سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 14 ديسمبر 1882.. الخديوي توفيق يصادر أملاك أحمد عرابى وقادة الثورة العرابية ويمنع أى حق لهم فى الملكية بمصر بالإرث والهبة والبيع أو بأى طريقة أخرى

لم يكتف الخديوي توفيق بالحكم على أحمد عرابى وقيادات الثورة العرابية بالنفى إلى الخارج، وإنما قرر مصادرة أملاكهم وحرمانهم منها، وأصدر مجلس النظار «الوزراء» هذا القرار فى «14 ديسمبر، مثل هذا اليوم، 1882، وفقا لتأكيد أحمد عرابى فى مذكراته.


قرر توفيق نفى عرابى بعد هزيمته من الإنجليز فى موقعة التل الكبير، ودخول القاهرة من طريق شبرا يوم 14 سبتمبر 1882، وكان ذلك بداية احتلال مصر حتى عام 1954، وشمل النفى ومصادرة الأملاك كلا من: «أحمد عرابى، وطلبة عصمت، وعبدالعال حلمى، ومحمود سامى البارودى، وعلى فهمى، ومحمود فهمى، ويعقوب سامى».

يذكر داود بركات فى كتابه «الثورة العرابية بعد خمسين عاما – رؤية صحفية الأهرام»، نص قرار المصادرة، وكان: «أملاك وموجودات أحمد عرابى، وطلبة عصمت، وعبدالعال حلمى، ومحمود سامى، وعلى فهمى، ومحمود فهمى، ويعقوب سامى، منقولة كانت أو غير منقولة، وأملاكهم وموجوداتهم التى اشتروها أو وضعوا يدهم عليها ومقيدة بأسماء غير أسمائهم، وكذلك الأملاك والموجودات التى تصرفوا فيها بالهبة أو بالبيع أو بطريقة مصطنعة، صارت ملكا للحكومة».


لم تقتصر المصادرة على نزع الأملاك الموجودة، وإنما امتدت إلى المستقبل، وقال القرار فى ذلك: «لا يجوز لهم من الآن فصاعدا أن يمتلكوا أى ملك من أى نوع كان فى الأقطار المصرية بطريق الإرث والهبة أو البيع، أو بأية طريقة كانت، وسيرتب لهم سنويا راتب نقدى بقدر الضرورى لمعيشتهم، ويصير بيع أملاكهم منقولة كانت أوغير منقولة، وما ينتج من هذا البيع بعد التصفية يخصص لسداد التعويضات التى ستعطى لمن أصيبوا بالحوادث الثورية».


وحرمت الحكومة على المحاكم الشرعية أن تسمع أو تحكم فى أى دعاوى ترفع أمامها بشأن تلك الأملاك، وقررت تعيين لجنة لتنفيذ هذا الأمر برئاسة عثمان باشا فهمى وعضوية أحمد حشمت باشا وجبران مسكات بك. ويذكر محمود الخفيف، فى كتابه «أحمد عرابى الزعيم المفترى عليه»، أنه فور صدور القرار سلكت الحكومة مسلكا يدل على الصغار والحقارة فى الخصومة، إذ أسرعت بإرسال جند اقتحموا منازل الزعماء فى غلظة ولم يراعوا لشىء حرمة، وكانوا يلقون الأمتعة رأسا على عقب ولا يسمحون بدخول أحد أو خروجه إلا بعد تفتيشه، ولقد بلغت بهم الفظاظة والوقاحة أن كانوا يقتحمون على السيدات خدورهن، وكانت السيدات فى تلك الأيام لا يرين الرجال إلا والنقاب على وجوههن».

شكا الزعماء إلى محامى عرابى الإنجليزى «برودلى» ما حدث لبيوتهم، فذهب إلى «ناظر الداخلية» إسماعيل أيوب ينقل إليه الشكوى، ويذكر «الخفيف»، أن أيوب تظاهر بأنه لا يعلم شيئا عن هذا وأحاله إلى رئيس الشرطة عثمان باشا غالب، ولما ذهب إليه «برودلى» ظل يتحدث ساعة فى موضوع غير الموضوع، ثم أشار إلى صندوق فى حجرته وقال إنه ملىء بصور عرابى الفوتوغرافية، وأنه حطم فى دكاكين بعض المصورين زجاجات لصورة عرابى وصادر آلافا مطبوعة منها، وقال إنه لا يفهم وقد فشل عرابى ماذا يريد الناس بعد ذلك منه؟


سجل «عرابى» اعتراضه على قرار مصادرة الأملاك، ويذكر فى مذكراته: «حيث إن هذا الأمر الخديوى لم يبن على وجه شرعى وبدون محاكمة، ولم يسبق معاملة من نفى قبلنا من مصر بهذه المعاملة التى هى ضد الشرائع العادلة قدمنا احتجاجا على ذلك، وطلبنا من مستر «برودلى» تحرير معارضة هذا الأمر وعدم قبوله حفاظا لأملاكنا وحقوقنا».


ويضيف عرابى فى حجج رفضه: «الأمر المذكور مخالف للأوامر الإلهية المقدسة بما نص فيه من إبطال أوامر الله سبحانه تعالى بحرماننا من كل إرث شرعى يؤول إلينا فى المستقبل وبمصادرة أملاكنا بلا تحقيق خلافا لقول النبى «مال المسلم على المسلم حرام»، ومن أمر مخالفا لكتاب الله فهو رد عليه ولا يجوز للمسلمين الإقرار على هدم أصول دينهم أبدا».

كتب «عرابى» قائمة بممتلكاته وسلمها إلى محاميه «برودلى» ليدافع عنها، وشملت 168 ونصف ملكا خاصا، موزعة على 53 بناحية هرنة رزنة وتل مفتاح رزنة محافظة الشرقية، و82 ونصف فدان أطيانا خراجية وعشورية، و10 فدادين ونصف بناحية أكياد شرقية، و12 فدانا بناحية الأسدية شرقية و10 فدادينن ونصف أطيانا عشورية بناحية سلامون الغبار بمديرية الغربية و100 فدان بناحية المناجاة الصغرى، و160 فدانا بناحية الأحبوه شرقية، و400 فدان بناحية قهبونة شرقية، و37 فدانا بناحية كفر السناجرة شرقية، و12 فدانا بناحية أكياد.


وطبقا لهذه القائمة بلغت أملاك عرابى 877 فدانا ونصف الفدان، ومات دون أن يسترد أو تسترد أسرته منها شيئا، وحين توفى يوم 21 سبتمبر 1911 لم يكن لدى أولاده من المال ما يكفى لتجهيزه ودفنه، فاضطروا إلى عدم إعلان نبأ وفاته إلى اليوم التالى حتى قبضوا معاشه، إذ صرفت وزارة المالية المرتبات والمعاشات فى هذا اليوم بمناسبة عيد الفطر، وفقا لما يذكره محمود الخفيف.

نقلا عن اليوم السابع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *