سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 16 نوفمبر 1966

 فيروز تعبر عن سعادتها بزيارة «قاهرة المعز وجمال عبدالناصر» وتؤكد: «لن يملأ أحد فراغ أم كلثوم ولا أعرف لماذا غالبية جمهورى من المثقفين»

تكشف الفنانة اللبنانية فيروز أن أول لقاء لها مع عاصى الرحبانى كان متوترا لدرجة أنها كرهته، وتمنت لو صفعته بيديها لأنه صارحها بعدم إعجابه بغنائها الذى أدته أمامه، وطلب منها «التدريب كتير»، حسبما تكشف فى الحوار الذى أجراه الكاتب الصحفى عبدالتواب عبدالحى معها ومع الأخوين رحبانى «عاصى ومنصور»، أثناء زيارتهم للقاهرة فى أكتوبر 1966، ونشرته «الكواكب» فى عددها رقم 798، الصادر يوم 15 نوفمبر عام 1966، وقدمنا الجزء الأول منه أمس، «راجع ذات يوم، 15 نوفمبر 2024.


التقت فيروز بعاصى بعد ذلك كثيرا، فذاب الجليد بينهما، تقول: بدا كل منا يفهم الآخر ويقتنع به، لحن لى أول ألحانه «حبذا يا غروب» عام 1951، من أشعار فيلان مكرزل، سقط اللحن ولم يشتهر، استفدنا من أخطائنا وبدأنا نبحث عن شخصية غنائية أطل بها على آذان المستمعين، اكتملت معالم شخصيتى الغنائية سنة 1954 فى أغنية «عتاب»: «جى تعاتبنى يئست من العتاب/ من كتر ما حملتنى ها القلب داب»، ذاعت الأغنية واشتهرت، أصبحت إعلانا متكررا فى الإذاعة عن شخصية فيروز الغنائية، وشخصية الرحبانية، وبعد خمس سنوات من الدراسة المتبادلة والحب، تزوجت عاصى فى يناير سنة 1955، ودخلنا معا بستان الفولكلور، ومن أشهر الأغنيات الشعبية «يابا لا لا.. بتريد تحاكينا أولا» و«هيك منى الزعرورة»، ومن أشهر الاسكتشات التى أصبحت نواة للمسرح الغنائى «جيران القمر» و«الليل والقنديل» وبياع الخواتم».

يتدخل «عاصى» فى الحوار مصححا: «هذا مسرح غنائى مية بالمية»، ثم يتدخل «منصور»: «مسرحياتنا الغنائية لا نهتم فيها فقط بالموسيقى، وإنما نهتم أيضا بالحالة المسرحية، بالدراما، هذا يميز مسرحنا الغنائى عن الأوبريت، مثلا التى لا تهتم كثيرا بالعقدة الدرامية والمعالجة المسرحية، ولهذا انقضى عهد الأوبريت فى العالم، أصبحت موضة فنية قديمة، وفرق آخر بين مسرحنا الغنائى والأوبرا مثلا، فالأوبرا عمل فنى متكامل موسيقيا، مسرحيا لا، الأوبرا لا تهتم كثيرا باللحظة الدراماتيكية على المسرح قدر الاهتمام بالموسيقى، كلمة مثل «إلى اللقاء» يستغرق إلقاؤها مسرحيا ثانية واحدة، ثانيتين، لكنها فى الأوبرا قد تمتد وتتكرر وتتطور تطويرا نغميا موسيقيا يستغرق أداؤها 10 دقائق، فى هذه الدقائق العشر يكون الحدث المسرحى تعطل»، وعن خصائص مسرحهم الغنائى، يقول «عاصى»: النص المسرحى عندنا يوازى النص الموسيقى تماما، ويعادله من حيث القيمة والتفصيل، الموسيقى لا تطغى على الكلمة، وتراعى اللحظة المسرحية فلا تعطلها، فى مسرحنا الغنائى كل عناصر المسرح وأدواته، لا نستقبل الأصوات السوليت- المنفردة- على الطريقة الغربية الكلاسيكية، وإنما نستعمل فى الحوار طرقا شرقية مختلفة ومتميزة».

يطرح الحوار مسألة مهمة وهى، لماذا النسبة الغالبة من جمهور فيروز فى مصر من المثقفين؟ ترد: «نفس الظاهرة فى لبنان والدول العربية، لكن خطابات كثيرة تصلنى من عمال ومزارعين وصغار موظفى الدواوين، ولا أعرف تحليلا لهذه الظاهرة»، ويطرح «عاصى» تحليله: «الإطار الفنى المخلص المدروس الذى تظهر فيه القواعد العلمية ببروز، هذا طعم يجذب فى رأيى المثقفين إلى فننا».


يطل «عاصى» على «فيروز» من مرايته فيصفها قائلا: «زوجة بسيطة وفنانة بسيطة، حيث لا انشغال بفنها تقعد فى بيتها لتشرف على تربية الأولاد، لا تراها كثيرا فى مجتمعات بيروت ولياليها، شخصية اجتماعية إنما فى حدود، تتمير بلزمة معينة أو عادة نسيمها «تك»، يمكن أن تشيع ويقلدها البنات، خجولة من الظاهر، إنما تحت خمار الخجل شخصية عنيدة خاصة فى فنها، تنازلت لى عن أظافرها عند زواجنا، لكنها أحيانا تستردها منى، سميعة ممتازة لكل أنواع الموسيقى والغناء، تسمع كلاسيك وراقص، تسمع أسطوانات أغانى بكل اللغات، لا تعرف بجانب اللغة العربية غير اللغة الفرنسية، لكنها لا تهتم بمعنى الأغنية، تهتم بطريقة الأداء، وأهتم أنا ومنصور بطريقة تركيب الجمل اللحنية أو فورميولا اللحن».

يطرح عبدالتواب عبدالحى أسئلة سريعة على فيروز، يبدأها بسؤال: «هل تحسين بمنافسة صباح فى بيروت؟ تجيب: صباح محبوبة جدا، كويسة لها لونها»، يسألها: «تعتقدين بعد العمر الطويل لأم كلثوم من يمشى فى شارعها، من يملأ فراغها؟ تجيب: لا أحد، الله يخليها لنا بصحتها وفنها»، يسألها: «تتصورين مستقبل فنك عربيا؟ تجيب: فن الفنان مثل حجر الماس يتضح ببطء ويتغير، أتمنى أن يكون فنى بالمستقبل أكثر عمقا وشعبية»، يسألها: «وعالميا؟ لم يجد لسانها إجابة للسؤال، فيجيب «منصور»: شاعر الهند طاغور، له حكمة تقول: من المحدود تتفتح أمامك طاقة إلى اللامحدود، ونحن بدأنا لبنانيا، أصبح عربيا ونتمناه عالميا».


يختتم «عبدالحى» اللقاء بسؤال فيه توثيق لزمان ومكان الحوار قائلا: هل أنت سعيدة الآن، والمكان والغرفة رقم 625 بفندق النيل بالقاهرة، واليوم الثلاثاء 25 أكتوبر سنة 1966، تجيب: «كتير كتير، محبة الناس هنا أسعدتنى، يكفينى سببا لسعادتى أنى هنا على النيل فى قاهرة المعز وجمال عبدالناصر».

نقلا عن اليوم السابع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *