محمد سلماوي
لم أسعد كثيرا بفكرة إعادة نظام الكتاتيب الذى عفا عليه الزمن فى الوقت الذى علينا أن نجتهد للحاق بنظم التعليم الحديثة فى العالم والتى قطعت أشواطا بعيدة فى الارتقاء بالتعليم وفق المتغيرات العالمية فى عصر الرقميات الحالى، فأمامنا قدر هائل من التجارب العالمية الناجحة فى دول مثل فنلندا واليابان وسنغافورة وغيرها، ما علينا إلا أن ندرسها ونبحث كيف يمكن أن نطوعها لاحتياجاتنا الخاصة، لقد بدأنا فى الخمسينيات تطبيق نظام نشر التعليم على أوسع نطاق، وكنا نفتتح مدرسة جديدة كل بضعة أيام، وكان هذا قرارا صائبا فى بلد تفشت فيه الأمية على مدى قرون سابقة، لكنا توقفنا عند هذا الحد ومع بداية السبعينيات انخفض مستوى التعليم ولم يعد يرتقى عن الأمية التى نحاربها إلا قليلا، والتحدى الأكبر أمامنا اليوم ليس العودة للمستوى الذى كان عليه التعليم فى السابق، وإنما القفز إلى المستويات المتقدمة التى وصل إليها العالم من حولنا إن كنا نريد أن تعيش أجيالنا الجديدة فى القرن الـ21 وليس فى العصور الوسطى، وفى اعتقادى أن أهم ما علينا تحقيقه هو صياغة أسلوب جديد فى التعليم يعتمد على تنمية المهارات الإبداعية وتكريس التفكير النقدى، وهو ما لم نفعله حتى الآن حيث انحصرت محاولات وزارات التعليم المتعاقبة فى زيادة بعض المواد أو إلغائها، وفى زيادة سنوات الدراسة أو تقليلها، فى الوقت الذى يمثل نظام تعليم الكتاتيب الأسلوب الذى علينا أن نتجنبه، وهو نظام التحفيظ والتلقين وليس إعمال العقل والمنطق، فالدين نفسه لا يمكن تدريسه التدريس الصحيح إلا بالحجة والبرهان أى بالعقل والمنطق، لقد انتشر أسلوب التلقين والحفظ على مدى السنوات من الكتاتيب إلى المدارس ويكاد يطغى أيضا على التعليم بالجامعات، وآن الأوان أن نتحرر منه لننطلق إلى آفاق التقدم الذى نتطلع إليه، لا أن نكرسه عن طريق الرجوع إلى نظام الكتاتيب، وحسنا فعل الرئيس عبدالفتاح السيسى بأن وجه بضرورة الدراسة الدقيقة لمبادرة عودة الكتاتيب، وأرجو أن تشمل تلك الدراسة التى وصفها الرئيس بالدقيقة الاعتبارات السالفة الذكر حتى لا نتصور أننا نتقدم بالتعليم، بينما نحن نتخلف به قرونا إلى الوراء.