مع الفرحة العارمة لصديقي بسقوط نظام بشار الأسد
طرحت على صديقي عدة أسئلة علينا أن نجيب عليها جميعا وتأملها قبل أن نفرح أو نحزن لسقوط هذا النظام.
أولا جميعنا نتفق على أن بشار قبل عام ٢٠١١ أحدث تطورا ملحوظا في الاقتصاد السوري ولم تقم الثورة عليه لأسباب اقتصادية
ففي عام 1990، وضعت حكومة الأسد سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية، على الرغم من أن الاقتصاد لا يزال يخضع لتنظيم كبير شهد الاقتصاد السوري نمواً قوياً طوال التسعينات، وفي نهاية العقد الأول من الألفية بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في سوريا 4,058 دولار أمريكي في عام 2010
قبل الحرب الأهلية، كان القطاعان الرئيسيان للاقتصاد السوري هما الزراعة والنفط، اللذان كانا معاً يمثلان نحو نصف الناتج المحلي الإجمالي. ومثلت الزراعة، على سبيل المثال، نحو 26 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي ووظفت 25 في المائة من إجمالي قوة العمل
مما حقق معه إكتفاء ذاتي في إنتاج القمح وتصدير بعضه
ومع ذلك لا ننكر أيضا فشل هذا النظام في تحقيق الديمقراطية والحرية السياسية كما حققها على المستوى الاجتماعي وإنتشار حملات الاعتقال لمعارضيه وعلى الأخص الناصريون
مما أدى إلى خروج مظاهرات في منتصف شهر آذار (مارس) عام 2011 في مدن سورية عدة مطالبة بإطلاق الحريات وإخراج المعتقلين السياسيين من السجون ورفع حالة الطوارئ، ثم مع الوقت ازداد سقف المطالب تدريجياً حتى وصل إلى إسقاط نظام بشار الأسد بالكامل. بحلول شهر يوليو من عام 2011 تطوَّرت مظاهر الاحتجاجات إلى اعتصاماتٍ مفتوحة في الميادين الكبرى ببعض المدن، إلا إنَّ هذه المظاهرات السلمية تعرَّضت – وفق رواية المعارضة – إلى القمع العنيف على أيدي القوات النظامية، فيما صرَّحت الجهات الحكومية بأنَّ تدخل القوات الأمنية لم يكن إلا لمواجهة عصابات مسلحة وإرهابية في المدن السورية، في وقت ما تسبَّبت الأحداث و مع تطور الأزمة أخذت الانشقاقات في الجيش النظامي بالتزايد والتضخم، وفي مطلع شهر آب (أغسطس) أعلن عن تأسيس الجيش السوري الحر، وبدأت المواجهات العسكرية على نطاقٍ صغيرٍ ومحدودٍ بين القوات النظامية وقوات المعارضة، ثم أخذت بالتوسُّع تدريجياً حتى بدأت تصل مستوى المعارك المباشرة بحلول نهاية العام وبداية عام 2012.
ولا يخفي عنا جميعا ما حدث بعد ذلك
وكانت الصدمة هي إعلان دولة الاحتلال الصهيوني فتح مستشفياتها لعلاج المسلحين الثوريين
بل إن بعضهم تربي وتدرب على حمل السلاح في الفناء الخلفي للقواعد الامريكية
وبعد سقوط بشار احتل الكيان الصهيوني الكثير من الأراضي السورية حتى وصل لأعتاب دمشق
وهنا تساءلت لماذا لم يرفع الجولاني سلاحه في وجه المحتل؟ لماذ لم يطلق رصاصة واحدة من باب حفظ ماء الوجه؟
وهنا كان رد صديقي ليس هناك مشكلة من التحالف مع العدو فعدو عدوي صديقي
فسألته مستنكرة هل تقبل صداقة ومحالفة الكيان رغم ما يحدث في غزه لمجرد إسقاط بشار ومن الممكن اسقاطه بتحالف القوي الشعبية المختلفة وليس بالتحالف مع العدو؟!
هنا كان الرد الصادم من صديقي : إن الرسول عليه الصلاة والسلام تحالف مع الكفار في صلح الحديبية
الموضوع هنا دل على جهل كبير وصل حتى تطويع تاريخنا الإسلامي لخدمة أغراض سياسية وبالأخص السيرة النبوية
وأكيد هناك العديد ممن يردد مثل هذا الكلام البعيد كل البعد عن الحقيقة
وهنا اقول لصديقي وكل من ينتهج نهجه في التفكير
إن الفرق بين من يضع يده في يد الكيان الصهيوني وهدنة الحديبية – وهذا هو المسمى الصحيح لها وإن كان الدارج بين العامه والدارسين تسميتها بصلح الحديبية- كبير على الصعيدين السياسي والتاريخي، هناك اختلاف كبير بين من يسعى للتطبيع أو التعاون مع الكيان الصهيوني وبين ما حدث في هدنة الحديبية بين النبي محمد ﷺ وقريش. هذه المقارنة خاطئة من الناحية الشرعية والتاريخية، لأن لكل موقف سياقه وظروفه وأهدافه.
أولًا: هدنة الحديبية وظروفها وأهدافها
هدنه الحديبية كانت معاهدة بين النبي محمد ﷺ وقريش، عدو المسلمين في ذلك الوقت، وتم في السنة السادسة للهجرة. كان هذا الصلح يحمل أهدافًا استراتيجية عظيمة منها:
- وقف القتال: إعطاء فرصة لنشر الإسلام في بيئة أكثر هدوءًا وأقل صراعًا.
- تحقيق مصالح المسلمين: الهدنه أتاحت للمسلمين تأمين أنفسهم وتمكين الدعوة الإسلامية.
- إضعاف الأعداء بالتدرج: رغم أن بعض شروط الهدنه بدت مجحفة في البداية، إلا أن نتائجها كانت لصالح المسلمين على المدى البعيد، ومنها فتح مكة بعد سنتين فقط.
ثانيًا: من يضع يده في يد الكيان الصهيوني
أما في العصر الحديث، فإن من يضع يده في يد الكيان الصهيوني يسير في مسار مختلف تمامًا عن هدنه الحديبية، من عدة نواحٍ:
- التطبيع مع الظلم: الكيان الصهيوني قام على الاحتلال، تهجير الفلسطينيين، وارتكاب الجرائم بحقهم، وهو لا يعترف بحقوقهم المشروعة.
- التنازل عن القضايا العادلة: التطبيع أو التعاون مع الكيان الصهيوني يُعتبر تخليًا عن القضايا العادلة، مثل حق الشعب الفلسطيني في أرضه وحقوقه الإنسانية.
- خدمة الاحتلال: العلاقات مع الكيان غالبًا ما تكون في مصلحة هذا الكيان المحتل على حساب الأمة الإسلامية.
الفرق الجوهري بين الحالتين
في هدنة الحديبية، كان النبي ﷺ يتعامل مع عدو ظاهر، لكن الهدف كان تحقيق مصلحة الأمة الإسلامية ودعوتها. كانت الهدنه جزءًا من استراتيجية واضحة لم تفرط في حقوق المسلمين أو مبادئهم.
أما في حالة التطبيع مع الكيان الصهيوني، فإن ذلك يعني القبول بواقع الاحتلال والتنازل عن الحقوق المشروعة، بل وربما تقديم المساعدة لهذا الكيان الغاصب في تثبيت احتلاله.
ومن منظور الشريعة الإسلامية
الشريعة الإسلامية تقوم على نصرة المظلوم ورفض الظلم. قال الله تعالى:
“ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار” (هود: 113).
والركون هنا يشمل أي صورة من صور المهادنة التي تُثبت وتعيين الظالم على ظلمه.
الخلاصة
لا يجوز المساواة بين هدنة الحديبية والتطبيع والتحالف مع الكيان الصهيوني، لأن الأول كان خطوة استراتيجية حكيمة لمصلحة الأمة، بينما الثاني يُعد خيانة لحقوق الأمة وقضاياها العادلة. من يضع يده في يد الكيان الصهيوني يسهم في تكريس الظلم، بينما النبي ﷺ كان يسعى لتحقيق العدل ونشر الإسلام بالطرق السلمية والاستراتيجية.