حوار حمدين صباحي في فكر تاني

حاوره : حسن القباني

صباحي: إما ممر ديمقراطي آمن أو انفجار اجتماعي كبير.. و95% من المصريين ليسوا مع السلطة 

  • مصر لن تكون إلا بالمصريين.. ويجب أن ننتج ونحقق الاكتفاء الذاتي ونتوقف عن “مدّ اليد”
  • نحتاج إلى ديمقراطية توقِف القمع والمنع وتطلق العنان للبرامج البديلة والإبداع
  • بدون تحررنا من الاستبداد والديون لن تستطيع مصر أداء دورها ولا استعادة مكانتها
  • السلطة ترشّ “جازًا” على “نار الانفجار الاجتماعي”.. ولابد من ممر ديمقراطي آمن
  • “الديمقراطية الديكورية” في فترتي السادات ومبارك أفضل مما نحن عليه الآن بمراحل
  • نريد ما يكفله الدستور، لا الحيز المتاح.. وشتّان بين الحق الدستوري وحيّز السلطة
  • ننتظر صدور قانون انتخابات يتضمن القائمة النسبية في حدود الثلث
  • الحركة المدنية لن تشارك في الانتخابات البرلمانية إذا لم يتوفر حد أدنى من الضمانات
  • واثقون أن قائمة الحركة المدنية، في حد أدنى من النزاهة، ستفوز على قائمة الموالاة
  • السلطة حاربت تيار الإسلام السياسي وخصومه معًا.. وهدمت حلف 30 يونيو
  • لن نوافق على أي تعديل للدستور.. وفتح مدد الرئاسة مجددًا يعارض الاستقرار
  • مصر بها بدائل مدنية آمنة كثيرة.. وأنا لست البديل القادم
  • أتمنى الإفراج قريبًا عن “المصري العظيم” يحيى حسين عبد الهادي وكل سجناء الرأي
  • على كل عربي أن يفخر بعروبته.. رموزه ليسوا الحكام العاجزين بل القادة الشهداء
  • طوفان الأقصى زلزل بنية الكيان الصهيوني.. وكل ما يفعله العدو طمس لنصر 7 أكتوبر
  • نحتاج إلى التئام المثلث العربي التركي الإيراني.. قوة تماسكه هي إضعاف للكيان الصهيوني
  • مصر قائدة أمتها العربية وهذا حقها وواجبها.. ولابد أن تستعيد دورها لأن الفراغ ملأه آخرون
  • انتقاد بشار الأسد في المسألة الديمقراطية أتفهمه وأوافق عليه.. بل وأشارك فيه
  • سوريا جزء من محور المقاومة ولو لم تستخدم سلاحًا أو قوات هي مقر وممر دعم المقاومين
  • مشروع “نتنياهو” هو “التهجير بالتدمير”.. وقد فشل في غزة وسيفشل في جنوب لبنان
  • الشرق الأوسط الجديد تهديد لمصر.. واحتلال ممر صلاح الدين رسالة للقاهرة وعلينا الرد
  • سيولد ألف سنوار وهنية وحسن.. وألف فلسطيني مقاوم مقابل كل من يرتقي شهيدًا
  • نحن أمة لا يمكن هزيمتها.. نحرص على الشهادة ولدينا ديموغرافيا لا يمكن كسرها
  • “الحركة المدنية” لا يوجد بها مطبعون.. وإن وجدنا أحدًا متلبسًا بالتطبيع فلن يبقى يومًا فيها

خلفه نسر اتخذه شعارًا لحملته الرئاسية، و”لمبة جاز” يعتبرها جزءًا من الماضي الذي يعتز به في مواجهة حاضر معتم لا يروق له، يراه غير لائق بمصر قائدةً للأمة العربية، يتحدث المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي القيادي البارز بالحركة المدنية الديمقراطية الأمين العام للمؤتمر القومي العربي، في حوار شامل جديد ضمن حوارات منصة “فكّر تاني”، “الولاية الأخيرة ومستقبل مصر”، حيث يتطرق إلى عديد من ملفات الساعة، محذرًا من استمرار الجبهة الداخلية على ما هي عليه من انغلاق وغلق، في ظل وضع إقليمي غير مسبوق يستهدف مصر.

وبينما يطالب صباحي، خلال الحوار، بسرعة فتح المجال العام، يدعو إلى مساندة واضحة للمقاومة الفلسطينية واللبنانية، باعتبارها حائط الدفاع الأول عن الأمة العربية والمنطقة العربية وفي القلب منها مصر، مراهنًا على بسالة المقاومة والصمود الشعبي في هزيمة المشروع الصهيوني في المنطقة واستعادة استقلال وقوة دول المنطقة.

نص الحوار:

تحية لهنية والسنوار ونصر الله

قلت في 15 نوفمبر 2023: “معركة طوفان الأقصى بداية لتحرير فلسطين، وأثبتت أن العدو الصهيوني واهن”، بعد عام.. ماذا تقول؟

لم أتحدث مع أي مؤسسة صحفية منذ فترة، ولذا أحببت أن تكون أولى كلماتي من خلالكم، مستهلاً بتحية واجبة لشعبنا في غزة، صاحب الصمود العظيم والمقاومة الباسلة، في وجه حرب الإبادة التي يشنها العدو الصهيوني.

وأوجه التحية أيضًا للبنان، وجنوبه المقاوم والمقاتل، ولكل شهيد وجريح، ولكل امرأة ورجل وطفل يشاركون في هذه الملحمة التاريخية، دعمًا لمقاومة عظيمة نأمل أن يثيبها الله عز وجل على تضحياتها وثباتها الكبير بنصر كبير مؤزر.

كما لابد أن أوجه تحية خاصة للقادة الكبار الذين استشهدوا في مواجهة هذا العدو، وفي مقدمتهم الشهيد المجاهد إسماعيل هنية، ولسيد المقاومة ورمز الشهداء في الطريق إلى الأقصى والقدس، الشهيد حسن نصر الله، الذي مثّل ظاهرة استثنائية في قدرته على تجاوز طائفته وحدود وطنه اللبناني ليصبح رمزًا عربيًا وإنسانيًا للقدرة على التصدي للعدو الصهيوني، وهزيمته وتحرير جنوب لبنان. وقد حملت الجماهير صورته من المحيط إلى الخليج، متأثرة بخطابه الملهم ودوره كقائد شعبي.

وتحية أخرى للقائد الجهادي العظيم يحيى السنوار، الذي ارتقى في حالة اشتباك مباشر مع العدو الصهيوني، وضرب نموذجًا عظيمًا للقائد القريب من شعبه، وقد استشهد شجاعًا لا كما ادّعى المرجفون والصهاينة؛ لم يكن متدرعًا بأسرته أو مختبئًا في الأنفاق، بل استشهد كالأبطال، حاملًا سلاحه، ومواجهًا أعداءه حتى الرمق الأخير، حتى أصبح رمزًا للإنسانية، وليس فقط رمزًا عربيًا وفلسطينيًا.

إننا حين نستذكر هؤلاء الشهداء ندرك قيمة أمتنا التي استهان بها البعض اليوم، وأقول لكل عربي: افخر بعروبتك؛ فإن رموز هذه الأمة هم قادتها الشهداء وليس حكامها العاجزين، وبقيمتهم تتحدد قيمة هذه الأمة التي تستحق النصر، لأنها تدفع ثمنه من أصغر طفل فيها إلى أكبر قائد مقاوم فيها.

نصر عظيم لن يطمس

هل لا تزال تعتقد أن طوفان الأقصى بداية تحرير فلسطين كما قلت؟

نعم، أعتقد ذلك، فقد كان طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023 نصرًا عظيمًا، وكل ما يفعله الكيان الصهيوني على مدار أكثر من عام هو محاولة فاشلة لطمس هذا النصر، وإجبارنا على دفع ثمن موجع لهذا التقدم، من خلال إحراق قلوبنا على شهدائنا وإبادة الحجر والبشر والشجر، لا لشيء سوى الاقتصاص من هذا النصر، لكنه لن يستطيع ذلك.

في اعتقادي، زلزل طوفان الأقصى بنية الكيان الصهيوني، المبني على عقد افتراضي بين الزمرة الحاكمة التي تدير هذا الكيان، ومن يستجلبونهم من شتات الأرض. يقوم هذا العقد على أساس الأمان، الذي يوهمون به كل يهودي قادم إلى أرض فلسطين المحتلة لينعم بالراحة والسلام، دون أن يمسه مسٌّ أو نصبٌ أو عناء.

ولكن ما حدث في 7 أكتوبر 2023، أن المقاومة فسخت هذا العقد، والدليل عدد من عادوا إلى موطنهم الأصلي من اليهود، وهناك تقديرات تتحدث عن نصف مليون محتل، فيما ذهبت إحصائيات إلى أن ربع سكان الكيان يفكرون في مغادرته. وبعد وصول صواريخ حزب الله إلى حيفا، وإلى قيسارية حيث يسكن نتنياهو، ومع وجود أعضاء جولاني في ثكناتهم العسكرية، فمن المؤكد أن الأعداد التي ستترك هذا النعيم الذي تحول إلى جحيم ستتزايد.

لن يلتئم هذا الفارق العميق الذي أحدثه زلزال طوفان الأقصى في جيولوجيا الكيان الصهيوني. ومع قليل من التأمل، في ظل صمود أهلنا في غزة، وحراك الضفة الغربية، وبسالة المقاومة في جنوب لبنان، التي تمنع خمسة ألوية من التقدم لغزو بري وتعجزه، سندرك جميعًا أن هذا هو بداية الطريق لتحرير فلسطين.

التحرير غالٍ جدًا، ولذلك دفعنا مهرًا غاليًا جدًا، وسنثبت وسنواصل الطريق جميعًا، مع كل صاحب ضمير، حتى النصر.

صوت الصهاينة بلسان عربي

لكن في المقابل هناك من يزعم بأن ما حدث نكسة لا بداية انتصار.. ما تعليقك؟

هذا صوت جاهز وموجود في أحقر صفحات تاريخنا العربي كله.

لك أن تتخيل أنه عندما شنت بريطانيا وفرنسا ومعهما العدو الصهيوني في سنة 1956 عدوانهم الثلاثي على مصر، طالب البعض عبد الناصر بالاستقالة وتسليم السلطة. وبرزت مبررات تدعو لذلك، منها عدم وجود ما يسمى “توازن القوى”، مخافةً من بريطانيا العظمى ومن معها. ولكن عبد الناصر صعد على منبر الأزهر، وقال: “سنقاتل”، وقاتل ومعه شعبه.

قالوا يومها: دمروا بورسعيد وقتلوها، ولكن الذي ثبت أن من دافع عن أرضه وعرضه ووطنه وأمنه القومي هو من انتصر وبقى، رغم ما تم تقديمه من تضحيات، وانظروا لبورسعيد بعدها.

هذا الصوت الجاهز، سمعناه مع هزيمة 1967، ورغم أن عبد الناصر أعلن مسؤوليته واستقال، خرج الشعب كله يعلن مواصلة القتال، وبدأت حرب الاستنزاف في هذه اللحظة، ورغم تهجير مدن القنال كلها في ذلك الوقت، انتصرنا في حربنا العظيمة في عام 1973.

إذا كنا اليوم نتفاخر بأن هذه الأمة تقدم الصف الأول من قادتها شهداء، من إسماعيل هنية إلى السيد حسن نصر الله، ويحيي السنوار، فمصر قدمت في حرب الاستنزاف (حرب الألف يوم) رئيس أركان الجيش المصري الشهيد العظيم الفريق عبد المنعم رياض.

إسرائيل كانت تضرب مدرسة بحر البقر وأبو زعبل، ووصلت إلى العمق المصري. وأنا صغير في المدرسة، رأيت رأي العين ما نراه اليوم في التلفزيون، طائرات العدو تسقط منها قنابل على محطة للرادار في بلطيم بمحافظة كفر الشيخ (شمال مصر). وخرجت بلطيم عن بكرة أبيها تحمل أشلاء شهدائها وتعالج الجرحى. ولامنا البعض، قائلين إن مصر أخطأت في دخولها المواجهة، ولكن في النهاية انتصرنا.

لو كنا سمعنا تلك الأصوات، لما تحقق النصر. تلك أصوات الصهاينة بلغة عربية، وأصوات أمريكا بلغة عربية، دعاة سلام المذلة، الذين لا يريدون أن يقدموا ما يجب من تضحية حتى يصونوا كرامتهم وكرامة هذه الأمة العظيمة.

توطيد العلاقة مع إيران وتركيا

في هذا المشهد المعقد، جاءت زيارة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى القاهرة في وقت لافت، كيف ترى دور إيران منذ بدء المواجهة، وهل ترى أن لديها المزيد لتقدمه؟

المواجهة بيننا وبين العدو الصهيوني هي مواجهة طويلة، وأحد شروط الانتصار فيها يتمثل في إعادة تشكيل هذه المنطقة من العالم العربي. يجب أن نستعيد علاقات قوية ووطيدة قائمة على التعاون وتبادل المصالح وحفظ الأمن المشترك، بين أمتنا العربية والجارتين التاريخيتين: إيران وتركيا.

كل خطوة تصحح الخلل في العلاقة مع إيران وتركيا تعتبر خطوة إيجابية، وزيارة وزير الخارجية الإيراني لمصر تعكس خطوة صائبة، وتوطيد العلاقة بين القاهرة وطهران يأتي في الاتجاه الصحيح. كما أن تعزيز العلاقات مع تركيا يشكل خطوة مهمة نحو هذا الهدف.

هذا المثلث العربي-التركي-الإيراني ينبغي أن يلتئم، فكلما تفككت أضلاعه، تقدم العدو الصهيوني، بينما يمثل تماسكه أملًا جديدًا في صد المشروع الصهيوني.

مصر هي قائدة الأمة العربية بحق، وهذا دورها الطبيعي وواجبها.

حينما تخلت مصر عن دورها بفعل اتفاقية كامب ديفيد في عام 1979، شاء الله أن تندلع الثورة الإسلامية في إيران، والتي ملأت الفراغ، إذ طردت الصهاينة من سفارة بلادها ومنحت الفلسطينيين حقوقهم من اليوم الأول.

منذ ذلك الحين، لعبت إيران دورًا مهمًا ومباشرًا، سياسيًا وعسكريًا وإعلاميًا، في دعم المقاومة ضد العدو الصهيوني، من حزب الله إلى حماس، وكذلك في اليمن والعراق. ونحيي إيران على هذا الدور، الذي لا يمكن إنكاره.

رغم العلاقات الحسنة مع إيران، يبقى بيننا وبينها منافسة، حيث ينكمش المشروع العربي في مناطق تمدد فيها النفوذ الإيراني، وهذا ما يخلق اختلافات عدة.

رغم تقديرنا لدور إيران في دعم المقاومة، ودورها في سوريا في السنوات الأخيرة، إلا أن هناك تحفظات حول سياساتها في العراق.

أدعم كل خطوة لتوطيد العلاقات بين مصر وتركيا وإيران، ولكن أطمح أن تستعيد مصر دورها المحوري في المنطقة، بما يحقق توازن القوى وينهي الفراغ الذي يملؤه الآخرون.

موقف بشار الأسد والجبهة السورية

بذكرك دور إيران في سوريا، الذي ترفضه قوى تحرر ديمقراطي عديدة، لماذا تصر على علاقتك ببشار الأسد رغم الانتقادات، خاصة في ظل صمت الجبهة السورية عن الاشتباك مع العدو؟

انتقاد الأسد في المسألة الديمقراطية أنا أتفهمه وأوافق عليه، بل أشارك فيه.

أنا لم أذهب إلى سوريا لأقول للرئيس بشار الأسد إنه ديمقراطي، ولكن ذهبت إلى دمشق لأشد على يد الرئيس الأسد، لأنه لا يزال يقول: لا للتطبيع ولا لإسرائيل ولا للاستعمار والهيمنة الأمريكية، وهو جزء أصيل في محور المقاومة.

أؤكد أن سوريا هي جزء من محور المقاومة، ولو لم يستخدم بشار الأسد قوات ويوجه أسلحة، لأن سوريا أنهكت عبر 10 سنوات من العدوان الأمريكي الصهيوني الذي شارك فيه غلاة التطرف الديني بتمويل عربي من أصحاب مشاريع التطبيع مع الكيان الصهيوني.

سوريا مقر وممر لكل دعم لوجستي لمحور المقاومة، وتحتاج إلى كل دعم وتقوية ومساندة لوحدتها وعروبتها وممانعتها، ومن هنا نحن في المؤتمر القومي العربي ندعم سوريا ووحدتها أرضًا وشعبًا وسلطة، ونريد لها التعافي من آثار الجراح التي أثخنت بها في السنوات الماضية.

التطبيع والحركة المدنية

ولكن رفض التطبيع الذي تتحدث عنه في الخارج يطالبكم به البعض في داخل الحركة المدنية الديمقراطية وأنت أحد قياداتها، في ظل حديثهم عن وجود مطبعين بينكم.. ما ردك عليهم؟

هذه معلومات غير صحيحة بالمرة.

لا يوجد في أحزاب الحركة المدنية الديمقراطية، وشخصياتها العامة من يطبع أو يدعو إلى التطبيع مع العدو الصهيوني أو الهيمنة الأمريكية، ولم يتأخر أحد عن مواجهة التطبيع والعدوان الصهيوني المستمر على أراضينا وشعوبنا.

ويمكنك الرجوع، وأنت متابع جيد لمواقفنا، فمواقف الحركة المدنية مع القضية الفلسطينية ولبنان، حاسمة بما لا يدع مجالًا للشك أو للاتهامات.

البيان التأسيسي للحركة المدنية الذي تلاه المصري العظيم يحيي عبد الهادي حسين، الذي نرجو له ولكل سجناء الرأي في مصر فرجًا قريبًا بإذن الله، يشدد على رفض التطبيع، ويُلزم مؤسسيها بموقف حازم ضد التطبيع، وإذا خرج أحد عن هذا النص، حزبًا أو فردًا، ووجدناه متلبسًا بالتطبيع، فلن يبقى يومًا واحدًا داخل الحركة.

لن تمروا

كيف ترى كأمين عام للمؤتمر القومي العربي، خطابات نتنياهو وقادة الاحتلال والرئيس الأمريكي بايدن ونائبته المرشحة رئيسة “كاملا هاريس”.. وما رسالتك لهم؟

مجموعة من القتلة والفاشلين لم يحققوا أهدافهم المعلنة منذ بداية العدوان.

الهدف الرئيسي للمشروع الصهيوني، الذي يسعى إليه نتنياهو، هو “التهجير بالتدمير”، حيث يعيد تجربة ما فشل في تحقيقه في غزة طيلة عام، لكن هذه المرة يستهدف أهلنا في جنوب لبنان.

فشل مشروع التهجير الصهيوني وسيفشل مجددًا.

نتنياهو يسعى لإنهاء المقاومة، لكن المقاومة مستمرة، فهي فكرة لا تموت، وسيولد ألف سنوار وألف هنية وألف سيد حسن، وألف فلسطيني مقاوم مقابل كل شهيد يرتقي. نحن أمة لا تُهزم؛ أمة الشهادة، وديموغرافيا لا يمكن كسرها.

ورغم اختلال توازن القوى نتيجة الدعم الأمريكي المطلق في السلاح والإعلام والسياسة والتمويل، الذي يدفع غزة والضفة الغربية وجنوب لبنان إلى مواجهة آلة الحرب الأمريكية، تبقى رسالتنا واضحة: لن تمروا، ونحن من سينتصر.

ما دامت غزة والضفة وجنوب لبنان لم ترفع الراية البيضاء، فإن الصهيوني والأمريكي هما الخاسران، وستستمر المواجهة حتى نصل إلى النصر، الذي نثق فيه كما نثق أن رحيل العدو بات في مرمى بصر الأجيال الحالية والقادمة.

استعادة مكانة مصر

في ظل ذلك التصعيد الجنوني.. كيف تقيم موقف مصر على مدار عام مضى من المواجهة والعدوان؟

مصر لا تشبه نفسها اليوم؛ فهذه ليست مصر، ولا هذا دورها، ولا هذه مكانتها، ولا هذا قدرها.

لمن يريد أن يعرف مصر الحقيقية، ليعد إلى أفكار الفيلسوف العظيم جمال حمدان، الذي كتب عن شخصية مصر، وقدرها، ومكانتها ودورها.

من جمال حمدان تعلمنا أن مصر المنكفئة على نفسها تهزم، أما مصر التي تخرج لأداء دورها في محيطها العربي، فهي مصر التي تنتصر.

انكفأنا على أنفسنا منذ اتفاقية كامب ديفيد، وتقلص دور مصر بفعل قيودها، حتى غاب عنها دورها التاريخي كقائد للعالم العربي.

اليوم، آن الأوان كي نصحو، فمسؤولو مصر لا يشبهون مصر، ولا الشعب المصري يشبه نفسه، ولا نخبة مصر تشبه هذا الوطن. وحان الوقت لتغيير أنفسنا لنستعيد دورنا ونحصّن مستقبلنا.

طغيان المشروع الصهيوني، الذي يجسده نتنياهو بخرائطه الجديدة و”شرق أوسطه الجديد”، يمثل تهديدًا مباشرًا لمصر. فالاحتلال الإسرائيلي لممر صلاح الدين ومعبر رفح يوجه رسالة للقاهرة، ويتطلب ردًا واضحًا وقويًا.

نتنياهو يطمح لأن يكون سيدًا على منطقة تدور حوله خادمةً له، لكن مصر يجب أن تستعيد مقامها الطبيعي سيدةً في وسط أمتها، وفاءً لقدرها وواجبها الذي أهملته.

رسالة مصر يجب أن تكون صريحة: “لن نكون خدمًا، نحن سادة وقادة”. هذا الموقف له تكلفته وتبعاته، ويجب أن تستعد مصر لمواجهتها من الآن.

الجبهة الداخلية

نذهب إلى الجبهة الداخلية.. كيف ترى مصر وأين تقف؟

دور مصر القيادي في المنطقة يبدأ من الداخل، فمصر لن تستعيد مكانتها إلا بالمصريين أنفسهم.

لتحقيق هذا الهدف، نحتاج إلى تغيير جذري في السياسات التي تحكم هذا البلد الكبير. فالسياسات التي فرضت على مصر بعد كامب ديفيد لم تجردها من دورها فحسب، بل خفضت من قيمتها وحصرتها في حدودها، لتتيح للآخرين، من داخل الأمة وخارجها، اتخاذ القرار العربي.

ونتيجة لذلك، باتت مصر مستهدفة علنًا من المشروع الصهيوني.

حتى تتمكن مصر من استعادة دورها ومكانتها، يجب أن يعيش المصريون بكرامة، فإفقار الشعب وغلاء المعيشة المتزايد ليس سوى استهداف لمصر، بإبقائها في حاجة دائمة.

استمرار منع ثروات البلاد عن الشعب يقيد حق المصريين في حياة كريمة.

مصر تحتاج إلى سياسات اقتصادية جديدة تتيح إنتاجًا زراعيًا وصناعيًا وخدميًا، وهو أمر مؤهلة لتحقيقه للوصول إلى الاكتفاء الذاتي والاستغناء عن الاعتماد الخارجي.

إلى جانب ذلك، تحتاج مصر إلى ديمقراطية حقيقية تضع حدًا للقمع، وتفتح المجال للإبداع والخيال المصري والكلمة الحرة، وتفسح المجال للبرامج الوطنية البديلة. فبدون التحرر من الاستبداد والحاجة والديون، ستبقى مصر عاجزة عن أداء دورها الطبيعي في المنطقة.

التكامل بين لقمة عيش مصانة بالكرامة، وكلمة حرة تضمن ديمقراطية حقيقية، هو السبيل نحو استعادة مصر لكرامتها وحقوق مواطنيها، وتحريرها من قيود كامب ديفيد، لتستعيد القاهرة مكانتها الطبيعية ودورها القيادي في العالم العربي.

3 مرتكزات لأي مبادرة لإنقاذ مصر

الدكتور زياد بهاء الدين دعا في حواره معنا في “فكّر تاني” إلى تحديثه مبادرته استعادة المسار الديمقراطي.. هل القوى الوطنية في مصر بحاجة إلى طرح مثل هذه المبادرات الآن؟ وهل تقود مثل هذه المبادرات؟

أدعم كل مبادرة تمكن المصريين من الوصول إلى ثلاث ركائز أساسية يفتقدونها اليوم:

لقمة عيش كريمة دون استدانة، في إطار من العدالة الاجتماعية التي تضمن حقوق الجميع وتمنع الفساد والتفرقة الطبقية.

حريات حقيقية تسمح بحرية التعبير والتنقل والتنظيم، وتكفل التداول السلمي للسلطة عبر انتخابات نزيهة تعبر عن إرادة الشعب.

تحرر من قيود كامب ديفيد، ما يتيح لمصر استعادة دورها العربي والإقليمي، بعيدًا عن القيود السياسية التي حجمت من تأثيرها التاريخي.

في سبيل تحقيق هذه الأهداف، ظهرت العديد من المبادرات التي تدعم استعادة الديمقراطية وتضع مستقبل مصر في أيدي شعبها، لتعزز الكرامة الوطنية وتحقق التغيير الذي يتطلع إليه المصريون.

الطريق أمام مصر لاستعادة نفسها يكاد ينحصر في خيارين: ممر ديمقراطي آمن أو انفجار اجتماعي كبير.

البلاد مرشحة لانفجار اجتماعي، مدفوع بالرغبة في التخلص من الفقر ومهانته. لكن هذا الانفجار قد لا يشبه أحداث 25 يناير 2011 أو 30 يونيو 2013، إذ لن يشهد حشودًا سلمية تقودها قيادات سياسية معروفة. وعلى الأرجح سيكون انفجارًا يهدم كل شيء في طريقه، موجّهًا ضد السلطة، ويشكل خطرًا حتى على الجماهير المتحركة.

لتجنب هذا السيناريو المدمر، لا بد من ممر سلمي آمن يتمثل في تداول سلمي للسلطة عبر انتخابات نزيهة. ورغم مطالبة النخب بذلك مرارًا وتطلع الجماهير له، إلا أن السلطة في كل مرة تغلق هذا الباب، وكأنها تصر على سكب الجاز على نار الانفجار الاجتماعي المقبل.

من هنا، نوجه تحذيرًا واضحًا للسلطة للتعامل بحكمة وتجنب هذا المسار الخطير.

هذا الخطاب، يذكرنا بخطابات ما قبل ثورة 25 يناير، فلماذا لم تكتمل ثورة بمصر، كما سأل سابقًا الأستاذ محمد حسنين هيكل؟

ثورة 25 يناير هي الحدث الأنبل والأعظم في التعبير عن الشعب المصري، ولكنها أنجزت نصف المهمة، بإسقاط رأس النظام، وليس النظام كله.

النصف الثاني لثورة 25 يناير لم يكتمل، فلم يصل الثوار إلى السلطة بمشروعهم وسياساتهم الجديدة، وبالتالي أصبحنا أمام انتفاضة شعبية عظيمة، وباتت 25 يناير ثورة منقوصة مغدورة لم تكتمل.

أما الثورة الوحيدة التي اكتملت في مصر هي 23 يوليو 1952، فالثورة تكتمل عندما يصل الثوار إلى السلطة، وينفذون السياسات البديلة الجذرية التي طرحوها، فالثورة هي عملية تغيير جذري.

وبنسبة أقل، لدينا ثورة 1919، فهي ثورة عظيمة، أنجزت دستورًا عظيمًا لمصر.

ولذلك فكلام عبد الناصر مهم، عندما قال: نجاح الثورة يتوقف على إدراكها للظروف التى تواجهها، وقدرتها على الحركة السريعة.

ربما الخطيئة الكبرى التي ارتكبها نخبة 25 يناير ضمن أخطاء أخرى، أنها لم تكن واعية بأهمية الوصول إلى السلطة، رغم أن الشعب فعل ما عليه، فلم يكن هناك في المشهد أعظم من الجماهير وشهداء يناير، وبالتالي أهدرت جهد الشعب بعدم وصولها إلى سدة القرار.

المناخ الحالي والديمقراطية

عبد الناصر في اجتماعه بأعضاء اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكي في 3 أغسطس 1956 انتقد “المعارضة المسرحية”.. فهل النظام الحالي يفضلها؟

هذا حدث بالفعل.. قال الرئيس الراحل حينها: لا بد أن نسمح بوجود معارضة في البلد، طبعًا لا أتصور لتكوين هذه المعارضة أن نقول زكريا محيي الدين يمثل اتجاهًا معينًا وأمامه علي صبري لتمثيل الاتجاه الآخر، وأنهما بهذا التصور يشكلان الحكم والمعارضة.. لو هنعمل كده يبقى بنعمل مسرحية المعارضة.

كان عبد الناصر محقًا في هذا، ولهذا أعتز بناصريتي، وإن كنا نأخذ عليه نقطة الديمقراطية. فرغم محاولاته، لم يحقق الديمقراطية بالشكل المعتاد، ولم يدّعِ ذلك.

ما نفذه السادات بعد عبد الناصر كان تطبيقًا حرفيًا لما رفضه الأخير، حيث دعا إلى تعدد الأحزاب ضمن نظام محكوم سلفًا، مما أسماه “الديمقراطية الديكورية” أو “الديكوديمو”. منذ ذلك الحين، عشنا “ديمقراطية منقوصة ديكورية”، مع منع التداول السلمي للسلطة، وهو جوهر الديمقراطية.

ورغم أن “الديكوديمو” في فترتي السادات ومبارك كان أفضل بكثير مما نحن عليه الآن، فإن الديمقراطية الشكلية الحالية محاصرة بقيود أمنية وقمع لم تشهدها مصر من قبل.

مسرحيات السلطة

ولكن البعض يتحدث أن أحزاب المعارضة الآن حريصة على المشاركة في “مسرحيات السلطة”.. ما رأيك؟

يجب على القوى المعارضة البحث عن طرق فعّالة للتواصل مع الناس، بغض النظر عن الوضع الراهن.

المعارضة تعني تبني موقف واضح تجاه النظام الحاكم، وتقديم برنامج بديل للسياسات المعمول بها، والمنافسة في الانتخابات بشروط نزاهة حقيقية.

إذا ادعت المعارضة أنها تمثل صوتًا بديلًا بينما تدخل تحت جناح الدولة وتأخذ حصصًا من أجهزة الدولة أو تحالفات مع أحزاب السلطة، كما حدث مع تحالف مستقبل وطن، فإن ذلك يفقدها استقلاليتها ويحولها إلى مجرد ذراع للسلطة.

تصبح هذه الأحزاب أحد أجنحة السلطة المسموح لها بالتعبير بشكل محدود، ضمن إطار صنعته السلطة، وليس نتيجة لنشاط المعارضة الفعّال.

الحق الدستوري والحيز المتاح

ولكن هذا هو “الحيز المتاح” و”فن الممكن” كما يقول أصحاب هذا المسار.. فبما تنصحهم؟

يجب على القوى المعارضة أن تتمسك بالمساحة التي كفلها الدستور، لا بالحيز الذي يتيحه النظام، فهناك فرق كبير بين الحق الذي يضمنه الدستور والحيز المسموح به من السلطة.

عندما يُقال إن هذا هو الممكن، ويُدخل شخص ما نفسه تحت جناح السلطة، فعليه ألا يدّعي أنه معارضة.

علينا أن نتحلى بقدر من الصدق مع الجماهير ومع أنفسنا. فعندما أقرر أن أكون معارضًا للسلطة، يجب أن أتحمل تبعات ذلك، حتى لو أسفر الأمر عن رسوب عشرة نواب في الانتخابات مقابل نجاح نائب أو اثنين أو ثلاثة بجهدي.

علاوة على ذلك، يجب أن أحافظ على استقلاليتي الحزبية، فاستقلال القوى السياسية عن السلطة هو المعيار الأساسي لمعنى أن تكون معارضة. هذه هي أبجديات السياسة التي لا يمكن أن يغيرها الواقع.

يتحدث بعض هؤلاء أيضًا أن مسارهم هذا جزء من دعم جناح الانفتاح السياسي في السلطة.. هل هناك بالأساس “جناح انفتاح” وما تعليقك؟

تواجه السلطة الحاكمة مشكلة كبيرة تتمثل في غياب خريطة سياسية واضحة أو شكل سياسي يمكن من خلاله محاسبتها. فعلى عكس ما كان عليه الأمر في عهد السادات ومبارك، حيث كان هناك حزب حاكم محدد، نجد اليوم عدم وجود حزب سياسي يمثل السلطة.

الأجهزة الأمنية، في الواقع، تقوم بتأليف أحزاب سياسية بهدف إضفاء الشكلية على المشهد السياسي، لكن هذه الأحزاب ليست سوى أدوات تخدم السلطة الأمنية بشكل مباشر، ولا تحمل أي مضمون سياسي حقيقي.

من الممكن أن توجد داخل السلطة وجهات نظر متنوعة، مما يعد أمرًا طبيعيًا في بلد بحجم مصر. ومع ذلك، فإن هذه الخيارات المتعددة لا تعني أن هناك خيارات واضحة أو سياسات محددة يمكن للأحزاب المعارضة أن تستند إليها.

لذا، يطرح التساؤل: كيف يمكن للأحزاب المعارضة أن تشارك في خريطة سياسية غير معروفة، وعندما يكون هناك خيارات غير محددة ضمن سلطة تفتقر إلى السياسات الفعالة؟ وما هو الجناح الأفضل في السلطة برأيها؟ هذه التساؤلات تبقى بلا إجابة واضحة، مما يزيد من تعقيد المشهد السياسي.

ولكن لماذا التزمت الصمت في بعض سنوات العقد الأخير.. يتساءل البعض، فما ردك؟

أؤكد أنني لم أصمت يومًا، والاتهام بالصمت هو اتهام باطل. صوتي مُنع من الوصول إلى الناس لسنوات، وهذا هو الفارق الكبير.

لم أقرر يومًا أن أكون في حالة صمت سياسي أو أن أعتزل العمل العام. كان بإمكاني أن أوصل صوتي عبر مسيرات في الشارع، لكن هذا الخيار لم يعد متاحًا.

على الرغم من نشاطي في الحزب، فإن جميع الأنشطة محصورة في المقرات ولا تتجاوزها. أقول هذا وأنا لا أزال عضوًا في حزب الكرامة، وأفخر بعضويتي به.

كما كان هناك إعلام يستضيفني، لكن تم منعه، وأصبح ذكر اسمي في الإعلام محصورًا فقط في إطار الهجوم على شخصي من قبل أفراد المجموعة التابعة للسلطة.

لذا، لم يعد أمامي سوى الكتابة على وسائل التواصل الاجتماعي، لكنني أتعرض للملاحقة من قبل الذباب الإلكتروني، سواء من المتواجدين في السلطة أو المتنازعين معها.

وبذلك، لم ولن أصمت، لكن بالتأكيد فإن قدرتي على التأثير قد تأثرت بشكل كبير نتيجة هذا الحجب المنهجي.

مشاركتنا في الحوار الوطني

كنت صاحب نقطة البداية للحوار الوطني بحضورك إفطار الأسرة المصرية في عام 2022 وحديثك الشخصي مع الرئيس عبد الفتاح السيسي.. ثم غبت عن المشهد.. كيف تعلق؟

رحبت بدعوة رئيس الجمهورية لبداية مرحلة جديدة، حيث تم الترويج لما عُرف بـ “الانفتاح الديمقراطي”، الذي شمل الإفراج عن سجناء الرأي وإتاحة الحركة للأحزاب من أجل تحقيق تداول سلمي للسلطة. كان تقديري أن هذه الدعوة مهمة، ويجب على المعارضة الترحيب بها.

دخلت الحركة المدنية الديمقراطية، بجميع أطيافها من الناصريين واليساريين والليبراليين، الحوار الوطني وقدّمنا بإخلاص ما في وسعنا في مساحات الحوار بحثًا عن الخروج من الأزمات وحلول فعالة.

وبدأت ثمار الحوار تظهر في الإفراج عن عدد كبير من سجناء الرأي، لكننا لاحظنا في الوقت نفسه ظهور سجناء رأي جدد كل يوم، مما دفعنا إلى الشعور بأن أبواب الانفتاح تغلق تدريجيًا. لذا، اتخذنا قرارًا بتعليق مشاركتنا في الحركة المدنية حتى يتم تنفيذ توصيات المرحلة الأولى من الحوار.

ضمور سياسي

ما الذي يعطل تنفيذ توصيات الحوار الوطني الذي دشنه رئيس الجمهورية؟

الإدارة الأمنية هي من تعطل ذلك..

كلما تضخمت العضلات الأمنية تعطل العقل السياسي وحدث له ضمور.

وهذه أزمة مصر في السياسة وغير السياسة.

قنوات التواصل المفتوحة

لماذا لم تعترضوا عبر قنوات التواصل المفتوحة بينكم كحركة مدنية وبين مؤسسات الدولة؟

تناقشنا في هذا مرارًا، والرد الدائم هو تقديم وعود بتحقيق ما أُعلن في بداية هذا الحوار

كل وعد نحصل عليه يُخلف، ولا يتم الوفاء به

وُعِدنا وما زلنا نُوعَد حتى الآن بأن جميع سجناء الرأي سيتم الإفراج عنهم، لكننا نفاجأ كل يوم بسجين رأي جديد

لم نعد واثقين في جدية السلطة في تحقيق ما قاله رئيس الجمهورية في إفطار الأسرة المصرية عام 2022، ولا في الالتزامات التي جرى الاتفاق عليها على طاولات التحضير للحوار الوطني أو خلال جلسات الحوار التي أذيعت

السلطة مسؤولة عن إفشال هذا الحوار وسدّ هذا الباب

حسن نية المعارضة

هل تستشعر أن ما حدث كان “مسرحية” سقطت فيها المعارضة كما يرى البعض؟

إذا كانت مسرحية، فنحن شاركنا فيها بحسن نية، عن قصد وأمل، ثم خرجنا منها عندما وجدنا إهدارًا للوقت وعدم تحقيق للوعود.

وأعتقد أن في كل الحالات تعاملنا كمعارضة بمسؤولية مع اللحظة الوطنية من أجل تقدم حتى ولو هين من أجل دولة دستورية تحكمها قواعد الديمقراطية كما ينص الدستور.

قائمة نسبية في حدود الثلث

نذهب إلى ملف الانتخابات.. هل هذه أجواء بلد مقبل على انتخابات قريبًا؟

“نحن في انتظار وعد آخر، نرجو ألّا يصيبه مصير الوعود السابقة، وألّا يتم الحنث به، بصدور قانون انتخابات يتضمن جزءًا معتبرًا في حدود الثلث للقائمة النسبية.

وأنا شخصيًا، أنتظر الوفاء بهذا الوعد، وأتمنى، في حال تحقق هذا الوعد، أن تُدار الانتخابات دون الشطط الذي اعتاده الناخب من تزوير إرادته.

وقرارنا في الحركة المدنية الديمقراطية، في حال وجود القائمة النسبية، هو تشكيل جبهة واسعة من داخلها وخارجها، تضم كل التيار الديمقراطي الواسع، لوضع قائمة انتخابية تنافس قائمة السلطة في الانتخابات المقبلة.”

التعديلات الأساسية كانت إضافة التشكيل المناسب وتحسين بعض التراكيب لضمان وضوح المعنى وسلامة النحو.

إذا صدر قانون الانتخابات من دون قائمة نسبية ما قرار الحركة المدنية المتوقع؟

إذا ظل القانون دون تغيير، فهذا معناه إغلاق تام للمجال العام، وبالطبع ستدرس الحركة المدنية الأمر في حينه.

ولكن اعتقادي أن القرار المتوقع هو عدم المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة طالما لم يتوافر الحد الأدني من الضمانات، وفي مقدمتها القائمة النسبية.

ما تعليقك على ما يتردد عن ذهاب أحزاب “ثلاثي الحيز المتاح” (المصري الديمقراطي- الإصلاح والتنمية- العدل) إلى تحالف انتخابي مع أحزاب الموالاة في الانتخابات المقبلة؟

هؤلاء أصدقاؤنا وشركاؤنا في الحركة المدنية، وعضوية حزبي العدل والمصري الديمقراطي الاجتماعي مجمّدة الآن، لذلك لن أذكرهم إلا بالخير؛ فمن حقهم العودة إلى الحركة، وهذا ما أتمناه في أي وقت.

خلافنا ينحصر في شيء واحد، وهو معنى المعارضة.

إذا كنّا معارضة تحترم نفسها وتثبت للجمهور استقلالها عن السلطة، فقد وضعنا مبدأً مفاده أنّه لا ينبغي للحركة المدنية الديمقراطية أو أيٍّ من أطرافها أن تكون شريكًا في أي تحالف انتخابي تديره الدولة أو أجهزتها أو أحزاب الموالاة لها.

هذا المبدأ متفق عليه في الحركة المدنية باستثناء من يُسمّون بـ”ثلاثي الحيّز المتاح”، ونحن نناشدهم أن يكونوا أكثر صوابًا، وأن يوافقوا الفهم ويعودوا إلى أحضان الحركة المدنية؛ لأنّهم إذا استمرّوا في حكاية “الحيّز المتاح”، فسيكون حالهم كما يقول المثل: “لا طال بلح الشام ولا عنب اليمن”، إذ لن يحصلوا على تقدير الجماهير، ولن يكونوا جزءًا من السلطة. فيهم أصدقاء أعزّاء، وهذا ما يجعلني حريصًا على عودتهم إلى الحركة المدنية.

لنكن معًا في قائمة واحدة واسعة، وأنا واثق من أن قائمة الحركة المدنية، ولو بحد أدنى من النزاهة، ستفوز على قائمة الدولة.

جيل الوسط والانتخابات

لبعض رموز جيل الوسط منهم حسام مؤنس وآخرين تشكيلات سياسية جديدة رهن الإعداد.. فهل الحركة المدنية قادرة على استيعاب هذا الجيل في تحالفها الانتخابي المرتقب؟

جيل الوسط الحالي جيل واعد، وقد أدّى دورًا تاريخيًا، وربما جرى المبالغة في هذا الدور، ما جعله أحد الأسباب التي ارتدت سلبًا عليه. وأنا من الذين يحترمون هذا الدور، وأحرص على استمراره. وأعتقد أن محاولاتهم لإقامة كيانات جديدة هي أحد حقوقهم، إلا أنّ الحكم عليها سيكون وفق عدد من المعايير، في مقدمتها معيار أن يكونوا معارضة مستقلة أو معارضة ملتحقة وتابعة.

من سيلتحق بالسلطة منهم سيفقد جدارته بأن يكون معارضًا، أما من سيحافظ على استقلاله في رأيه وموقفه وإدارته للانتخابات، فأعتقد أنه سيكون إضافة، والحركة المدنية الديمقراطية تفتح صدرها لهم. وليس شرطًا أن يكونوا أعضاءً، ولكن يمكنهم أن يكونوا جزءًا من تحالف انتخابي معارض تدشّنه الحركة في مواجهة قائمة الدولة.

وقد بدأنا بالفعل حوارات مع الشباب وجيل الوسط، وبعضهم يشارك معنا في لجنة الانتخابات بالحركة المدنية الديمقراطية. أما من يفضّل أن يكون “متغطّيًا بالأجهزة الأمنية” في الانتخابات المقبلة، فسيصبح “عريانًا”. وأرجو ألّا يتعرّى أحد من جيل الوسط أبدًا.

الجامعات والمعارضة

هل فقدت المعارضة منفذ الجامعات خلال العقد الأخير؟ وهل أثر ذلك على روافدكم من الطلبة/ات والشباب والشابات؟

تم تجريف منابع الطلبة والشباب وجيل الوسط والكبار على السواء.

إن تجفيف وتجريف السياسة في مصر لم يستثنِ أحدًا من أي جيل أو أي اتجاه.

كانت الدولة تعلن أنها في حالة عداء مع تيار الإسلام السياسي، لكنها في الوقت نفسه تحارب من دخلوا في خصومة مع هذا التيار، رغم أن المنطق يقتضي عكس ذلك.

السلطة نفسها هي من قامت بهدم ما كان يُعرف بحلف 30 يونيو عن عمد، فلم تترك لها نصيرًا ولا ظهيرًا من أي قوى سياسية معتبرة؛ إذ طال التجريف الجميع، وضرب التجفيف الكل. ومصر الآن بحاجة إلى إعادة إحياء السياسة وفتح المجال العام والالتزام بقواعد الدستور.

من الأفضل للسلطة أن تقوم بذلك، بدلًا من مواجهة انفجار عشوائي لا يبقي ولا يذر.

سلطة لا تحترم الدستور

بعد أكثر من 11 سنة.. كيف ترى تعامل السلطات مع الدستور خاصة في ظل تعطيل البرلمان لعدد من القوانين المكملة للدستور؟

نحن أمام سلطة تحكم على نفسها بأنها لا تحترم الدستور وتقف ضد مصالح الشعب، مما يجعلها تستحق هذا الغضب المتنامي في الشارع المصري.

هذه السلطة هي الأكثر تعرضًا لغضب شعبي من كل الطبقات، باستثناء 5% من المترفين والمتخمين. هناك 95% من المصريين يعانون من الوضع الاقتصادي، ووطأة الغلاء تثقل كاهلهم بشدة، ولا أحد من هؤلاء يقف مع هذه السلطة.

يجب أن تدرك السلطة أن هذا البلد كبير وعزيز، وعليها أن تعيد النظر في سياساتها بعقلانية، فقد أوصلتنا هذه السياسات إلى حالة من الغضب الشعبي، ولن يصبر المصريون طويلًا على هذا الوضع.

لا لتعديل الدستور

ولكن البعض من الموالاة يتحدث عن أهمية تعديل الدستور مجددًا لفتح مدد الرئاسة بدعوى حفظ الاستقرار.. ما تعليقك؟

من يتحدثون عن فتح مدد الرئاسة مجددًا وتعديل الدستور يشكلون خطرًا على السلطة، وعلى الاستقرار.

سنرفض رفضًا مطلقًا هذا الاقتراح، ولن تتعرض مصر لتلك المهانة.

لا تعديل للدستور، ولا موافقة تحت أي شرط على تعديل الدستور.

هذا هو موقف أي مصري مخلص، وموقف الحركة المدنية بكل أحزابها.

ولكن هل تمتلك مصر بديلًا مدنيًا آمنًا بعد 2030؟

بكل تأكيد، تمتلك مصر بدائل مدنية آمنة، وليس بديلًا آمنًا واحدًا.

اصنعوا طريقًا للبديل المدني الآمن، لكن استمرار غلق كافة الطرق أمام تداول سلمي للسلطة يمثل خطرًا.

هناك الآلاف، وعلى الأقل المئات، من البدلاء المؤهلين لتقديم بديل مدني ناجح وموثوق يحترم مصر ومكانتها ودستورها وشعبها، ويعيدها إلى طريق السلامة بعدما شبعت من طرق الندامة.

هل يمكن أن يكون حمدين صباحي هذا البديل الآمن؟

لا.. ليس أنا بالضرورة.

هناك غيري الكثير أكثر شبابًا وحيويًة وقدرةً على استكمال هذا الطريق

إلى أين تتجه مصر؟

مصر الآن أمام نقطة الاختيار إما أن تستعيد نفسها أو تدخل في بيت الطاعة لدى نتنياهو الذي يخطط لشرق أوسط جديد. وحاشا لله وحاشا لله، أن تقف مصر في هذا الموقف، وهي أبدًا لن تقف في هذا الموقف، ولن نجعلها تقف هذا الموقف.

نقلا عن منصة فكر تاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *