وفاة جيل دوفير .. المحامي المدافع عن الأقليات وأ برز المناصرين للقضية الفلسطينية

سالم أبورخا كتب
بفضل دوفير، أصبح للفلسطينيين “جيش من المحامين في المحاكم الدولية”، وسبق له أن ترأس مجموعة من المحامين قدّموا شكاوى كثيرة إلى المحكمة الجنائية الدولية في مناسبات مختلفة

فقدت القضية الفلسطينية أحد أشد المدافعين عنها حماسةً، وهو المحامي جيل دوفير، الذي توفي يوم الثلاثاء الماضي ٢٧ نوفمبر عن عمر يناهز 68 عاماً (ولد يوم 4 أيلول/ سبتمبر 1956 في مدينة ليون الفرنسية) بعد صراع طويل مع المرض.
توفي المدافع المتحمس عن فلسطين بعد خمسة أيام من توجيه المحكمة الجنائية الدولية، لائحة اتهام ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وانتهاكات لحقوق الإنسان.
كان جيل دوفير، وهو ممرض سابق تحوّل سنة 1985 إلى محامٍ وباحث ومحاضر في جامعة ليون الثالثة، شخصية محورية في الدفاع عن مصالح الفلسطينيين، لا سيما في دعواتهم القانونية ضد قادة إسرائيل. وحديثاً، قاد دوفير الجهود الحثيثة لمئات المحامين والجمعيات لدفع المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، وكان وراء مذكرات الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بطلب من المدعي العام كريم خان، منذ أيار/ مايو الماضي، ضد نتانياهو وغالانت.
كرس دوفير وهو المتخصص في القانون الدولي، حياته المهنية لمكافحة الظلم الواقع على الشعب الفلسطيني، فرغم مشاكله الصحية وتردده المتكرر على المصحات، جمع دوفير خلال السنوات الماضية فريقاً من المحامين الدوليين، جلب كل منهم خبرته وفهمه للقانون الدولي، لبناء استراتيجية قانونية قوية وجمع الأدلة التي تدين الإسرائيليين، وعمل على تنسيق الأدوار في ما بينهم ونجح في الوصول إلى الهدف المنشود.
اعتبر جيل دوفير، المحامي المعروف بخبرته في القانون الدولي الإنساني، يوم صدور مذكرات الاعتقال بحق نتانياهو عيداً سعى إلى تحقيقه منذ سنوات، وعلى إثر صدور القرار التاريخي قال لابنه “الآن يمكنني أن أموت وأنا مرتاح”، إذ حقق ما سعى إليه وعجز عنه قادة العرب جميعاً.
بفضل دوفير، أصبح للفلسطينيين “جيش من المحامين في المحاكم الدولية”، وسبق له أن ترأس مجموعة من المحامين قدّموا شكاوى كثيرة إلى المحكمة الجنائية الدولية في مناسبات مختلفة، وكلّفته السلطة الفلسطينية لتقديم شكوى نيابة عنها في كانون الثاني/ يناير 2009 ضد إسرائيل، على خلفية جرائم الحرب التي ارتكبت خلال حرب غزة بين عامي 2008 و2009.
من نتائج القضايا أنها كانت فاصلة ونقطة تحوّل غيرت ديناميكيات الصراع الإسرائيلي الفلسطيني في المجال القانوني الدولي.
كما ساهم المحامي الفرنسي في صياغة مذكرات الخامس من شباط/ فبراير 2021، التي أكدت اختصاص محكمة الجنائية الدولية وولايتها القضائية على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، بما فيها شرق القدس والضفة الغربية وقطاع غزة.
إلى جانب إجراءاته القانونية، كان دوفير طيلة 30 سنة صوتاً شجاعاً لنصرة القضية الفلسطينية وفضح الانتهاكات والاعتداءات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين العزّل، ونجح في حشد تأييد آلاف الحقوقيين للدفاع عن الحق الفلسطيني.
محامي المضطهدين
صحيح أن القضية الفلسطينية شغلت جيل دوفير لسنوات عدة، إلا أنه كان مهتماً أيضاً بنصرة مضطهدين آخرين في بلاده، والبحث عن سبل إنصافهم قانونياً ضد النظام الفرنسي والغربي المعادي للأقليات.
فتح المحامي الراحل والحاصل على درجة الدكتوراه في القانون مكتبه أمام المضطهدين الباحثين عمّن ينصرهم والمتأكدين من عدالة قضاياهم، فقد كان على قناعة تامة بأن القانون ينتصر دائماً في النهاية مهما حاول الظالمون.
عمل دوفير محامياً لكامل قبطان، عميد المسجد الكبير في ليون، في القضية التي رفعها ضد الولايات المتحدة، عقب نشر موقع ويكيليكس قائمة للبنتاغون يعود تاريخها إلى عام 2004، يظهر فيها مسجد ليون ضمن أماكن عدة مفترضة للتجنيد لتنظيم القاعدة، وظلّ ديفير المحامي المخلص للمسجد لأكثر من 35 عاماً.
يقول مسجد ليون الكبير في بيان نعي دوفير، إن المحامي الفرنسي كان إحدى ركائز معاركهم، إذ “جلب خبرته وتصميمه وإحساسه الشديد بالعدالة في كل تحدٍّ واجهناه”، ويضيف البيان “لقد طبع تاريخ مؤسستنا بالتزامه الثابت ودعمه الثابت للمجتمع المسلم في ليون وفرنسا”.
كما عمل دوفير مستشاراً لمسجد باريس الكبير الذي يُعدّ أول وأقدم مسجد في باريس، إذ بدأت أعمال بنائه بعد الحرب العالمية الأولى، امتناناً وتكريماً للجنود المسلمين الذين ماتوا من أجل فرنسا.
وحرص دوفير خلال سنوات امتهانه المحاماة على تعريف المسلمين بحقوقهم في فرنسا، وتأكيد إمكانية ممارسة الإسلام بسلام مع القانون الغربي، وأنه لا يوجد أي تعارض بين هذا الدين وقيم الجمهورية الفرنسية.
شارك المحامي الفرنسي زميلاً له؛ عميد مسجد باريس الكبير الحالي شمس الدين حفيظ، في كتابة كتاب “القانون والدين الإسلامي”، وفيه إجابات عن الكثير من الأسئلة المتعلقة بالإسلام والقانون الفرنسي، وتأكيد أن الإسلام دين لا يريد الاستيلاء على السلطة.
جبهة البوليساريو
فضلاً عن ذلك، كان دوفير شخصية محورية في الدفاع عن مصالح جبهة البوليساريو، لا سيما في دعواتها القانونية ضد اتفاقيات الزراعة والصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي، التي كلفته بها الجزائر بشكل خاص.
نتيجة وقوفه إلى جانب البوليساريو، واجه المحامي الفرنسي خلال حياته وحتى بعد انتشار خبر وفاته، هجمات مغربية متواترة، إذ اتُّهم بخدمة النظام الجزائري والدفاع عن جبهة انفصالية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *