محمد زكي

لم نحزن على من فُصِّلت له الدساتير ليكون رئيسًا، ولم نحزن على من ورث حكم سوريا وكأنه يرث عقارًا أو متاعًا، ولم نحزن على ديكتاتور ظل في الحكم لأكثر من عقدين ولم يكتفِ، ولم نحزن على من تمسك بالسلطة حتى انهار الكرسي من تحته، ولم نحزن على من قمع شعبه، ولم نحزن على من لم يقاتل لتحرير أرضه، ولم نحزن على من استكان لتجميد الوضع السوري وبقائه في حالة مخجلة وخطيرة، ولم نحزن على من جمع كل عيوب الحكام العرب، وإن كان أفضلهم.

لكننا حزنا على سوريا التي رفضت أن توقّع لإسرائيل صك استسلام، وحزنا على سوريا التي كانت ظهيرًا ومددًا للمقاومة الفلسطينية واللبنانية، وحزنا على سوريا التي كانت جسرًا لوصول سلاح إيران إلى المقاومة اللبنانية.

القضية لم تكن يومًا في شخص، بل القضية في الموقف.
عندما تمسك بشار بالسلطة في عام 2011 طالبنا برحيله استجابةً لثورة شعبه.
وعندما قمع المظاهرات المطالبة برحيله أدنَّا ذلك، وأكدنا على ضرورة رحيله استجابة لمطالب الشعب.
وعندما بدأ التمرد داخل الجيش والقوى الأمنية وتوالت الانشقاقات، ورُفع السلاح في وجه الدولة توجسنا خيفةً على سوريا ومستقبلها.

قامت دول عربية بصرف المليارات لإسقاط نظام الأسد، وكان خلفها أمريكا وإسرائيل. هنا اتضح أن الأمر ليس مجرد تغيير الرئيس أو حتى تغيير النظام في سوريا، بل المطلوب تغيير سوريا نفسها، الموقفً والجغرافيا والتكوين.

لم يكن هناك خلاف بين دول الخليج وبشار يستدعي صرف كل هذه الأموال لإزاحته كما كان الحال مع صدام بعد ضم الكويت، والجبهة مع إسرائيل كانت هادئة، ولا جديد يستدعي السخط على شخص بشار. لكن لو عدنا بالذاكرة خمس سنوات فقط، إلى عام 2006، سنجد هزيمة الكيان الصهيوني في جنوب لبنان وخروجه مذلولًا مدحورًا. إنه الدعم السري للمقاومة اللبنانية؛ هنا مربط الفرس، وهنا يكمن السبب الحقيقي لشن هذه الحرب على سوريا.

هذه هي سوريا التي حاربوها، وهذه هي سوريا التي دافعنا عنها. الموضوع لم يكن بشار ونظامه، فهما كغيرهما من حكام وأنظمة العرب تسلّطًا وقمعًا وحبسًا للمعارضين، وأحيانًا قتلًا لهم. لم تكن سوريا استثناءً عن العرب، بل كانت منهم وبهم، حتى صدرت الأوامر الأمريكية بضرورة إزاحة حليف روسيا وإيران عن السلطة، فاندفع حكام الخليج للتفاني في تنفيذ الأوامر، وشهد شاهدٌ منهم ( حمد بن جاسم ).

توالت على سوريا جيوش المرتزقة المدربين، وتحولت إلى ساحة معارك دولية وإقليمية. دعمت قوات تركيا وأمريكا الأطراف المناوئة لبشار، ودعمته قوات روسيا وإيران وحزب الله. حروب ودماء وجيوش ومرتزقة، سوريون وغير سوريين. أصبح المشهد السوري مركبًا ومعقدًا، استلزم توافقات وتعهدات والتزامات ومباحثات ولقاءات واتفاقات.

تغيرت الأمور، وانسحب الجيش، ورحل بشار في هدوء. آلت الأمور إلى التنظيمات المسلحة. سنرى في الفترة القادمة شكل الديمقراطية التي ثار من أجلها السوريون وسالت لأجلها الدماء. هل سيتم بناء نظام سياسي يحترم الخلافات السياسية والدينية والعرقية والطائفية؟ هل ستنعم سوريا بسلطة تستطيع فيها المعارضة أن تتظاهر ضد النظام دون حبس واعتقال؟ هل ستنعم سوريا بديمقراطية حقيقية وتداول سلمي للسلطة بدون تكفير وإرهاب؟ سنرى هل كانت المخاوف على وحدة سوريا وموقفها من الكيان الصهيوني محقة، أم أنها كانت هواجس المرتابين؟

لم يكن يومًا خوفنا على بشار ونظامه، بل كان خوفنا على سوريا ووحدتها وموقفها. سنقف مع النظام الجديد بقدر حفاظه على وحدة الشعب السوري وأرضه، وبقدر سعيه لتحرير الأراضي السورية المحتلة، وبقدر التزامه بقضايا أمته وتطلعات شعبه. أما اتجاهات ساكن القصر الرئاسي الأيديولوجية، فهذا شأن خالص للشعب السوري.

من محمد زكى

سياسي وصحفي بالكرامة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *