ناصر قنديل يكتب: هل يعود نتنياهو إلى الحرب بعد طعم الهزيمة؟

– الأكيد أن وقع اتفاق وقف إطلاق النار داخل الرأي العام المؤيد للمقاومة في المنطقة وتأثيره على جبهتها السياسية، لم يكن هو وقعه ذاته داخل الرأي العام في الكيان وتأثيره على التموضعات السياسية داخل الكيان، فقد رأينا احتفالية شعبية عفوية وصاخبة بنصر كبير لدى المهجرين الذين عادوا الى جنوب لبنان حيث الدمار يطال كل شيء، قبل أن يدعوهم أحد إلى العودة، كما رأينا ترحيباً سياسياً وشعبياً من قوى المقاومة في فلسطين وغزة، خصوصاً بالاتفاق وتقدير وشكر وتحية لما فعلته المقاومة في لبنان لصالح فلسطين وغزة وما قدّمته من تضحيات. وهذا يعني أن فظاعة الحرب وحجم القتل والدمار الذي فرضه الاحتلال على لبنان، لم ينجح بإخفاء حجم التقدير والإعجاب بما أظهرته المقاومة من حضور وقوة واقتدار سواء في استهدافات الطائرات المسيرة والصواريخ أو في الصمود الأسطوري على الجبهة البرية. وثبت أن الوظيفة الردعية للقتل والتدمير أخفقت في تدمير الحالة المعنوية لجمهور المقاومة أو دفعه للانفكاك عن المقاومة، أو مساءلتها على تضحيات هائلة قدّمها هذا الجمهور، وكانت هذه الحصيلة خيبة كبيرة لرهانات كيان الاحتلال.

– بالتوازي خرجت قوى المقاومة في المنطقة تبدي تضامنها مع المقاومة اللبنانية وتشاركها فرحة ما وصفته بالانتصار الكبير، وتعتبره خطوة نحو انتصار المقاومة الأكبر في غزة، وبدا أن ذلك لم يكن موقفاً مجاملاً يُخفي ضيقاً من توقف جبهة إسناد غزة من لبنان، وظهر أن قناعة فصائل مقاومة غزة كانت أن الفعل الناري للإسناد حقق أهدافه بإنهاك جيش الاحتلال ودفعه للتسليم بوقف للنار بلا تحقيق الأهداف، وأن استمرار الفعل الناري لن يوقف المجازر بحق غزة، بينما تتكفل المقاومة في غزة بمواصلة استنزاف الاحتلال في الأرواح والمعدّات، لكن طغيان الأضواء المركزة على لبنان نظراً لضراوة الحرب وحجمها، حال دون أن تنال مأساة غزة حقها في الرأي العام، وتوقفت تظاهرات المطالبة بصفقة تنهي الحرب وتؤمن تبادل الأسرى التي بلغت حشودها في الكيان قبل حرب لبنان نصف مليون، وحدث الشيء نفسه في الرأي العام العالمي الذي لم يستعد حيويته مع عودة العام الدراسي للجامعات الغربية، والقناعة هي أن نتائج وقف النار في لبنان من زاوية تسليم الكيان بالعجز عن المضي بالحرب، والفشل في تحقيق الأهداف، مع نتائج إعادة الاعتبار لمكانة مظلوميّة غزة في الإعلام وأنشطة الرأي العام، تظهر حجم فعاليّة أعمال المقاومة ضد الاحتلال في غزة، سوف تشكل سبب تسريع فرص التوصل لاتفاق ترتضيه المقاومة في غزة، ما جعل الترحيب باتفاق وقف النار من قوى المقاومة تعبيراً صادقاً عن قراءتها.

– في مجالي معركة التأثير على الرأي العام اللبناني من جهة، والتأثير على منظومة علاقات قوى المقاومة بعضها ببعض، خسر كيان الاحتلال الرهان والمعركة، بينما جاءت النتائج داخل الكيان شديدة القسوة، حيث تعمّق الانقسام السياسي. فالمعارضة لا تقدم التغطية لاتفاق وقف إطلاق النار في لبنان وتراه تفريطاً بالقوة الإسرائيلية، بينما تعود هذه المعارضة للضغط من أجل تسريع صفقة غزة، وبالتوازي لا يتفاعل الرأي العام داخل الكيان مع شروح بنيامين نتنياهو للاتفاق وتصويره انتصاراً، ويجد نتنياهو أنه صار ايهود أولمرت آخر الذي قام هو بإطاحته بتهمة التخاذل والفشل في لبنان، وتبدو موجة التفاعل مع مناخ نشوة النصر التي أعقبت الضربات القاتلة التي وجهها الكيان للمقاومة في لبنان، ولخّصت وسائل إعلام الكيان المشهد بالقول إن الكآبة تخيم على الرأي العام، وأضاف الى الكآبة مزيداً من الإحباط رفض مهجري مستوطني الشمال للعودة، ليجد نتنياهو نفسه محاصراً من كل الاتجاهات.

– الخروقات التي رافقت من جانب الكيان الإعلان عن وقف إطلاق النار، رغم كونها في الشكل مشابهة لما جرى بعد حرب تموز 2006 وبقي يجري لمدة خمسين يوماً، إلا أنّها في العمق مختلفة كثيراً عنها، وهي تبدو أقرب الى فعل سياسي وعسكري يريد فرض تفسير لوقف النار مخالف لنص الاتفاق، بحيث يصبح جمعاً بين وقف للنار من طرف واحد هو المقاومة، من جهة، ونوعاً من أنواع المعركة بين الحروب المطبقة في جبهة سورية، من جهة مقابلة، بحيث يمكن تصدير صورة قوة للداخل في الكيان من جهة، ويمكن من جهة موازية فرض معادلة ردع جديدة على لبنان والمقاومة فيه، وربط الوقف الكامل لإطلاق النار بإنجاز شروط السيطرة على لبنان أمنياً لمنع إعادة بناء قوة المقاومة عبر المطاردة والملاحقة على مساحة لبنان والحدود اللبنانية السورية، حتى يتم التوصل لتفاهمات تحقق هذا الهدف عملياً، ولا تبقيه وعداً مشروطاً بموجبات على كيان الاحتلال تنفيذها، مثل الانسحابات من الأراضي المحتلة ووقف انتهاك الأجواء اللبنانية، أو ربط مستقبل سلاح المقاومة ببناء جيش قادر يستطيع التصدي لجيش الاحتلال وانتهاكاته واعتداءاته.

– الواضح أن لبنان ومقاومته نجحا عبر الصبر والالتزام بالاتفاق مقابل خروق الاحتلال، بربح بالنقاط تسبب بصدور مواقف أميركية وفرنسية معلنة تقول إن الاتفاق مهدد بالسقوط بسبب الخروق الإسرائيلية. وجاء الرد التحذيري للمقاومة بعد البيانات الرسمية اللبنانية العسكرية والسياسية والبيانات الأميركية والفرنسية ليقول لنتنياهو إن عليه الاختيار بين العودة إلى حرب لا يريدها لبنان، لكنها أقل وطأة عليه من الصيغة التي يعرضها الكيان على اللبنانيين، أو الالتزام الفعليّ بمضمون الاتفاق مقابل رغبة لبنانية بالالتزام والاستعداد لتنفيذ الموجبات، فهل يختار العودة إلى الحرب على المضي بالاتفاق، ولو أن أمامه تكرار تطبيق نصف اتفاق كما فعل لثمانية عشر عاماً منذ صدور القرار 1701 حتى طوفان الأقصى؟

– على نتنياهو أن يوازن بين رغبته الهروب من شعور الهزيمة وطعمها المرّ مع الاتفاق، وبين الأسباب التي أجبرته على قبوله وفي طليعتها أن الجيش منهك وعاجز عن المضي قدماً في الحرب، وأن الجبهة الداخلية مكشوفة وعاجزة عن تحمل ضربات المقاومة، ويقرّر بناء على ذلك، الاتفاق بالحد الأدنى لجهة وقف الأعمال القتالية، أو العودة إلى العمل القتالي بأشدّ صورة قسوة وهو الحرب كما كانت وربما أكثر؟

نقلا عن البناء

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *