“مؤشرات مقلقة” حول التأمين الصحي الشامل.. ماذا بعد؟

يتجاوز عدد السكان في مصر الـ 110 مليون نسمة، وهم بحاجة إلى طرق ومواصلات، وفرص عمل وتعليم، ورعاية صحية جيدة. وبينما يتوافر شيء من هذه الخدمات لكثير من المصريين، لكن تبقى الرعاية الصحية هي الاستثناء الأكبر.

ووفقًا للإحصائيات الرسمية، هناك نحو 40 مليون مواطن مصري غير مسجلين في نظام التأمين الصحي الشامل، في الوقت الذي يستفيد فيه حوالي 70 مليون مواطن من خدمات الرعاية الصحية التي تقدمها الحكومة المصرية.

وفي هذا السياق، اقترحت آمال عبد الحميد، عضو مجلس النواب، على وزير الصحة الدكتور خالد عبد الغفار، ضرورة إلزام العيادات الخاصة بتحديد أسعار الفحوصات الطبية بما يتناسب مع الأوضاع الاجتماعية للفئات المصرية المتضررة من الأزمة الاقتصادية وارتفاع تكلفة المعيشة.

التأمين الصحي الشامل

هذا الموضوع حظي بمتابعة واسعة، حيث أكدت الدكتورة إليزابيث شاكر، مسؤولة الاتصال السياسي بهيئة الرعاية الصحية وعضو مجلس النواب، أن نظام التأمين الصحي الشامل هو نظام تكافلي يهدف بشكل أساسي إلى تغطية الجانب الصحي للفئات البسيطة من المجتمع.

وأشارت إلى أن النظام يشمل جميع فئات المجتمع دون استثناء، وأنه في المحافظات التي دخل فيها التأمين الصحي الشامل، استفاد الجميع من هذه الخدمة.

وأوضحت شاكر: “نحن في المرحلة الأولى من تنفيذ التأمين الصحي الشامل، ومن المقرر أن تنتهي هذه المرحلة بنهاية عام 2024، أي في غضون شهرين، لبدء المرحلة الثانية التي ستوسع التغطية الصحية لجميع المواطنين، وهو أمر يعكس التزام الدولة بتوفير الرعاية الصحية للجميع.”

وأضافت شاكر أن البرنامج الشامل للتأمين الصحي سيغطي 110 مليون مصري، معتبرة أن هذا المشروع كبير جدًا ويستغرق وقتًا لتنفيذه، مثل أي برنامج مشابه في الدول الأخرى. لكنها أشارت إلى أن مصر تسير بخطى ثابتة ومتقدمة نحو تحقيق هذا الهدف، مع تحقيق مستويات مرتفعة من الرضا في المحافظات التي دخل فيها التأمين الصحي الشامل.

كما أفادت شاكر بأنه من المفترض أن يتم التعاقد مع العيادات الخاصة والعيادات الخارجية لتوسيع نطاق النظام، بحيث لا يقتصر التأمين الصحي على العيادات الحكومية فقط، بل يشمل أيضًا العيادات الخاصة، ومراكز الأشعة، والمعامل الطبية. وأكدت أن هذا يحتاج إلى مزيد من الوقت، ولكن الخطوات الإيجابية قد بدأت في جني ثمارها منذ بداية تنفيذ البرنامج.

وتمنت شاكر أن يظل هناك صبرا على هذا المشروع الذي وصفته بالتكافلي والشامل لكل فئات الشعب المصري، معربة عن أملها في أن يتم تغطية كافة المحافظات بسرعة، خاصة مع الدعم المستمر والمساندة المطلوبة.

واعتبرت أن تنفيذ هذا المشروع يعد من أكبر الإنجازات التي حققتها الدورة البرلمانية السابقة.

الكفاءات والخبرات

في الآونة الأخيرة، ومع التعمق في دراسة منظومة التأمين الصحي، ظهر تطور ملحوظ في قاعدة العمل الخاصة بهذه الهيئة الحيوية التي تخدم جموع الشعب المصري، مقارنة بما كانت عليه في السنوات الماضية، وبخاصة قبل ثورة يناير.

ومع ذلك، ظهرت مشكلة واضحة تتعلق بضعف دور مستشفيات التأمين الصحي، وهو ما أشار إليه بعض المهتمين بالشأن الصحي، حيث وصفوا هذه القضية بـ “قلة الخبرة”.

وفي هذا السياق، أشار الناشط في المجال الصحي إلى أن مصر بشكل عام كانت تتعامل مع ملف التأمين والرعاية الصحية بشكل مميز، ولكنها شهدت بعض الأخطاء في بعض الجوانب. وأوضح قائلاً: “تم توجيه معظم خدمات التأمين الصحي إلى المستشفيات الجامعية، وهو ما أدى إلى تكرار الأخطاء الطبية وحالات الإهمال المستمرة تجاه المرضى.”

وأضاف الناشط أن السبب الرئيسي وراء ذلك كان غياب دور الأطباء المدرسين في هذه المستشفيات، حيث استخدم طلاب الامتياز وطلاب كلية الطب بشكل عام المرضى كحقل تجارب أو ساحة لتعلم المهارات، وهو ما شكل كارثة طبية في بعض الأحيان أدت إلى وقوع أخطاء طبية جسيمة، بل ووفاة بعض المرضى.

وتابع الناشط : “أما في المستشفيات الحكومية، فإن الأطباء الجدد الذين تم تعيينهم، كان يُلقى عليهم عبء كبير من الحالات، مما أدى إلى ضغوط هائلة عليهم. وقد تسببت هذه الضغوط في تكاسل بعض الأطباء عن أداء مهامهم بالشكل المطلوب، مما أدى في بعض الحالات إلى تشخيص خاطئ.”

ورأى الناشط أن الحل يكمن في تدريب الأطباء بشكل جيد قبل تعيينهم، بما يتجاوز التعليم الجامعي، بالإضافة إلى ضرورة توفير عدد كافٍ من الأطباء في المستشفيات التابعة للتأمين الصحي، لضمان تقديم رعاية طبية عالية الجودة.

ضىورة دمج المواطنين في التأمين الصحي

وقال “أحمد”، صاحب مغسلة ملابس، إنه عانى لفترة طويلة من أوجاع شديدة انتابت ابنه، حيث ظن في البداية أن لديه مشكلة في العظام. لكن بعد إجراء الفحوصات الطبية، اكتشف أنه كان يعاني من مرض مناعي. ومن المعروف أن علاج الأمراض المناعية كان مكلفًا للغاية بسبب أسعار الأدوية المرتفعة. وبناءً على ذلك، قرر أحمد اللجوء إلى التأمين الصحي، لكنه اكتشف أن ابنه لم يكن مستحقًا للتأمين لأنه كان مُقيدًا “منازل” في جدول المدرسة.

أضاف أحمد : “بدأت أبحث عن طريقة لعلاج ابني على نفقة الدولة، لكنني اكتشفت أن الأمر كان صعبًا للغاية، لأن العلاج كان سيتطلب أن يتم في مستشفى جامعي، وهو ما كان يتطلب إثباتات طبية، بما في ذلك أشعة وتحاليل طبية كانت تتطلب آلاف الجنيهات.

وواصل: “وحتى بعد ذلك، كان من الممكن أن ترفض المستشفى العلاج، بسبب عدم قدرتها على التعامل مع الحالة. لكن بعد العديد من التعقيدات، أقرّت المستشفى الجامعي بمرض ابني، وصدر القرار بعلاجه على نفقة الدولة. ولكن بدأت أزمة جديدة، وهي أن العلاج الدوائي الذي كان يتناوله ابني لم يحقق أي نتائج، وبالتالي كان من الضروري علاجه بعقار بيولوجي.”

تابع أحمد: “تكمن الأزمة في أن العلاج البيولوجي كان باهظًا للغاية في السوق، كما أنه لم يكن متوفرًا في المستشفيات الحكومية أو الجامعية. رغم ذلك، كان سعر الحقنة يصل إلى 10 آلاف جنيه للحقنة الواحدة، وكان ابني بحاجة إلى حقنتين في الشهر. وعندما قدمت التماسًا لوزارة الصحة، واجهت معوقات غير متوقعة، أغلبها كان يتعلق بأخطاء في النظام وغياب بعض الأشعات المطلوبة.”

أضاف والد الطفل الذي لم يكن منتفعًا بالتأمين الصحي لـ “MENA”: “وصلني رد غريب من وزارة الصحة، حيث طلبوا مني إثباتًا أن ابني لم يكن يتلقى العلاج في التأمين الصحي، وهو ما كان من الممكن التأكد منه بسهولة من خلال نظام الوزارة. رغم ذلك، قدمت إثباتًا من هيئة التأمين الصحي، بالإضافة إلى تقرير من اللجنة الثلاثية بالمستشفى الجامعي عن نوع العلاج الذي كان يحتاجه ابني. وفي النهاية، صدر القرار بأن ابني كان مستحقًا للعلاج رغم عدم توفره.”

طالب أحمد بضرورة دمج جميع المواطنين في نظام التأمين الصحي، حيث رأى أن حالة ابنه أظهرت وجود خطر كبير وأزمات مفاجئة تحتاج إلى استعداد مسبق لتلقي العلاج من خلال التأمين الصحي بشكل مباشر.

وأكد أن بعض الحالات لم تكن تستطيع تحمل تكاليف العيادات الخارجية المرتفعة، أو الأدوية الخاصة المكلفة.

وشدد قائلاً: “التأمين الصحي هو حق لكل المواطنين، سواء كانوا أطفالًا أو طلابًا، كبارًا أو شيوخًا، ومن الضروري دمج كل الشعب في هذا النظام حتى لا تتكرر الحالات التي مررنا بها مع المستشفيات.”

نقلا عن MENA

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *