كان الوقت منتصف الليل يوم 2 ديسمبر عام 1969، حين صاحب فتحى الديب، العقيد معمر القذافى قائد الثورة الليبية إلى قصر القبة، وهناك وجد رفاق القذافى من رجال الثورة فى انتظاره ليصاحبوه فى جولة ليلية إلى منطقة الحسين لمشاهدة مظاهر احتفال المصريين بليالى شهر رمضان، حسبما يؤكد «الديب» فى كتابه «عبدالناصر وثورة ليبيا».
كانت هذه هى المرة الأولى التى يزور فيها القذافى مصر، والمرة الأولى التى يلتقى فيها جمال عبدالناصر بعد قيام الثورة الليبية فى الأول من سبتمبر 1969، وكانت زيارة منطقة «الحسين» بعد انتهاء الاجتماع الثالث بين عبدالناصر والقذافى وبحضور فتحى الديب «أمين الشؤون العربية برئاسة الجمهورية»، وممثل عبدالناصر فى ليبيا منذ أن وصل إليها يوم 3 سبتمبر 1969، أى بعد يومين من تفجير الثورة.
يتذكر «الديب»، أن «القذافى» ارتاح بعد أن اقترح عليه عبدالناصر، إرسال بعض كبار المتخصصين المصريين إلى ليبيا للاستعانة بهم فى إدارة الدولة، حلا لمشكلة نقص الخبرة الليبية التى طرحها فى الاجتماع بعد إفطار رمضان يوم 2 ديسمبر، ويقول الديب إن عبدالناصر طمأن القذافى قائلا: «يا أخ معمر، فتحى يوافينى أولا بأول بكل ما يتم، وسوف أفرغ بعض الوقت لمباشرة مهمة التوجيه كلما تطلب الأمر ذلك»، ويؤكد: «بدا الارتياح واضحا على وجه العقيد، واكتفى بقوله إنهم كانوا لا يريدون تحميل الجمهورية العربية المتحدة «مصر» أية أعباء جديدة، إلا أن ثقتهم بأن الثورة الليبية هى أحد روافد ثورة 23 يوليو يدفعهم للاستعانة بدعم الرئيس لهم ومدهم بكل ما يحتاجونه من عون وخبرة للوصول بثورة ليبيا إلى بر الأمان معتمدين على كرم الرئيس».
أثار «القذافى» موضوع مؤتمر القمة العربية بالمغرب «21 ديسمبر 1969»، فأوضح له الرئيس الأسلوب المتبع فى مثل هذه المؤتمرات، وأجندة الاجتماع المقبل، وتم الاتفاق على وضع خطة عمل مشتركة حين زيارة عبدالناصر إلى ليبيا وهو فى طريقه إلى المغرب، بعد أن قبل الرئيس الدعوة بالزيارة إلى ليبيا فى الأيام السابقة على انعقاد المؤتمر، على أن يتوجه القذافى بصحبة الرئيس على نفس الطائرة إلى المغرب.
انعقد الاجتماع الختامى لزيارة القذافى الأولى للقاهرة فى 3 ديسمبر، مثل هذا اليوم، 1969، عقب إفطار رمضان، ويذكر الديب: «كانت مأدبة الإفطار التى سيحضرها الرئيس جمال فى ضيافة العقيد بقصر القبة، واجتمع الرئيس بالعقيد ورفاقه، حيث قام بعرض أسماء من وقع عليهم الاختيار ليعاونونى «الديب» فى تقديم الخبرة لمجلس الثورة ومجلس الوزراء بعد تشكيله، وتسلم القذافى صورة من الأسماء وهم، «مهندس أمين حلمى كامل «صناعة»، أحمد طلعت عزيز «زراعة»، مهندس محمد عبدالرقيب نصر «إصلاح زراعى»، عادل عزى «استصلاح»، مهندس عبدالحميد حسنى «كهرباء»، دكتور محمد الخواجة «كهرباء»، حسن الشربينى «اقتصاد»، عبدالعزيز السيد، دكتور هاشم القاضى «تربية وتعليم»، عبدالقادر خلاف «الصحة»، مهندس أنيس البرادعى «مواصلات سلكية ولاسلكية»، عبدالمنعم سيف «الطرق»، مهندس محمود أمين عبدالحافظ «إسكان»، وطلب القذافى خبيرا فى المالية وآخر فى الإدارة، وكان الإعلامى «محمد الخولى» موجودا مع فتحى الديب مشرفا على التوجيه الإعلامى والفكرى.. يؤكد «الديب»، أن القذافى طلب أن يتوجه الجميع إلى ليبيا بعد عيد الفطر مباشرة.
يكشف «الديب» أنه فى ختام الاجتماع الأخير طرح الرئيس عبدالناصر على القذافى ما توصل إليه بشأن اقتراح «العقيد» بتوحيد القوات المسلحة للبلدين، وقال إن مذكرة الفريق محمد فوزى «وزير الحربية» التى وافق عليها فى هذا الأمر، تشمل المرحلة الأولى وتكون.. أولا: تشكيل مجلس حرب موحد من وزيرى الحربية والدفاع فى البلدين.. ثانيا: يختص مجلس الحرب الموحد بإعداد خطط الدفاع اللازمة، ووضع المقترحات العامة لإعداد الدولتين للحرب، وتقدير المطالب اللازمة للدفاع عن البلدين من القوات والمعدات والمنشآت بما فى ذلك مشروعات الدفاع المشتركة التى تتم لصالح البلدين، وإعداد خطة بناء القوات المسلحة للدولتين وتنظيمها، وتدريبها، وإعداد المقترحات الخاصة بتطويرها ورفع درجات استعدادها للقتال، تقدير ميزانية الدفاع السنوية لمشروعات الدفاع المشتركة والإشراف على توزيعها وتخصيصها لأغراض الدفاع المختلفة، العمل على توحيد الأنظمة والقوانين، واللوائح، وأساليب العمل التى تنظم شؤون القوات المسلحة فى كلا البلدين فى كل النواحى، ثالثا: ينشأ للمجلس سكرتارية دائمة من الخبراء العسكريين فى كلتا الدولتين يكون مقرها القاهرة، رابعا: تعرض قرارات المجلس على رئيسى الدولتين للتصديق عليها.
يتذكر «الديب» أن الرئيس عبدالناصر سلم القذافى صورة من المذكرة لمناقشتها مع أعضاء مجلس الثورة الليبية، وإفادته بالنتائج أثناء زيارته إلى ليبيا، ويؤكد: «انتهت الجلسة فى جو من السعادة والسرور بدا واضحا على وجه القذافى، واستأذن فى العودة إلى ليبيا صباح 4 ديسمبر 1969، وكان معه على نفس الطائرة فتحى الديب.
نقلا عن اليوم السابع