصر للاضطهاد، وظهرت جماعات تدعي هذا الاضطهاد وكانت بدعم كبير من الغرب والولايات المتحدة الأمريكية.

انتقلت مصر بعدها إلى قضايا أخرى من نوعية القضايا الجغرافيا والعرقية مثلما حدث في موضوع النوبة وأبنائها، وظهر بعض المدعين من أبناء النوبة الذين طالبوا بدولة نوبية في الجنوب، وهكذا ظلت محاولات كثيرة من أجل تمزيق الخريطة المصرية التي سبقها تمزيق الأمة العربية والإسلامية من خلال معاهدة “سايكس بيكو” في 1916 بين إنجلترا وفرنسا التي وضعت الحدود ومزقت الأمة العربية.

لم تكن مصر وحدها في مرمى التمزيق ومحاولة إنشاء كيانات داخلها، فقد كانت العراق وسوريا واليمن مجالات خصبة لهذه النوعية من المحاولات لتفتيت هذه الدول التي تتعدد فيها الطوائف والأقليات المتنوعة التي يسهل للصهاينة التعامل مع بعضهم من أصحاب المصالح والنفوس.

لعل ما نراه الآن من غزل صريح بين قادة الكيان وبعض القوى السياسية في لبنان ما يدعم نظرية ساعر القديمة والمعلنة حديثًا في دعم الكيان لبث الفرقة بين أبناء الوطن الواحد عربيًا وداخليًا، والمساعي لإحداث الفرقة بين المقاومة في لبنان والجيش اللبناني من خلال تصريحات عن دولة داخل دولة، وجيش غير الجيش الوطني، وهو ما استدعى مسؤول العلاقات العامة لـ(حزب الله) محمد عفيف إلى التأكيد أن علاقة (حزب الله) مع الجيش اللبناني وثيقة ومتميزة، وكذلك علاقة الحزب مع القيادة السياسية للدولة في لبنان، وأن المقاومة هي جزء من الدولة وتخضع لها.

وضوح وزراء اليمين مكسب

جدعون ساعر استبق اجتماع القمة العربية الإسلامية المنعقد في الرياض بعد 400 يوم من حرب الإبادة التي يشنها الكيان الصهيوني بتكرار مقولته عن رفضه قيام دولة فلسطينية وموضوع حل الدولتين، وقال إنها لا وجود لدولة فلسطينية، ودعا ساعر إلى تسريع وتيرة التطبيع مع الدول العربية وخاصة المملكة السعودية، وأشار ساعر إلى اتفاق الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني عدم السماح للجمهورية الإسلامية الإيرانية بالوصول لمرحلة إنتاجها السلاح النووي مشيرًا إلى وجود الأمريكي ترامب رئيسًا للولايات المتحدة وداعمًا لهذا الاتجاه.

إن وضوح وزراء الكيان الصهيوني خاصة المتطرفين من أمثال ين غفير، سموتريتش، وساعر في الكشف الحقيقي عن مخططات الكيان الصهيوني، وكشف الأفكار الحقيقية لهذا الكيان اللقيط هو بمثابة إفاقة لكل من يدعون أن هذا الكيان يريد سلامًا، بل يوضح أهمية السير في منهج المقاومة كسبيل لمواجهة هؤلاء الصهاينة.

لهذا الوضوح من جانب الوزراء الصهاينة يكون جرس إنذار وإفاقة لمدعي التطبيع والسلام مع كيان التوسع والسيطرة هما جناحا بقائه، والإبادة هي أسلوبه في الاستحواذ على الأراضي العربية، ولعل هذا الوضوح يصل بهؤلاء المتطرفين إلى نهاية الكيان اللقيط والمنزرع داخل أراضينا العربية، ولا يبقى إلا المقاومة سبيلًا لتلك النهاية، وأنه لصبر ساعة، وكما قالت الإعلامية الراحلة شيرين أبو عاقلة “الحكاية محتاجة نفس”.

نقلا عن الجزيرة مباشر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *