مي جمال الدين
كان التعليم وسيظل أهم أسس بناء مستقبل مصر
وهاجس دائم وحديث لكل المصريين فدور التعليم أساسى للتنمية الاقتصادية والاجتماعية المأمول تحقيقها .و تعزيز الهوية الوطنية والمواطنة والأخلاق وأداة لمكافحة الفقر والبطالة، وبه يزدهر الابتكار والإبداع والتطوير فى شتى المجالات .
وأشد ما يتعجب منه المرء ويحزنه رؤية دول تشابهت معنا فى الظروف والاحتياجات والامكانات والموازنات مثل كوريا الجنوبية وماليزيا وتركيا وفيتنام وبولاندا من عشر سنوات ثم تجاوزتنا فى التصنيف الآن وأصبحت من الدول الرائدة فى التعليم والتكنولوجيا والابتكار والاقتصاد والبنية التحتية وتحسنت نتائجها ورتبها عالميا وتحولت بعد عشر سنوات إلى اقتصادات قوية ونظم تعليم متميزة أثبتت أن الاستثمار فى التعليم يمكن أن ينطلق بالبلدان إلى فضاءات وعوالم تتجاوز الواقع لتصنع المستقبل . فى حين تدهور نظامنا التعليمى ولم يشهد الواقع التعليمي في مصرتحسنا يذكر بل تراجع ليقارن بدول أخرى لم تستطع التغلب على تحدياتها ولازالت تواجه عقبات شتى فى التطوير والتحسين كما باكستان إندونيسيا بنجلادش
نيجيريا والفلبين
والسؤال الذى يجول بخاطر الملايين من أولياء الأمور والمعنيين بالتعليم فى مصر الآن هو لماذا اجتازتنا تلك الدول ولم نشهد نفس قفزة التطور والتميز التعليمى كأقراننا فى تلك السنوات العشر رغم أننا بدأنا جميعا على نفس مضمار السباق وبنفس المواصفات والتحديات والموازنات وفقا للتقارير العالمية ؟؟!!
ولماذا لازال النظام التعليمى يعانى من الكثافة العالية في الفصول الدراسية، و نقص الموارد المالية والمادية في المدارس، وعجز المعلمين وتدني مستوى تدريبهم وضعف المرتبات و الحوافز.
-وتنامى الفجوة بين التعليم العام والخاص.
وانتشار الدروس الخصوصية والغش الجماعى وأثر كل ذلك على تدنى جودة التعليم بنتائجه وآثاره .
وما فرص الإصلاح في المستقبل
وكيف يمكن الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة في التعليم (التعليم الإلكتروني، الذكاء الاصطناعي)
فى تطوير المناهج لتركز على المهارات الحياتية والمهنية؟!
وكيف يمكن تعزيز دور البحث العلمي والابتكار في الجامعات وزيادة الاستثمار في التعليم الفني والتقني
وتحسين البنية التحتية التعليمية بالشراكة مع القطاع الخاص وإشراك المجتمع فى القرارات ؟؟!!
من واقع التجربة والمعايشة الميدانية لعشرات السنين ينطلق الحل من الإعتراف بالفشل لحل مشكلاته ومضاعفة النجاحات على التوازى فالدولة التى أنفقت ملايين من موازنتها ومن المنح الدولية على إعداد الخطة الاستراتيجية للتعليم عام ٢٠٠٧ والتى شارك فيها معظم المعنيين بالتعليم من كل المجالات لم تبذل جهدا فى تنفيذ ما خططت له لتحقيق رؤية وأهداف التعليم المصرى التى أعدها وحلم بها أبناء الوطن فى حينها وجاءت الثورة لتنير لها الطريق وتوفر لها الدعم المادى والمعنوى بمواد الدستور مع طاقات بشرية هائلة تطوعت مشكورة بالعمل على كافة تفاصيل أطرها حالمين بمستقبل تمنوه يوما لأنفسهم ولكنه أصبح متاحا الآن لأولادهم كل تلك الفرص التى وأتت نظام التعليم فى مصر لم يتم استغلالها بتنفيذ الخطط وإنما واجه النظام التعليمى عشوائية وفوضى وأهواء وفقدان لبوصلة الأولويات وأهملت الخطط الاستراتيجية واستبدلت بأفكار فردية لكل وزير يأتى ليضع بصمته دون النظر للنظرة الكلية للخطة وأولوياتها وموضوعيتها وواقعيتها وفقا للإمكانات ووافق الجميع على قبول ثلث موازنة التعليم والاكتفاء بها فى استكمال أجزاء متناثرة من البنية التحتية المتهالكة ودفع الرواتب والصيانة الخطرة للمنشآت دون تفعيل بنود الخطط فى البناء للحد من الكثافة أو التعاقد مع معلمين للحد من العجز الصارخ فيهم والذى يتضاعف بخروج آخرين على المعاش بشكل دورى وأضحى كل مقترح للحل لايعالج إلا جزء لايتعدى احتياج عجز مدارس محافظة واحدة يوزع على الجمهورية حفظا لماء وجه الحكومة لا أكثر ولم يجرؤ وزير فى العشر سنوات السابقة أن يطالب بميزانية التعليم كاملة لحل ما ترتب على خصم ثلثيها من مضاعفات كارثية.
وسحبت ميزانية تدريب المعلمين والقيادات المعدة وفق حزم برامج جمعت من الميدان وفق الاحتياجات لتحسين الجودة لصالح تدريبات مفاجئة بميزانيات خرافية من صندوق تحيا مصر عالجت قشور العملية التعليمية ولم تتطرق للتخصصات والأولويات .
وانفقت المليارات لصالح تابلت أثبتت الخبرة السابقة لمدن الحدود فشله فى تحقيق الأهداف للحاجة الماسة لبنية تحتية ملائمة له.
ولم ترفع رواتب المعلمين وظل جموعهم ولازالوا يعانوا من غلاء المعيشة وضغوطها وعدم قدرتهم على توفير حياة كريمة لهم ولأبنائهم.
ووجهت المباني التعليمية الجديدة للمدارس الحكومية بالمصروفات دون ضخ تلك الأرباح لتحسين جودة التعليم المجاني.
ولم تقيم التجارب المتتالية التى تمت ولا قيست نتائجها لبيان نجاحها من عدمه ولا شاركت الدولة فى المسابقات الدولية للعلوم والرياضيات والقراءة والكتابة
(TIMSS/ PISA/PIRLS)
لتحديد جوانب القصور فى المراحل التعليمية المختلفة بعد ظهور نتائج لبعض المشاركات أظهرت معظمها تحسن طفيف لايرقى لحجم التحديات.
وعلى الرغم من تسابق المصريين لتعليم أبنائهم كأولوية ودعمهم ومشاركاتهم المجتمعية للمدارس إلا أن النقص الصارخ فى موازنة التعليم راكم التحديات وضاعف آثارها السلبية وأصبحت الجودة نوع من الرفاهية أمام ضرورة الإلحاق بالمدارس وتوفير مكان لكل تلميذ فى فصله المكدس.
وهو ما ضاعف من اشتراك الأسر فى الدروس الخصوصية لتحسين مستوى تعليم أولادهم ونجاحهم فى اجتياز تصفيات الثانوية العامة لدخول الجامعات الحكومية والتى لم تعد مقاعدها تستوعب خريجى الثانوية العامة على قلة عددهم نتيجة تفرغ الحكومة لبناء جامعات خاصة “وأهلية ” بمصروفات تتجاوز قدرة الأسر المتوسطة .
كان الأمل فى الحوار الوطنى أن نجتاز تحدياتنا بمجلس وطنى للتعليم يلتزم بالخطط الاستراتيجية بدلا من عشوائية التطبيق لكل وزير و التى تمتص كل ميزانيات إضافية أو دعم مجتمعى او منح دولية . فالخطط الاستراتيجية بنيت على أسس و رؤية ومعلومات وبيانات وأولويات وادوار جديدة للذكاء الاصطناعي والروبوتات في تغيير طبيعة الوظائف.
لإعداد الطلاب لمهن المستقبل
وتحليل للمشكلات الطارئة والمستدامة بالمنظومة تتطلب التدخل الفورى كبناء مدارس جديدة تقلل الكثافة وتوفير معلمين وفنيين معامل وأخصائيين وعمال لسد العجز الذى تجاوز ال٦٠٠ الف معلم وكذا العمال والفنيين وتقدير عملهم وحل مشكلاتهم ورفع دخولهم لتتواءم مع واقع الحياة بديلا عن نشر كل وزير بأنه حقق 90%من المأمول والواقع عيان بيان للمستمع .
وفى الخطط منظومة التعليم المتكاملة بمدخلاتها وعملياتها ومخرجاتها ونتائجها المتوقعة وسبل التصويب والبدائل وأطر و أساليب تطوير المناهج وأزمنتها ووسائلها الأنية المستدامة.
وبها تدرج العمليات وصولا للجودة المرجوة وتقييمها وقياسها وتغذيتها الراجعة.
وفيها ترتيب الأولويات وتوزيع العمل التشغيلى على التوازى والتوالى وفقا للإمكانات والقدرات .
كما أن توفير أماكن لجميع طلاب الثانوية العامة بالجامعات الحكومية سيمنح الأسر أمن وضمان لمستقبل الأبناء مما سيخفف من ضغوط وأعباء الثانوية العامة عليهم وسيحول ذلك التوجه للتعلم بديلا عن البحث عن المجموع بالأساليب غير المشروعة.
وما نراه من تهاوى لجوانب المنظومة لهو أثر من أثار عشوائية العمل بعيدا عن الخطط التى تتطلب موازنة كاملة فالتعليم والصحة لاينبغى أن يكونا شريكا فى خدمة الدين ولا يجب تجنيب 20% من الموازنة مادامت المدخلات لم تستكمل وكان الأجدى
بنقابة المعلمين التى أصبحت فى كنف الحكومة ولم تعد تمثل معلميها أن تنادي بتنفيذ الخطط وتحسين أحوال المعلمين المالية والمعنوية وسد العجز الصارخ وتوفير خدمات من أرباح أموال المعلمين التى تستثمرها ولاتصب فى دعمهم .
وحين يرى المجتمع أن البوصلة توجهت لحلول واقعية ومنطقية وفق خطط بناءة سيعيد ذلك بناء الثقة ويعيد ضخ كل ما يملك لدعم التعليم المصري
كما ستقوم المنظمات الدولية مثل اليونيسف والبنك الدولي بدعم جاد لخطط التعليم.
و بالتعاون مع الدول التى أثبتت تقدما تعليميا لتبادل الخبرات.
ستستفيد الوزارة من المنح والتمويل الدولي لتحسين الجودة والبنية التحتية والأنظمة التكنولوجية والتقنية.
وأخيرا فالنماذج الناجحة فى العالم دليل كل باحث بعد استكمال مدخلات المنظومة بكفاءة وفاعلية وتطبيق مبادىء الحوكمة المؤسسية بشفافية وعدالة ومحاسبية وسيادة القانون والمشاركة الفعالة لكل المعنيين ومكافحة الفساد ولا يكتمل كل ذلك إلا بإرادة سياسية واضحة بالإلتزام برؤية 2030 للتعليم في مصر وأهدافها.
وبالإلتزام بتطبيق الخطط الاستراتيجية
وتطويرها بشكل دائم للإصلاح على المدى الطويل.
بعد توفير مخصصات التعليم المنصوص عليها بالدستور لتعود مصر إلى مكانتها التى يحلم بها كل مصرى على أرضها وخارجها .
و بتحقيق التوازن بين التعليم النظري والعملي.
ونشر الوعى بأهمية التعليم المستمر والتعلم مدى الحياة.
و التنسيق مع الإعلام في تعزيز ثقافة التعليم والتعلم
سيؤثر كل ذلك ايجابا على الثقافة المجتمعية و نظرة الطلاب للتعليم بما يؤدى حتما
لمبادرات مجتمعية ناجحة في دعم التعليم.
مقال ممتاز. نتمني ان يقرأه المسؤلين. شكرا علي المشاركة