حسين معلوم

في المنتدى الاقتصادي العالمي “دافوس”، صرَّح وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، الخميس 23 يناير 2025، قائلًا: “إن الأردن لا يمكنه تحمل تبعات حرب أخرى في الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل”. هذا التصريح، جاء بعد يومين من إعلان الجيش الإسرائيلي، الثلاثاء 21 يناير، أن قواته بدأت عملية عسكرية في مدينة جنين بالضفة الغربية.
الملاحظ، أن عملية جيش الاحتلال الإسرائيلي، جاءت غداة تنصيب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وبعد يومين فقط من بدء سريان وقف إطلاق النار في غزة. ومن هنا يثور التساؤل: في ظل العمليات العسكرية الإسرائيلية الواسعة في جنين، هل تتحول الضفة الغربية المحتلة إلى غزة جديدة(؟).

المقاومة الفلسطينية
تشهد الضفة الغربية المحتلة، خاصة في السنوات الأخيرة، تصاعدًا كبيرًا في التوترات بين الفلسطينيين والجيش الإسرائيلي. فمنذ احتلال الضفة الغربية، في عام 1967، كانت هذه المنطقة محورًا رئيسيًا في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ورغم أن الضفة الغربية كانت تعتبر منطقة ذات أهمية استراتيجية، لكونها تضم العديد من المدن الكبرى والمناطق الحيوية، إلا أنها كانت، لوقت طويل، تحت سيطرة مباشرة من الجيش الإسرائيلي، مع إقامة المستوطنات فيها تدريجيًا.
في المقابل، تعد غزة منطقة صغيرة ومزدحمة بالسكان، وقد انسحبت منها إسرائيل بشكل كامل، في عام 2005، لكنها ظلت تحت حصار مشدد منذ أن سيطرت عليها حركة “حماس”، في عام 2007.
وقد شهدت الضفة الغربية محطات متعددة من العنف والمواجهات بين الفلسطينيين وإسرائيل، بدءًا من الانتفاضتين الأولى والثانية، وصولًا إلى الأحداث الأخيرة التي تعيشها مدن الضفة. كانت تلك المحطات مرتبطة، بشكل رئيس، بالصراع على الأرض والمقاومة الفلسطينية للاحتلال الإسرائيلي. ومع ذلك، كانت العمليات العسكرية الإسرائيلية في الضفة غالبًا أقل حدة، مقارنة بتلك التي تحدث في غزة، التي تخضع لحصار محكم وغارات جوية مكثفة.
لكن مؤخرًا، شهدت الضفة الغربية تطورات قد تجعلها أقرب إلى السيناريو الغزي. التصعيد العسكري الأخير في مخيم جنين، الذي يعتبر واحدًا من معاقل المقاومة الفلسطينية في الضفة، يعكس تحولًا في تكتيكات الجيش الإسرائيلي من حيث مستوى العمليات وحجمها.
فما الأسباب التي قد تؤدي إلى هذا التحول؟؛ وهل هناك إمكانيات لتكرار نموذج غزة في الضفة؟.
لعل أهم تلك الأسباب.. أن مخيم جنين يُعد واحدًا من أكبر وأهم مراكز المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، حيث شهد عبر التاريخ العديد من العمليات العسكرية الإسرائيلية. ومع تصاعد المقاومة المسلحة في المخيم، أصبحت جنين رمزًا للمقاومة المسلحة في الضفة الغربية، مشابهًا لموقف غزة في السنوات الأخيرة.
ومنذ بداية الانتفاضة الثانية، في عام 2000، برزت جنين كمركز للمواجهات العنيفة بين المقاومين الفلسطينيين والجيش الإسرائيلي، حيث اعتبرت إسرائيل المخيم ملاذًا للفصائل الفلسطينية المسلحة. ومنذ ذلك الحين، تتوالى العمليات العسكرية الإسرائيلية في جنين، ولكن التصعيد الأخير يشير إلى تحول استراتيجي في كيفية تعامل الجيش الإسرائيلي مع هذا المخيم، مع تنفيذ عمليات واسعة النطاق على غرار العمليات العسكرية في غزة.

الضفة وغزة
تتعدد نقاط التشابه والاختلاف بين الضفة الغربية المحتلة، وبين قطاع غزة..
فمن جهة، هناك القيود على الحركة والتنقل؛ ففي غزة، يخضع السكان لحصار بري وبحري وجوي مشدد من قبل إسرائيل، منذ عام 2007، مما أدى إلى أزمة إنسانية شديدة. في الضفة الغربية، وعلى الرغم من وجود حواجز عسكرية وجدار الفصل العنصري، إلا أن الحصار على الضفة ليس محكمًا كما هو في غزة، حيث يتمكن الفلسطينيون من السفر والعمل داخل إسرائيل بشروط محددة.
إلا أن العمليات العسكرية الأخيرة والقيود المشددة على التنقل بين مدن الضفة الغربية، مثل إغلاق الحواجز والمعابر المؤدية إلى جنين وغيرها من المناطق، تؤدي إلى تشديد القيود على الحركة، مما يخلق بيئة مشابهة لتلك الموجودة في غزة. ويكفي أن نلاحظ، أن الجيش الإسرائيلي لم يكتف بما يفعله في جنين ومخيمها، من دمار وتجريف وقتل؛ بل، يمتد إرهابه إلى معظم مناطق الضفة الغربية، حيث لا توجد بلدة فلسطينية واحدة لم تتعرض لعمليات القمع والتعذيب. وفي الأيام الأخيرة، حوَّل الجيش الإسرائيلي مدن الضفة إلى “سجن كبير”، يضيق فيه العيش.
من جهة أخرى، هناك المقاومة الفلسطينية المسلحة؛ إذ، يبدو اختلاف طبيعة الفصائل المسلحة في الضفة عن تلك الموجودة في غزة. ففي غزة، تسيطر حماس على القطاع وتعتبر القوة العسكرية الرئيسة فيه؛ بينما في الضفة الغربية تتوزع الفصائل المسلحة بين حركات مختلفة، مثل فتح والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية.. وغيرها. إلا أن تنامي المقاومة المسلحة في الضفة، خاصة في مخيمات اللاجئين، مثل جنين ونابلس، سوف يؤدي إلى زيادة العمليات العسكرية الإسرائيلية؛ ومن ثم، إلى اشتداد الصراع وتنامي المقاومة الفلسطينية لهذه العمليات العسكرية الإسرائيلية.

غزة جديدة
إضافة إلى ماسبق، يمكن ملاحظة أنه في غزة، يعتمد الجيش الإسرائيلي على الغارات الجوية والصواريخ لاستهداف المقاومة، بينما في الضفة الغربية يعتمد بشكل أكبر على الاجتياحات البرية والاعتقالات. ولكن، مع تصاعد العمليات العسكرية في مخيم جنين، يبدو أن الجيش الإسرائيلي يتبنى تكتيكات أكثر حدة وقوة، تشبه إلى حد كبير تلك التي يستخدمها في غزة.
هذا التحول يُمثل دافعًا إلى طرح التساؤل حول إمكانية تحول الضفة الغربية إلى “غزة جديدة”(؟).
والواقع، أن هناك عدة عوامل قد تدفع بهذا الاتجاه، وأخرى قد تحول دون ذلك.
من جانب العوامل المساعدة على تحول الضفة إلى غزة جديدة؛ يأتي تصاعد المقاومة الفلسطينية المسلحة، في مواجهة العمليات العسكرية لجيش الاحتلال الإسرائيلي. هذا، فضلًا عن استمرار إسرائيل في فرض قيود مشددة على التنقل والاقتصاد في الضفة الغربية؛ ولذا، فإن الوضع قد يتدهور إلى حالة مشابهة لحصار غزة، حيث يعاني السكان من انعدام الفرص الاقتصادية وصعوبة الوصول إلى الخدمات الأساسية.
وبالتالي، إذا استمرت إسرائيل في تنفيذ عمليات عسكرية واسعة النطاق في الضفة الغربية، مثل تلك التي حدثت في جنين، فإن الضفة قد تصبح منطقة نزاع مفتوح، على غرار ما حدث في غزة.
أما من جانب العوامل التي قد تحول دون تحول الضفة إلى غزة جديدة؛ فإن أهم ما يأتي في هذا الشأن، هو “التنسيق الأمني” بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل. إذ، ما تزال السلطة الفلسطينية تمارس دورًا أمنيًا في الضفة الغربية؛ حيث يتم التنسيق مع إسرائيل للحفاظ على الاستقرار في بعض المناطق. هذا التنسيق قد يقلل من احتمالية تحول الضفة إلى منطقة حرب مفتوحة كما في غزة.

وختامًا، يبقى السؤال مفتوحًا حول ما إذا كانت الضفة الغربية المحتلة، ستتحول إلى “غزة جديدة” أم لا. الأحداث الأخيرة في مخيم جنين تظهر أن المنطقة قد تكون على أعتاب تصعيد خطير، ولكن هناك عوامل داخلية وخارجية قد تمنع تدهور الوضع إلى مستوى مشابه لغزة. وفي النهاية، تظل الاستراتيجية الإسرائيلية تجاه الضفة الغربية، وتطورات المقاومة الفلسطينية، عوامل حاسمة في تحديد مستقبل الضفة الغربية.

نقلًا عن “أصوات أونلاين”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *