سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 16 ديسمبر 1973.. جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل تتعجب من رسالة السادات وتعيد قراءتها ثم تسأل كيسنجر: «هذا شىء طيب لكن ما أستغربه هو لماذا يفعل ذلك؟

أمسكت جولدا مائير، رئيسة الوزراء الإسرائيلية، برسالة الرئيس السادات التى حملها هنرى كيسنجر وزير الخارجية الأمريكية، وراحت تقرأها وتعيد قراءتها، وتتوقف عند قوله: «عندما أتكلم عن السلام الآن فأنا أعنى ما أقول، إننا لم نتقابل من قبل، ولكن لدينا الآن جهود الدكتور كيسنجر، فدعينا فى هذه الأوقات نستخدم الجهود ونتحدث إلى بعضنا من خلاله».

كانت «مائير» فى مكتبها حين استقبلت كيسنجر يوم 16 ديسمبر، مثل هذا اليوم، 1973، وحولها وزراء فى حكومتها وقيادات إسرائيلية بينهم موشى ديان وييجال آللون الذى أخذ الرسالة من مائير ليقرأها، حسبما يذكر الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل فى كتابه «أكتوبر 1973 – السلاح والسياسة»، مضيفا: «التفتت مائير إلى كيسنجر قائلة له بالحرف وبنبرة معبأة بالشك والحيرة: «هذا شىء طيب، لكن ما أستغربه هو لماذا يفعل ذلك؟

يعلق هيكل: «كان سؤالها منشط لخبرة كيسنجر كأستاذ سابق بجامعة هارفارد، وراح يرد عليها بأسلوب ولهجة كأستاذ فى هارفارد»، ويضيف: «طبقا لنصوص محضر الجلسة المنشور فى كتاب «ماتى جولان» بعنوان «المحادثات السرية لهنرى كيسنجر فى إسرائيل»، قال كيسنجر لمائير: «تفسيرى لموقفه «السادات» مركب بعض الشىء، دعونا نفكر أولا فى الموقف الذى يواجهنا الآن، فنحن الآن نتحدث عن هدف محدود، وهو اتفاق لفك الارتباط تنسحبون بمقتضاه إلى مدى معين فى سيناء، والهدف المعين الذى نتحدث عنه وهو اتفاق فك الارتباط يعطيكم ميزة ويعطينا ميزة، ميزته بالنسبة لكم أنه يعطيكم وقتا ويعفيكم الآن من الحديث عن خطوط الحدود النهائية، وعن كامل ترتيبات السلام التى تريدونها، أما الميزة لنا فهى بدء علاقات استراتيجية جيدة مع مصر، ورفع حظر البترول عن الولايات المتحدة، وإنهاء التهديد به بالنسبة لأصدقائنا وحلفائنا فى أوروبا الغربية، وأنتم لا تريدون الانسحاب من سيناء إلى مدى يستطيع السادات قبوله، فأنتم تريدون الاحتفاظ بالمضايق، وهو لا يستطيع قبول أقل من ذلك».

أضاف كيسنجر لمائير: «نصيحتنا إليكم كانت ولا تزال أن تعملوا على إنجاح اتفاق لفك الارتباط بينكم وبينه، فهذا وحده كفيل بتخفيف الضغط عليكم من أوروبا الغربية واليابان، ولا ينبغى لأحد منكم هنا فى إسرائيل أن يراوده الشك فى أن فشل محادثات فك الارتباط سيؤدى إلى فتح خزانات هائلة للضغوط عليكم ليس من أجل انسحاب جزئى وإنما من أجل انسحاب كامل إلى خطوط 4 يونيو 1967».

كان «كيسنجر» يتكلم والكل يصغى إليه بانتباه، واستطرد قائلا بالحرف: رئيسة الوزراء تسأل: لماذا يفعل الرئيس السادات ما يفعله الآن؟، والحقيقة أننى شخصيا مندهش من مسلكه، إن الرئيس المصرى لا يبدو حتى الآن مستعدا لاستعمال قوته السياسية الكاملة التى تعطيها له حقائق موقفه، كما أنه لا يأخذ الموقف الدولى الجديد فى اعتباراته وهو يتفاوض، إننى أعتقد أنه كان فى استطاعته أن يستخدم ما لديه لتحقيق اتفاق كامل بانسحابكم على شروطه وإلى خطوط 4 يونيو 1967، وحتى إذا خاطر باحتمال تجدد القتال، فإن العالم كله سوف ينحى باللوم على إسرائيل».

وتساءل كيسنجر: «لماذا إذن لا يستعمل السادات كل عناصر موقفه ليضغط من أجل انسحاب إسرائيلى كامل؟، وأجاب: السبب فى رأيى، أن السادات وقع ضحية للضعف الإنسانى، إنه فى الحالة النفسية لسياسى يتشوق إلى أن يرى نفسه وبسرعة سائرا فى موكب نصر فى سيارة مكشوفة عبر مدينة السويس وآلاف الناس على الجانبين يصفقون له كمنتصر».

راح كيسنجر يضيف بعض التفاصيل إلى نظريته قائلا: السادات لديه أحد خيارين، الأول – أن يحاول الوصول إلى اتفاق بمساعدة الولايات المتحدة فى جو مريح، الثانى – أن يحاول الوصول إلى هدفه بمساعدة الإنجليز والفرنسيين واليابانيين والسوفييت، وفى مناخ دولى متأزم تجد الولايات المتحدة نفسها فيه مجرورة وراء سياسات دول أخرى، وإذا أخذ السادات هذا الخيار الثانى فهو لن يكون محتاجا إلى استئناف الحرب، تكفيه بضعة حوادث محدودة مع مواصلة حظر البترول، ثم يكون له فى الغالب ما يريد.

وخلص كيسنجر إلى النتيجة التى يجب أن يستوعبها فى رأيه قادة إسرائيل فى هذا الظرف، فقال لهم: يجب أن تفكروا جديا فى انسحاب يعطيه المضايق، وأنا أشعر أن مشكلة إسرائيل دائما هى أنها لا تعرف متى تعطى، ولكنكم الآن أمام ضرورة الاختيار، هذا فى صالحكم دون أن نخدع أنفسنا، فالموقف الدولى ليس ملائما لكم، وانتشار القوات الإسرائيلية من غرب قناة السويس إلى قرب دمشق يجعل خطوطكم مرهقة، ثم إن هناك اعتبارات أخرى يجب أن تفكروا فيها، فهناك فى وزارة الخارجية الأمريكية وفى البنتاجون «وزارة الدفاع» أعداد كبيرة من المسؤولين الأمريكيين ينتظرون الفرصة لإعادة توجيه السياسة الأمريكية من موقف موال لإسرائيل إلى موقف متعاطف مع العرب باعتبار أن المصالح الأمريكية هناك، وأن العداء لأمريكا فى العالم العربى يمكن أن ينتهى بتوجهات السادات الجديدة.

نقلا عن اليوم السابع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *