بكلمة واحدة «لا» هذا هو جواب سؤال «هل العدو انتصر؟» فى حرب الإبادة التى يشنها حاليا على الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة، العكس تماما هو ما حدث فعلا، إذ لحق بالكيان الصهيونى أكبر وأخطر هزيمة استراتيجية فى تاريخه، تحالفت لتحقيقها بسالة المقاومة مع الصمود الأسطورى لأهل غزة، فضلا عن أن فيض جرائم العدو الرهيبة، إذ فاقمت هذه الجرائم من هزيمته وانزلقت به إلى مستنقع بدء مسيرة تحلله والتآكل المتسارع لشرعيته، ليس فقط الأخلاقية، لكن شرعيته القانونية ومؤهلات وجوده أصلا فى المجتمع الإنسانى المتحضر بعدما أصبحت طبيعته ككيان عنصرى مشوه ومتوحش واضحة مفضوحة أمام عيون الدنيا كلها.
غير أن هذه الحقائق والدلالات كلها، لا تستطيع بذاتها أن تفعل فعلها وتفضى إلى نتيجتها المنطقية من دون كفاح ونضال سياسى طويل النفس يستند إلى وعى لامع وعميق يدرك طبيعة المأزق الوجودى الذى يتردى فيه كيان العدو الآن.. وكيف يمكن استثماره لبلوغ النصر فى نهاية المطاف.
إذن سنستهل سطور هذا المقال بسؤال آخر عن «الكيفية» التى تمكننا من تفعيل تأثيرات هذه الحقائق لكى تتعمق أزمة الكيان الصهيونى الوجودية بحيث تصبح نهايته وتفكيك أساسه العنصرى قدر لا فكاك منه.
وللإجابة عن السؤال المذكور آنفا، لابد أولا من ذكر حقيقة أساسية هى التى تشرح لماذا يسعى العدو بكل الوسائل الإجرامية للخلاص ممن تبقى من الشعب الفلسطينى مزروعا فى فلسطين، سواء بالإبادة أو التهجير القسري؟
فأما هذه الحقيقة فهى ما تسميه نخبة القيادة الصهيونية بـ «الخطر الديمغرافي» الذى يعتبرونه خطرا وجوديا يقوض الطابع اليهودى لدولتهم، والمقصود هنا هو تزايد أعداد السكان العرب الفلسطينيين فى وطنهم بحيث يصبح هؤلاء أغلبية مقارنة بالسكان اليهود، سواء المولدون فى فلسطين (أقلية) أو المستجلبون إليها من شتى بقاع الأرض (الأغلبية).
هذا الخطر يبدو تحقق فعلا الآن، فطبقا لأحدث تقرير صدر عن دائرة الإحصاء المركزى الإسرائيلى (أعلن قبل يومين فقط من بدء معركة طوفان الأقصى) عن عدد سكان فلسطين المحتلة قبل عام 1967 بلغ 9 ملايين و700 ألف نسمة منهم 7 ملايين و100 ألف يهودي، وأكثر من 2 مليون عربى (نحو21 فى المائة من إجمالى عدد سكان الكيان).. باقى أرض فلسطين فى الضفة الغربية وغزة فإن عدد سكانهما العرب يبلغ نحو 6 ملايين نسمة (3 ونصف المليون فى الضفة و2 ونصف فى غزة).
إذن عدد العرب فى أرض فلسطين التاريخية يزيد حاليا فعلا بنحو مليون نسمة عن عدد اليهود (8 ملايين عربى تقريبا مقابل 7 ملايين يهودي) أى أن ما يسميه العنصريون الصهاينة
بالخطر الديموغرافى كما ترى ـ حل وتحقق فعلا !
نعود إلى ما يتوجب علينا فعله لكى يمكن تفعيل كل العوامل والمعطيات التى تؤكد حقيقة أن الكيان الصهيونى بهجميته ووحشيته المنفلتة من كل قيد أخلاقى أو قانوني، أصبح وجوده جملة عابرة فى تاريخ الإنسانية، ولعل أول واجباتنا تتمثل فى ضرورة تغيير «الشعار» الذى يعنون كفاحنا من أجل إحقاق الحق واستعادة فلسطين المسروقة من بين أنياب كيان عنصرى لقيط لم يعد على ظهر الكوكب مثيلا أو شبيها له.
إن شعارا من نوع «حل الدولتين» الذى ما زال الكثيرون يرددونه منذ عقود طويلة، رغم عدم عدالته حتى لو تيسر له التنفيذ لأنه يعطى أصحاب الوطن الأصلاء ما لا يزيد على 19 فى المائة من فلسطين، ومع ذلك فقد أصبح الآن مجرد أهزوجة (غنيوة) بلا معنى ومنبتة الصلة تماما بالواقع المعيش، إذ لم يكتف العدو برفض هذا الحل صراحة وعلنا، ولكنه بالممارسات اليومية على الأرض جعله مستحيلا تماما برفع وتيرة الاستيطان وسرقة المزيد من الأرض يوميا، خصوصا فى الضفة الغربية (ابتلع المستوطنون الصهاينة منذ اتفاقيات أوسلو أكثر من 45 فى المائة من مساحتها).
إذن الشعار الوحيد الذى يتمتع بالمعقولية والقدرة على النفاذ فى ظل كل هذه المعطيات والحقائق التى ذكرنا مجرد عينة منها، هو شعار «حل الدولة الواحدة» الديموقراطية لكل سكانها عربا ويهودا، وإقناع المجتمع الإنسانى عبر كل أشكال الكفاح والدعاية السياسيين ومن فوق كل المنابر الدولية المتاحة، أن ما هو قائم الآن على أرض فلسطين هو كيان فصل عنصرى متوحش ومقيت لا يمكن أن يستمر.. هذا ما جرى مع نظام الفصل العنصرى فى جنوب إفريقيا وهذا ما هو قابل للتحقق فى فلسطين، إن لم يكن اليوم فغدا.
نقلا عم أخبار اليوم