سعيد الشحات

اشتدت ثورة الشعب الإيرانى بقيادة الإمام الخمينى ضد الشاه محمد رضا بهلوى، فغادر الشاه «طهران» باكيا فى رحلة لا يعرف مداها ومنتهاها، وحطت طائرته فى أسوان، 16 يناير 1979.

كان الشاه يحكم إيران منذ 37 عاما، وحاول أن يجعل من خروجه تحت ضغط الثورة كما لو أنه بداية لسلسلة زيارات لعدة دول تنتهى بأمريكا، حسبما يذكر الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل فى كتابه «مدافع آية الله»، مضيفا: «كان المفروض أن يكون أول مضيف للشاه هو الملك حسين ملك الأردن، لكن الملك اعتذر عن هذا الشرف بأدب شديد، بينما قبل ملك المغرب الحسن الثانى، والرئيس السادات استقباله وكأنه ما زال رئيس دولة».

يؤكد هيكل: «حاولت السلطات المصرية أن تحيط وصول الشاه بمظاهر الهيبة الممكنة، وتم إقناع بعض الناس بالخروج فى الشوارع للترحيب به، ولكنها كانت فى الواقع مناسبة بائسة، فالشاه نفسه كان حزينا حائرا، عاجزا عن إدراك ما حدث له، وكان يتصرف وكأنه لا يزال رئيس دولة، فعقد مؤتمر قمة مع السادات والرئيس الأمريكى السابق جيرالد فورد، عبر فيه عن شكواه من الأمريكيين».

برر السادات استقباله للشاه بأنه وقف إلى جانب مصر، وأرسل ناقلة بترول أثناء حرب 6 أكتوبر 1973، ولم يكن هذا صحيحا بل إنه قدم العون لإسرائيل، وبين هذا وذاك يذكر الكاتب أحمد بهاء الدين تفسيرا لإعجاب السادات بالشاه، قائلا فى كتابه «محاوراتى مع السادات»، أنه فى أوائل 1974 وكان رئيسا لتحرير «الأهرام» ذهب إلى طهران عقب رحلته إلى الخليج أملا فى مقابلة الشاه، ولم تخضع رحلته إلى أى ترتيبات مسبقة وكانت مدتها أربعة أيام فقط، وهناك فوجئ بمئات الصحفيين الأوروبيين والأمريكان والعرب، وصحفية واحدة من الأهرام هى «إنجى رشدى»، وكان جاك شيراك رئيس الوزراء الفرنسى يزور طهران.

يؤكد بهاء، أنه أمام ما شاهده فقد الأمل فى لقاء الشاه، لكنه أجرى محاولة عبر وزير الإعلام الإيرانى، انتهت بتحديد موعد فى اليوم التالى وسط دهشة الصحفيين الموجودين، واعتبر بهاء أن «هذه معاملة غير عادية، والمقصود بها مصر طبعا».

بعد عودة «بهاء» إلى القاهرة، التقى السادات فى استراحة القناطر، وتناولا ما حدث فى «طهران»، يذكر بهاء: «رويت قصة الرحلة والمقابلة كاملة، فانهال السادات علىّ بأسئلة تنطوى إجابتها على ثناء من نوع أو آخر للشاه، من نوع: «ألم تلاحظ أنه خارق الذكاء؟ ألم تجد ثقافته واسعة؟، ألم تجد أن فكره الاستراتيجى شديد التفوق؟».

يعلق بهاء: «كان السادات يسألنى بروح من الإعجاب الهائل عن شخص لم يكن يعرفه»، ورد: «أنه ذكى وكفء بلا شك، ولكن السؤال هو فى أى شىء يستخدم ذكاءه، فقد أدهشنى أن أجد طهران عاصمة البترول فيها أحياء شعبية أفقر من القاهرة، ومجاريها ما زالت مفتوحة، وطهران لأنها مرتفعة كانت فى عز الشتاء تحت درجة الصفر، وأرضها مغطاة بالثلوج، ومنظر الحفاة بملابس مهلهلة كان أقسى على نفسى من نفس المنظر لو رأيته فى بلاد دافئة كمصر، وأعترف أن الدعاية الغربية الهائلة للشاة خدعتنى».

يذكر بهاء: «قاطعنى السادات قائلا فى اقتناع نهائى: أتعرف أننى أعتقد من زمان أن مثلى الأعلى بين كل زعماء العالم الثالث هو شاه إيران»، فتساءل بهاء مندهشا عن السبب، أجاب السادات: «زعماء دول عدم الانحياز بتوعك الذين ملأوا الدنيا ضجيجا منذ سنوات، نهرو، نكروما، سوكارنو، وعبدالناصر، وحتى تيتو اللى لسه عايش، أين هم الآن؟، راحوا فين؟، اللى مات، واللى انهزم، واللى راح فى انقلاب، واللى انكمش داخل حدوده زى تيتو، واحد فقط من هذه المرحلة كلها ظل على مقعده، بكل سلطانه وهيلمانه، والدنيا تسعى إليه هو شاه إيران».

قبل أن يلتقط بهاء أنفاسه شرح السادات سبب بقاء الشاه، قائلا: «كل هؤلاء تصوروا أن فى العالم قوتين عظميين هما أمريكا وروسيا، وحاولوا التعامل معهما على قدم المساواة، والحقيقة غير ذلك تماما، فهناك دولة عظمى واحدة هى أمريكا، وروسيا ليست حتى دولة عظمى ثانية، إنها تأتى بعد أمريكا بعشر أو عشرين درجة، وبعدهما أوروبا واليابان إلى آخره، والشاه هو الوحيد اللى أدرك هذه الحقيقة، قام عمل إيه؟، قعد على حجر أمريكا، ومسك فى هدومها، وأديك شايف: كل أصحابك راحوا والشاه عملت له أمريكا كل اللى هو عايزه، قامت ثورة، وهرب إلى إيطاليا، الأمريكيون جابوه ورجعوه وقعدوه لحد دلوقتى، علشان كده بقول لك إنى أعتقد إنه خارق الذكاء وغير عادى».

يستخلص بهاء: «تطورت العلاقة بعد ذلك، وعندما سقط لم يتمسك به فى العالم إلا السادات، لم أدهش كثيرا، فقد كان هذا الحديث قبل علاقتهما المباشرة، عالقا بذهنى طوال الوقت، وفى تقديرى ومعلوماتى، أن السادات كان واثقا من أن أمريكا سوف تعيد الشاه إلى عرشه مرة أخرى ويكون هو الذى كسب الرهان».

نقلا عن اليوم السابع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *