محمد زكي

شهدت سوريا في 7 ديسمبر 2024 نقطة تحول جذرية مع سقوط نظام بشار الأسد ودخول “هيئة تحرير الشام” إلى دمشق بدون قتال، مما أثار تساؤلات حول أسباب الانهيار المفاجئ لنظام الأسد وانسحاب الجيش بدون قتال والمستقبل السياسي والجيوسياسي للمنطقة. وشكل النظام الجديد وتحالفاته السابقة واللاحقة والأهم هو موقفه من القضية الفلسطينية والكيان الصهيوني

خلفية السقوط

جاء سقوط النظام السوري نتيجة لعوامل داخلية وخارجية.

داخليًا: إلى جانب تسلط النظام وبطش أجهزته الأمنية وتعنته في إيجاد فرص للتوافق السياسي ورفضه لكل الوساطات لحلحلة الموقف المتجمد على وضع غاية في السوء، تم استنزاف النظام عبر سنوات من الحصار الدولي أدت إلى تدهور الاقتصاد وسوء الأوضاع المعيشية وتدني شديد في مستوى الدخل والخدمات مما أدى إلى انهيار الدعم الشعبي والمؤسساتي للنظام داخل الأوساط الموالية له.

خارجيًا: استهدفت الغارات الإسرائيلية المتكررة البنية التحتية العسكرية السورية، بينما سعت القوى الإقليمية والدولية لتقويض المحور الإيراني السوري، مستغلة انشغال الحليف الروسي بمعاركة في أوكرانيا. الدور الإسرائيلي كان واضحًا في تسريع الانهيار من خلال ضرباتها المركزة في السنوات الماضية وخلال مغركة غزة الأخيرة، التي دمرت قدرات الجيش السوري المنهك و المتهالك، مما أضعف مناعته أمام “هيئة تحرير الشام”. لكن توقيت الانهيار كان مدبرًا بعناية لضمان غياب أي مقاومة فعالة من النظام وعدم قدرة حلفائه على إغاثته

مخاوف وتداعيات داخلية

فراغ السلطة: مع سيطرة هيئة تحرير الشام، برزت مخاوف حول كيفية إدارة البلاد. الجماعات المسلحة غالبًا ما تفتقر إلى رؤية موحدة لإعادة بناء الدولة، مما يفتح الباب أمام الفوضى والصراعات الداخلية بل والاقتتال الداخلي مما يمهد الطريق أمام التقسيم.

وحدة الأراضي: وحدة سوريا مهددة بسبب التوترات العرقية والطائفية. الأكراد في الشمال، الذين يسعون للاستقلال، سيواجهون مقاومة من تركيا. أما في الجنوب، فإن الاحتلال الإسرائيلي لجبل الشيخ والقرى الجنوبية إلى جانب الجولان المحتل سابقا يضعف قدرة الدولة الجديدة على الحفاظ على سيادتها ويضعها أما تحديات صعبة أمام جمهورها.

الحريات الشخصية والسياسية : من أخطر الموضوعات والأسئلة المطروحة على السلطة الجديدة هو موضوع الحريات الشخصية والسياسية وسط مخاوف من تطبيق نمط إسلامي أقرب إلى النموذج الأفغاني لكن المؤشرات والرسائل التي أرسلها أحمد الشرع في الأيام القليلة الماضية تشير إلى إحتمالية تطبيق نمط أقرب إلى نموذج تركي لكن أكثر محافظة

القضية الفلسطينية: موقف السلطة الجديدة من القضية الفلسطينية والكيان الصهبوني المحتل للأراضي السورية من الموضوعات الشائكة التي يتعجل المراقبون كشف النقاب عنها وسط تكهنات بألا تلتفت السطة الجديدة إلى هذا الموضوع في المدى القريب، نظرا لوجودها بين شقى رحى إحداها الموقف الأيديولوجي المعادي لإسرائيل استراتيجيا أمام أعضاءها وجمهورها والذي ينظر من خلاله إلى أي علاقات مخالفة لهذا الموقف على أنها تكتيكات تفرضها تفاعلات الصراع وضروراته والثاني علاقاتها وارتباطاتها بالغرب والكيان الصهيوني في الفترة السابقة وأوضاع الداخل السوري التي تفرض تجنب أي تحولات وتغييرات في التحالفات على المدى القريب. إستغلال إسرائيل للوضع السوري باحتلال مزيد من الأراضي وتدمير قدرات الجيش المنسحب يؤشر إلى عدم ثقة الكيان في صلابة العلاقة بينه وبين الوافد الجديد والتشكك في نواياه المستقبلية

التداعيات الإقليمية

إعادة رسم الخرائط: مستهدف لسوريا إسرائيليا وأمريكيا أن تتجه نحو التقسيم ، حيث تستفيد القوى الإقليمية من الفراغ السياسي. تركيا وهي اللاعب الرئيسي الآن في سوريا لن تسمح بالتقسيم ومن خلفها إيران والعراق، وبينما تسعى إيران للحفاظ على ما تبقى من نفوذها في المنطقة ستحاول الوصول إلى تفاهمات مع سوريا الجديدة حول القضايا الأمنية المشتركة وفي القلب منها مجابهة مشروع التقسيم والحفاظ على سوريا موحدة إلى جانب ضمان أمن الشيعة ومزاراتهم المقدسة.

الأمن الإقليمي: انتشار الجماعات المسلحة قد يزعزع استقرار الدول المجاورة، خاصة لبنان والأردن. أما العراق، فقد يواجه ضغوطًا إضافية مع تعزيز النفوذ الكردي في شمال سوريا. ويمثل سحب سلاح التنظيمات التحدي الأول للإدارة السورية الجديدة، والفشل فيه يزيد من احتمالات الاقتتال الداخلي بين الفصائل ودخول سوريا والمنطقة في دوامة الفوضى

الدور الروسي: تظل روسيا لاعبًا رئيسيًا. لكنها قد تعيد تقييم استراتيجيتها، خاصة مع تراجع دورها في ظل الضغوط الغربية والأزمة الأوكرانية، تحاول روسيا صياغة علاقات جيدة مع السلطة الجديدة لن تكون في مستوى التحالف مع الأسد لكن يمكن أن تبقى على الوجدود العسكري لروسيا في حميميم وطرطوس ولو مؤقتا إذا أرادت السلطة الجديدة إدارة درجة من التوازن إلى فترة

الفرص والتحديات

الفرص:

إعادة البناء: المجتمع الدولي قد يرى في انهيار النظام فرصة لدعم عملية إعادة الإعمار. يمكن أن تساهم استثمارات الدول العربية والغربية في تحقيق الاستقرار.

تحقيق الديمقراطية: الديمقراطية وتداول السلطة كانت المطلب الأول للثورة السورية، فإذا تم بناء نظام سياسي جديد قائم على المواطنة والحكم المدني، فقد تتمكن سوريا من الخروج من أزمتها سريعا وتصبح نموذجًا إيجابيًا ملهما في المنطقة، أما لو تجاهلت السلطة الجديدة هذا الأمر أو ماطلت في السعي إليه فسيجد السوريون أنفسهم أمام دولة دينية طائفية مذهبية مستبدة ليس أمامها خيارات للبقاء إلا بالاستبداد والتبعية والمعونات والقروض وبذلك تفشل أول دولة للتنظيمات الإسلامية المسلحة في إقامة مشروع تنموي مستقل ودولة تعيد أمجاد الماضي وتنهار معها دعاوى المشروع السلفي وادعاءاته

التحديات:

التطرف: سيطرة هيئة تحرير الشام تثير قلقًا لدى البعض بشأن إمكانية تحويل سوريا إلى مركز للتطرف.

التدخلات الخارجية: استمرار التدخلات الإسرائيلية والتركية والأمريكية مع تضارب المصالح سيعقد المشهد السياسي ويعرقل جهود الاستقرار.

التوافق الداخلي: تحقيق المصالحة بين الفصائل، وضمان تمثيل الأقليات، وإزالة المخاوف بشأن الحريات الشخصية والسياسية هي مفاتيح إعادة بناء الدولة.

مستقبل المنطقة

التطورات في سوريا ستحدد مستقبل المنطقة كلها. إذا استمرت حالة الفوضى، فإن المنطقة ستشهد المزيد من الصراعات وتقسيم النفوذ. أما إذا تمكنت القوى الإقليمية والدولية من التوصل إلى توافق حول خارطة طريق لسوريا، فقد تشهد المنطقة مرحلة جديدة من الاستقرار النسبي. وعلى أعداء الأمس أن يغلقوا صفحة الماضي وينظروا إلى المستقبل والمصالح والأهداف المشتركة حتى لا تترك سوريا وحيدة في أقدام اللاعبين الدوليين.

على وقع أصوات المدافع نشأت علاقات وتحالفات هيئة تحرير الشام منها ما هو تكتيكات المصالح المشتركة تجاه عدو مشترك ومنها ما هو استراتيجي، فالعلاقة بتركيا مركز آخر خلافة إسلامية شئ والعلاقة بدولة اليهود المغتصبة للأقصى والأراضي الفلسطينية شئ آخر

هيئة تحرير الشام هي تحالف تنظيمات يضم قوى مدنية وسياسية مختلفة فإلى أي مدى يمكن أن يصمد هذا التحالف ومدى قدرته على تأسيس دولة حديثة هذا ما ستجيب عليه الشهور القادمة، وستلعب شخصية أحمد الشرع دورا كبيرا في ضبط إيقاع العلاقات المتقاطعة، ففكره السلفي ونزعته الجهادية ونشأته في أسرة ناصرية وشخصيته البرجماتية ستكون مؤثرة على الأحداث القادمة في سوريا

إن سقوط نظام الأسد ليس نهاية القصة، بل بداية فصل جديد مليء بالمخاوف والتحديات والفرص. المستقبل يعتمد على قدرة السوريين والقوى الإقليمية على تجاوز المصالح الضيقة والعمل نحو تحقيق استقرار سريع وقابل للاستدامة. سوريا الجديدة يمكن أن تكون دولة موحدة وديمقراطية، أو تصبح مسرحًا لصراعات لا تنتهي. الخيار الآن في أيدي السوريين وأصدقاء سوريا

من محمد زكى

سياسي وصحفي بالكرامة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *