أذاع التليفزيون المصرى خبر استقالة وزير الخارجية إسماعيل فهمى، يوم 17 نوفمبر 1977، احتجاجا على قرار الرئيس السادات بالسفر إلى إسرائيل، وأسرع السادات فى اليوم التالى 18 نوفمبر، مثل هذا اليوم، 1977، بتعيين «محمد رياض» وزير الدولة للشؤون الخارجية وزيرا للخارجية مؤقتا، ويكشف «فهمى» فى مذكراته «التفاوض من أجل السلام فى الشرق الأوسط»، أن محمد حسنى مبارك نائب السادات دعا «رياض»، وأخبره أنه اختير وزيرا للخارجية مؤقتا، ويؤكد: «قامت بينهما مناقشة قصيرة، غير أنه خلال ست دقائق استقال رياض أيضا، وحضر إلى منزلى فورا ليخبرنى بقراره».
كان الوقت يضيق أمام موعد زيارة السادات إلى القدس يوم 19 نوفمبر 1977، ولهذا قام فى نفس اليوم «18 نوفمبر» بتعيين الدكتور بطرس غالى وزير دولة للعلاقات الخارجية، ووزير خارجية بالإنابة، ويتذكر غالى فى كتاب «ستون عاما من الصراع فى الشرق الأوسط»، أن مبارك أبلغه بذلك، وقال له: «بهذه الصفة سوف تنضم إلى الوفد الذى يرافق الرئيس فى إسرائيل غدا السبت».
لم تنته قصة استقالة إسماعيل فهمى فور تقديمه لها، وإنما كانت هناك محاولة بذلها «السادات» للتقليل من أثرها أمام الرأى العام المحلى والعربى والعالمى، ويكشف فهمى عن هذه المحاولة قائلا: «بالرغم من قبول السادات لاستقالتى وإعلانها رسميا، إلا أنه أمر حسب الله الكفراوى وزير الإسكان، بأن يعود إلى القاهرة محاولا أن أعود معه لمقابلة الرئيس فى الإسماعيلية، ووصل الكفراوى نحو الساعة الثامنة وبيتى ملىء بالأصدقاء والمعارف، وكان الكفراوى مصرا بل كان مذعورا إلى حد ما، خاصة عندما أوضحت له أننى لن أعود معه لمقابلة السادات».
يكشف «فهمى»، أن الكفراوى استخدم حججا مختلفة فى محاولة لإقناعه بالعودة معه إلى الإسماعيلية رغم استقالته، ومن أهم هذه الحجج قوله إن رحلة السادات إلى القدس قد يكون لها عواقب محلية خطيرة جدا، وأنه قد يتم تحميله مسؤولية ما قد يحدث، قال الكفراوى لفهمى، إنه لو لم يرافق السادات فى الرحلة قد يحدث انفجار شعبى وقيام مشاكل خطيرة عند عودته من القدس، يتذكر فهمى: «لتهدئة الوزير المنفعل بعواطفه أكدت له أنه إذا قامت أى اضطرابات فإننى شخصيا سأذهب إلى الشعب مصرحا له بأن السادات كان على حق، وأنا المخطئ، وأضفت قائلا: «جرت العادة على أن تقوم الحكومة بتنظيم حفل استقبال عام عند عودة الرئيس من أى رحلة من رحلاته، وبالنسبة لهذه المناسبة فسيكون الاستقبال كبيرا وذا ضجة على شكل خاص».
يعترف فهمى، أنه اختار تقديم الاستقالة مكتوبة بدلا من قيامه بإخبار السادات بها شفهيا لثقته بأنه لو ذهب إلى الإسماعيلية لمقابلته، فإما أن يقوم السادات شخصيا أو يقوم من حوله من الناس بالضغط عليه ضغطا فظيعا للبقاء، يذكر: «خشيت أنه بسبب العلاقة الشخصية الطيبة الموجودة بينى وبين السادات، وبسبب الضغط العام أن أضطر إلى البقاء فى النهاية والذهاب معه إلى القدس».
يرى «فهمى» أن استقالته خلقت مشاكل للسادات تتحدى حكمة قراره فى عيون أبناء وطنه وفى الخارج، ويقول: «لمفاداة هذا التأثير السيئ أراد أن يذهب معه إلى القدس أكبر عدد من الشخصيات المصرية، ولم تكن هذه هى العادة لأنه لم يكن ليصطحب وفدا كبير العدد إذا ما سافرنا معا للخارج فى زيارات رسمية، وذهب إلى مدى أبعد بإرساله طائرة خاصة لإحضار بعض المصريين الرسميين، وبعض من رجال الصحافة الذين كانوا خارج البلاد فى ذلك الوقت، وعرض بعض أفراد الوفد خدماتهم وعثمان أحمد عثمان مثال على ذلك، والدكتور مصطفى خليل الذى أصبح رئيسا للوزارة فيما بعد، انتهز هذه الفرصة وعرض أن يصاحبه فى هذه الرحلة».
يكشف فهمى، أنه بعد عودة السادات من القدس أرسل لى رسولا خاصا هو المهندس عثمان أحمد عثمان الذى كانت له بالسادات علاقة فريدة ومتنوعة الأشكال، وزارنى ثلاث مرات وحاول بشدة إقناعى بمصاحبته ومقابلة السادات، وبكل ثبات رفضت التماسه ومناقشاته، ولما استمر عثمان فى ضغطه بقوة أخذته على غرة مصمما أنه على السادات شخصيا أن يحضر ويزورنى خاصة بعد رحلته إلى القدس، واندهش عثمان وحاول تذكرتى بأن السادات رئيس الجمهورية، فقلت له: «أنا واعى تماما لهذه الحقيقة»، غير أنى ذكرت عثمان فى نفس الوقت بأنه كثيرا ما زارنى السادات، وزيارتى الآن أقل ضررا خاصة بعد زيارته لبيجين «رئيس وزراء إسرائيل».
يؤكد فهمى: «بعد مرور نحو سنة، تحدث السادات مع وزير الخارجية محمد إبراهيم كامل، ليخبره عن رغبته فى تعيينى مستشارا سياسيا له»، يضيف: «جميع هذه المجهودات لم تغير شيئا من تفكيرى، فاستقالتى لم تكن بسبب قرار بسيط أو تعود إلى أسباب شخصية، ولكنها نتيجة لاختلاف رهيب فى الرأى حول قرار سياسى لا يمكن التوفيق فيه».
نقلا عن اليوم السابع