مواصلة الإصلاحات سلاح دول الخليج لمواجهة تقلبات الطاقة

القاهرة: فرص ومخاطر تخيم على الاقتصاد العالمي خلال السنوات المقبلة، سيناريوهات تتطلب إعادة التعاون الدولي في عصر الإبداع، تحولات اقتصادية دعت كريستين لاغارد، مديرة صندوق النقد الدولي، إلى الدعوة لعصر جديد من الإبداع والرؤية الاستشرافية والالتزام العالمي بالمصلحة المشتركة.
فالمشهد الاقتصادي تغير خلال الفترة الماضية، نتيجة العوامل الجغرافية والسياسية، وتحول بعض القوة الاقتصادية من الغرب إلى الشرق، وظهور أطراف فاعلة لا تنتمي لدول، بما فيها الشركات متعددة الجنسيات، بالإضافة إلى التطور التكنولوجي. وأشارت لاغارد إلى أن 90 في المائة من بيانات العالم نشأت في العامين الماضيين فقط. لكن هذه التحولات يمكن أن تجلب فرصًا هائلة، وكذلك مخاطر غير مسبوقة.
وقالت إن العام القادم 2019 يمكن أن يكون نقطة تحول، يقدم فيها العالم دفعة جديدة من الإبداع في معالجة التحديات المشتركة، وحذرت من أن الإخفاق في البناء والتكيف يمكن أن يجعل العالم يعيش «عصر الغضب»، بحسب تعبيرها.

السيناريو الأسوء
بحلول عام 2040. يمكن أن يصل عدم المساواة إلى مستويات تفوق ما كانت عليه في «العصر المذهَّب». فالاحتكارات القوية في مجال التكنولوجيا والحكومات الضعيفة ذات السياسات المحلية غير الفعالة تجعلان النجاح مستحيلاً بالنسبة للمشروعات البادئة ورواد الأعمال. والإنجازات المحققة في المجال الصحي يمكن أن تتيح للأغنياء الأكثر ثراءً أن يعيشوا إلى عمر يتجاوز المائة والعشرين عامًا، بينما يرزح الملايين تحت وطأة الفقر المدقع والمرض. وتستمر وسائل التواصل الاجتماعي في توجيه قذائفها تجاه هذه المجموعة من «السكان المُهمَلين»، مشددة على التفاوت بين واقعهم والحياة الأفضل التي يمكن أن تتحقق لهم. وتتسبب فجوة التطلعات في إذكاء السخط والغضب في النفوس. وتنهار الثقة بين البلدان. ويصبح العالم أكثر ترابطًا من خلال التكنولوجيا الرقمية، لكنه أقل ترابطًا من كل الأوجه الأخرى.
والتعاون الدولي لما فيه الصالح المشترك يصبح مفهومًا يُدْرَس في المكتبات، لكنه قلما يمارَس على الساحة العالمية، نظرا لإعلاء المصالح القومية والتركيز الحصري على السياسات المحلية.
ووصفت لاغارد هذا السيناريو البائس للغاية، لكنها قالت لا أعتقد أن نؤول إلى هذا المصير.

السيناريو المرجح
أما السيناريو المرجح، حال التعاون بين الدول، فإنه بحلول عام 2040، يمكن أن نرى اقتصادات مزدهرة تعمل في معظم المجالات بالطاقة المتجددة. ستتمتع النساء آنذاك بالتمكين الكامل في الانضمام للقوى العاملة، لتثبت أنها قوة اقتصادية واجتماعية قادرة على تغيير قواعد اللعبة. وستكون نظم التقاعد الجديدة والرعاية الصحية القابلة للتحويل بمثابة تعبير عن طبيعة العمل في الاقتصاد الرقمي. وستتحمل الشركات مسؤوليتها الاجتماعية كجزء من نماذج عملها. ويمكن أن تؤدي المهارة التكنولوجية إلى إنقاذ الأرواح وخلق الملايين من الوظائف. سنرى نهاية الهجرة الجماعية. وستتوسع التجارة في كل أرجاء العالم، ويسود التعايش السلمي بين البلدان. لكن يجب أن تعمل البلدان معًا لجعل الناس محورًا لكل ما نبذله من جهود، بالتركيز على النتائج الحقيقية التي تؤدي إلى تحسين جودة الحياة. معناه أيضًا زيادة الشفافية والمساءلة على مستوى الحكومات والمؤسسات، وهو ما يشمل زيادة الاستماع إلى مختلف الأصوات. معناه ضمان استفادة الكثرة من الثمار الاقتصادية للعولمة، وليس فقط القلة.
وقالت إن التعاون الدولي الجيد لا يمكن أن يكون بديلا للسياسة المحلية الجيدة. ولا شك أن البلدان المنفردة عليها مسؤولية في تحقيق رفاهية مواطنيها. والواقع أن السياسات المحلية القوية يمكن أن تشكل قاعدة للتعاون الدولي الفعال. وفي عالمنا الحديث، هناك بعض القضايا التي لا يمكن معالجتها إلا بالتعاون الدولي.

مفاتيح عصر الإبداع
وقالت لاغارد إنه يمكن أن نبدأ بالتجارة ونحن بحاجة إلى «إصلاح النظام». وعلينا الآن أن نواصل نزع فتيل التصعيد، مع تحسين النظام التجاري للمستقبل. وسيتضمن هذا إلغاء الدعم التشويهي، أيًا كان شكله أو لونه. وسيعني أيضًا حماية حقوق الملكية الفكرية دون خنق الابتكار، والتخلص من فرص تحقيق الريع. ويمكن أن يؤدي اعتماد اتفاقيات تجارية جديدة إلى إطلاق إمكانات التجارة الإلكترونية والتجارة في الخدمات. فاعتماد سياسات اقتصادية كلية أفضل من شأنه الحد من الاختلالات الخارجية، بما في ذلك الفوائض والعجوزات في الميزان التجاري، التي شكلت خلفية لاحتدام التوترات التجارية. وكل هذه الأمور تكتسب أهمية بالغة لأن التجارة ترفع الإنتاجية وتعجل وتيرة الابتكار.

الضرائب الدولية
كذلك يحتاج العالم إلى مزيد من التعاون في الضرائب الدولية، فالشركات تتمتع الآن بتواجد عالمي، لكن الحكومات لم تتوصل بعد إلى حل عالمي للقضايا الضريبية. وهناك الآن كم هائل من الدولارات الضريبية المتروكة بسبب السعي وراء الأفضلية الضريبية والممارسات الإبداعية السلبية. ومن ثم تحتاج البلدان إلى العمل في تعاون وثيق لجمع مستحقاتها وتجنب الدخول في سباق يصل بالضرائب إلى القاع. ويمكنها سد الثغرات التي تؤدي إلى ما نسميه «تآكل القواعد الضريبية ونقل الأرباح».

الضرائب الدولية
كذلك يحتاج العالم إلى مزيد من التعاون في الضرائب الدولية، فالشركات تتمتع الآن بتواجد عالمي، لكن الحكومات لم تتوصل بعد إلى حل عالمي للقضايا الضريبية. وهناك الآن كم هائل من الدولارات الضريبية المتروكة بسبب السعي وراء الأفضلية الضريبية والممارسات الإبداعية السلبية. ومن ثم تحتاج البلدان إلى العمل في تعاون وثيق لجمع مستحقاتها وتجنب الدخول في سباق يصل بالضرائب إلى القاع. ويمكنها سد الثغرات التي تؤدي إلى ما نسميه «تآكل القواعد الضريبية ونقل الأرباح».

التجارة والاستثمار
وتشير دراسة أخرى لصندوق النقد الدولي تحت عنوان «التجارة الخارجية والاستثمار الأجنبي، مفتاحان لتنويع الاقتصاد وتحقيق النمو في مجلس التعاون الخليجي»، إلى أنه يمكن أن يكون لتنويع الاقتصاد أثر كبير على النمو في مجلس التعاون الخليجي، بدعم من زيادة الانفتاح التجاري والاستثمارات الأجنبية. فمن شأن هذه الإجراءات أن تساعد على تحقيق نمو مستمر بمعدلات أعلى وبصورة أكثر شمولاً لكل شرائح المجتمع، عن طريق تحسين توزيع الموارد عبر القطاعات والمنتجين، وخلق الوظائف، ونشر التكنولوجيا، وتشجيع المعرفة، وتهيئة مناخ أكثر تنافسية لمزاولة العمل التجاري، ورفع مستوى الإنتاجية.
وأشار التقرير إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي منفتحة للتجارة، ولكنها أقل انفتاحًا بكثير للاستثمار الأجنبي المباشر. فهي تواصل التوسع في التجارة الخارجية، لكن التدفقات الداخلة من الاستثمار الأجنبي المباشر تباطأت في السنوات الأخيرة، رغم الجهود المبذولة على صعيد السياسات لتخفيض الحواجز الإدارية وتقديم حوافز لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر. وتتسم التعريفات الجمركية بالانخفاض النسبي، لكن عددًا من الحواجز غير الجمركية لا يزال يعوق التجارة وهناك قيود كبيرة على ملكية الأجانب لمؤسسات الأعمال والعقارات.
وقال التقرير إنه يمكن تحقيق تحسن كبير في النمو إذا تم سد الفجوات في مجالي التصدير والاستثمار الأجنبي المباشر. فمعظم البلدان يمكن أن تحقق أكبر دفعة للنمو من خلال سد فجوة الاستثمار الأجنبي المباشر، ليرتفع نصيب الفرد من نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي غير النفطي بمقدار يصل إلى نقطة مئوية واحدة. أما سد فجوة التصدير فيمكن أن يحقق زيادة إضافية في النمو تتراوح بين 0.2 و0.5 نقطة مئوية.
وأشار التقرير إلى أن وجود منظومة من السياسات الداعمة تعطي دفعة للصادرات غير النفطية وجذب المزيد من الاستثمار الأجنبي المباشر. وتتمثل أولويات السياسات في النهوض برأس المال البشري، وزيادة الإنتاجية والتنافسية، وتحسين مناخ الأعمال، وتقليص الحواجز المتبقية أمام التجارة الخارجية والاستثمار الأجنبي. ومواصلة القيام بإصلاحات في عدد من المجالات منها، تنمية رأس المال البشري، والاستمرار في تنفيذ استثمارات ترفع جودة التعليم للنهوض بالمعرفة وتعزيز المهارات، وإصلاحات سوق العمل التي تستهدف تحسين الإنتاجية وزيادة القدرة التنافسية للاقتصاد غير النفطي، وكذلك الأطر القانونية لتوفير الحماية اللازمة للمستثمرين، وتعزيز حماية المستثمرين أصحاب حصص الأقلية وتسوية النزاعات، وتنفيذ إجراءات لمكافحة الرشوة وتعزيز النزاهة، وتخفيف القيود التي تفرضها القواعد التنظيمية على الملكية الأجنبية، وتعزيز حوكمة الشركات، والتركيز على إلغاء المزيد من الحواجز غير الجمركية على التجارة عن طريق التبسيط والتشغيل الآلي للإجراءات الحدودية، وتبسيط العمليات الإدارية المطلوبة لإصدار التصاريح.

By محمد زكى

كاتب و صحفى بجريدة الكرامة - عضو مؤسس بحزب الكرامة و امين التنظيم - ليسانس دار العلوم جامعة القاهرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *