سورية..بين ثالوث الشر الأمريكي-الصهيوني-التركي والمصالح الاستراتيجية لمصر والعراق والسعودية وروسيا وإيران

تصور أردوغان أن سورية المحاصرة سوف تقبل مبادرة المصالحة التي طرحها والتي لم تتضمن انسحاب قواته التي تحتل شمال غرب سورية، لكن الأسد رفض واشترط انسحاب تركيا وتسليم إدلب، فكان الرد هو ترتيب الانتقام من خلال قطعان الإرهابيين وهم مجرد حثالة متخلفة وبندقيات للإيجار، وأمراء حرب يتربحون على حساب الشعب السوري ودماء أبنائه.
وفي نفس الوقت تزايد احتقان إمبراطورية الشر الأمريكية من سورية وحلفائها، بسبب الهجمات التي تعرضت لها قواعدها في منطقة حقل العمر النفطي والمنطقة التي يسيطر عليها أتباعها وعملائها من الأكراد، وأيضا بسبب دعم سورية للمقاومة اللبنانية في مواجهة الاعتداء الصهيوني والمخطط الأمريكي-الصهيوني للمنطقة. كما أن جو بايدن يريد بعثرة أوراق المنطقة قبل مجيء ترامب الذي كان ينوي الانسحاب من سورية في نهاية ولايته الأولى. فكان القصف الأمريكي لمرات عديدة على الجيش السوري وحلفائه. ورغم أن هناك صراع بين الأكراد الذين تحميهم واشنطون، وإرهابيو جبهة النصرة وأمثالها الذين ترعاهم وتحميهم تركيا وقطر، إلا أن المصالح التركية والأمريكية تلاقت على الضغط على سورية بهدف تحطيم مواقفها، حتى لو تصارع الكرد عملاء واشنطون، والإرهابيون عملاء تركيا بعد ذلك، على من يسيطر على الشمال السوري، وهو في النهاية صراع يمكن ترتيب حله بين واشنطون وأنقرة.
وفي الوقت ذاته توقفت المواجهات على الجبهة اللبنانية في هدنة هشة. وتوعد نتن ياهو، سورية التي شكلت المصدر والمعبر للمساعدات العسكرية لحزب الله. وبقدرة قادر بعد ذلك الوعيد شن الإرهابيون من أتباع تركيا والذين تحميهم في إدلب، هجومهم الواسع النطاق على الشمال السوري، برعاية تركية. ولم يخل الأمر من مناوشات واشتباكات بينهم وبين الأكراد التابعين لواشنطون.
وبدا واضحا جسامة الخطأ الذي وقعت فيه سوريا عندما أوقفت خطة استعادة إدلب، ووافقت على الاتفاق الروسي-التركي لإيقاف تلك الخطة، مقابل ضمان تركيا لعدم قيام الإرهابيين الذين ترعاهم بأي هجمات ضد الجيش السوري، وهو الضمان الوهمي الذي سقط في الهجمات الراهنة. أما دوافع روسيا لعقد ذلك الاتفاق الرديء، فهو تفادي الدخول في صراع مباشر مع تركيا التي تعمل موسكو على توتير علاقاتها مع الغرب وبناء علاقات استراتيجية معها، وضمان المرور بدون مشاكل لسفنها التجارية والحربية من مضيق البوسفور. لكن بناء علاقات استراتيجية روسية مع تركيا على حساب علاقات الأخيرة مع “الناتو”، هو وهم يسقط عند أي اختبار لانحيازاتها في القضايا الكبرى مثل الصراع في أوكرانيا الذي اصطفت فيه مع الناتو ضد روسيا، وقدمت أسلحتها ومسيراتها لأوكرانيا. وتبقى فقط المصالح الاقتصادية الكبيرة لتركيا في أموال السياح الروس، وفي رسوم تمرير الصادرات الروسية من النفط والغاز، وفي توسيع السوق الروسية أمام المنتجات التركية. إن تركيا تلعب على حبال التناقض بين روسيا والناتو، وتبتز روسيا للحصول على مكاسب اقتصادية بحكم أنها معبرها البحري للمياه الدافئة وللعالم، لكنها تظل بأردوغانها وبمعارضيه جزء من التحالف الغربي، حتى برغم الموقف الأوروبي المهين لتركيا التي تم رفض قبولها في الاتحاد الأوروبي مرارا وتكرارا.
وصحيح أن سورية كانت مضطرة لقبول الموقف الروسي المتمثل في ذلك الاتفاق، باعتبار أن موسكو هي مصدر التسليح السوري، فضلا عن قيامها بدور هائل في حماية الدولة السورية من قطعان الإرهابيين قبل ذلك، إلا أنه اتفاق رديء في النهاية، والهجمات الراهنة هي إحدى نتائجه، حيث عملت تركيا على رعاية وتسليح وتدريب الإرهابيين بتمويل قطري، بحيث أصبحوا أكثر عددا وتدريبا وتسليحا. كما استقطبت لهم قطعان من الإرهابيين من وسط آسيا والإيجور وأوكرانيا، حتى جاءت اللحظة التي تحتاجهم فيها لتخريب سورية، فقاموا بإيعاز منها بهجومهم الحالي.
ورغم انشغال روسيا بحربها ضد الناتو في أوكرانيا، إلا أن مصالحها الاستراتيجية تقتضي فعل كل شيء من أجل الحفاظ على الدولة السورية الحليفة لها. كما أن إيران لديها مصلحة استراتيجية كبرى في الحفاظ على الدولة السورية الحليفة لها.
وعلى صعيد آخر لم تتوفر للنظام السوري الأدوات التي تمكنه من تحسين أحوال الناس وإعادة بناء وتعزيز التراضي بين الدولة والشعب، حيث أنه مُحاصر اقتصاديا بشكل خانق من الغرب، ولا يسيطر على أهم الموارد النفطية التي تسيطر عليها واشنطون وعملائها الأكراد، ولا يسيطر أيضا على أهم المناطق الزراعية الموجودة في الشمال السوري.
أما سورية نفسها، فإن بقائها واستعادة كامل ترابها ووحدتها، مرهون ببقاء النظام السياسي الراهن أيا كان الموقف منه. ولو سقط هذا النظام الآن لا قدر الله، لن تكون هناك سورية موحدة مرة أخرى وربما للأبد، فسوف تتشظى بشكل طائفي ومذهبي وإثني إلى دويلات كردية، وعلوية، ودرزية، وسنية. وسوف تبدأ طبول حرب جديدة تمزق لبنان من الداخل، أو بتدخل إرهابيو سورية فيه. وبذلك تقتسم تركيا والكيان الصهيوني السيطرة على سورية ولبنان برعاية وتنسيق أمريكي، سواء كانت تلك السيطرة مباشرة، أو عبر الوكلاء المحليين، لتتغول كلتاهما على المنطقة العربية. ولا تتوهم روسيا أنها سيكون لها نصيب في الثور السوري إذا سقط، فدورها في المنطقة متاح فقط طالما بقيت الدولة السورية الحليفة لها، أما في أي وضع آخر، فلن تقبل الضباع المتربصة لتمزيق سورية بأي دور لها. كما أن أي انتصار لقطعان الإرهابيين لا قدر الله، سوف يشجع نظرائهم في كل البلدان العربية وبخاصة في مصر والعراق وحتى في السعودية بعد إزاحتها للنموذج السلفي، على محاولة تكرار نموذج الانقضاض على الدولة. إن المعارضة تكون من خلال السياسة وبصورة سلمية، أو حتى باللجوء للشعب للقيام بكل أشكال الاحتجاج السلمي مثل التظاهر والإضراب، أما حمل السلاح ضد الدولة والشعب فهو إرهاب صريح ودنئ وليس له أي معنى أو تفسير آخر، وكل المجموعات الدينية المتطرفة والمسلحة التي تهاجم الدولة والشعب في سورية، ليست سوى قطعان من الإرهابيين.
ويمكن القول إن بقاء الدولة السورية الموحدة ومساندتها في المعركة ضد قطعان الإرهابيين، هو مصلحة استراتيجية لكل من مصر والعراق والسعودية وروسيا، فضلا عن إيران، فأي سيناريو آخر سوف يكون كارثة ضد هذه الدول ولمصلحة ثالوث الشر الأمريكي-الصهيوني- التركي.
أحمد السيد النجار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *