د. محمد السعيد إدريس
من الصعب تصور أن الزيارة المفاجئة التي قام بها الرئيس السوري بشار الأسد لموسكو، والتقى خلالها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الكرملين، والتي أعلن عنها يوم الأربعاء (24 يوليو/تموز الفائت) أنها محض مصادفة. فحوى اللقاء بين الرئيسين لم يعرف عنه إلا القليل، مما جرى تعمد تسريبه على لسان كبار المسؤولين الروس، لكن أبرز ما جرى نقله من معلومات حول هذه القمة الثنائية تَرَكَّز حول قضيتين؛ الأولى تخص الأهمية التي تعطيها روسيا لإذابة الجليد بين سوريا وتركيا، والدفع قدماً بعقد قمة بين الرئيسين السوري بشار الأسد والتركي رجب طيب أردوغان، في الوقت الذي ترفض فيه الولايات المتحدة أي تقارب تركي مع سوريا في الوقت الحاضر، ورهن ذلك بانصياع الحكومة السورية للاستجابة للمطالب الأمريكية، وخاصة ما يتعلق منها بانخراط دمشق في الدفع باتجاه حل «الأزمة السورية» عبر القرارات الدولية، وخاصة ما صدر عن لقاءات جنيف الخاصة بتلك الأزمة.
أما القضية الثانية فهي توقعات موسكو بتطورات أمنية خطيرة ستهدد الاستقرار الإقليمي، وربما تكون سوريا أحد أهدافها، ضمن التداعيات المحتملة للهروب الإسرائيلي من التسليم بما نصت عليه مبادرة الرئيس الأمريكي جو بايدن التي تتعلق بإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية ووقف إطلاق النار في غزة.
المتحدث باسم الكرملين ديمترى بيسكوف تهرب من الإجابة في مؤتمر صحفي بعد قمة بوتين – الأسد، عن أسئلة تتعلق بالوساطة الروسية بين سوريا وتركيا لانعقاد لقاء القمة المنتظر بين الرئيسين الأسد وأردوغان، سواء ما يخص موعد هذا اللقاء أو مكانه، وما إذا كانت روسيا قد عرضت استضافة هذا اللقاء، واكتفى بالقول إن الزعيمين «تبادلا، على نطاق واسع، وجهات النظر بشأن جميع الموضوعات المتعلقة بالوضع في المنطقة المحيطة بسوريا»، وأضاف: «تم التطرق إلى العديد من الموضوعات التي ذكرتها بشكل أو بآخر.. هذا هو ما بوسعي أن أقوله».
يفهم من هذا الغموض بخصوص اللقاء المنتظر بين الأسد وأردوغان أن الرئيس السوري مازال عند موقفه ومطالبه الخاصة بهذا اللقاء، رغم ما قد أبداه في الأسابيع الأخيرة من «ليونة» واستبدل الحديث عن «شروط سوريا» إلى «مطالب سوريا» وبالتحديد ما يخص ضرورة الانسحاب التركي المسبق من الأراضي السورية، أو ما كانت دمشق تقوله ب «ضرورة إنهاء الاحتلال التركي» للأراضي السورية، إضافة إلى وقف تركيا دعمها للمعارضة السورية.
القضية الثانية الخاصة بالتحذيرات الروسية من مخاطر أمنية إقليمية ربما تطال سوريا، عبّر عنها الرئيس بوتين في حديثه المباشر مع الرئيس بشار الأسد ومخاطبته بقوله: «أنا مهتم للغاية برأيك حول كيفية تطور الوضع في المنطقة ككل.. للأسف هناك ميل نحو التصعيد.. يمكننا أن نرى ذلك. وهذا سيؤثر بشكل مباشر على سوريا». هذه التحذيرات تأكدت مصداقيتها بعد أقل من أسبوع، امتداداً لما تضمنه خطاب بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية أمام الكونغرس الأمريكي (الأربعاء 2024/7/24) أي في نفس يوم التقاء بوتين مع الأسد في موسكو، خاصة تهديدات نتنياهو بتوسيع الحرب ضد «حزب الله» ولبنان، ونفى أي نية للانسحاب من غزة، أو وقف القتال قبل تحقيق النصر الكامل، وتأكيده بأنه «لا تسوية في الأفق.. والحرب مستمرة»، ووضعه الحرب في غزة ضمن سياق «الحرب ضد الوحشية»، ولذلك فإن هذه الحرب «هي حرب الولايات المتحدة.. وانتصار القوات الإسرائيلية انتصار للأمريكيين». وبعد ثلاثة أيام فقط وقعت حادثة الصاروخ الذي وقع على مدينة «مجدل شمس» في الجولان السوري المحتل، وأودى بحياة عدد من القتلى، إضافة إلى الجرحى، حيث سارعت إسرائيل لاتهام «حزب الله» بالمسؤولية عنه، ورفض أي نفي من «حزب الله» عن إطلاق هذا الصاروخ، والبدء في إطلاق تهديدات «الانتقام». حدث ذلك في الوقت الذي كانت فيه القناة «14» العبرية قد نشرت أن «نتنياهو حصل على موافقة أمريكية لشن عملية ضد لبنان وذلك قبل حادثة مجدل شمس».
ليس مصادفة أن تقع حادثة صاروخ «مجدل شمس»، وما يعنيه ذلك من مخاطر نشوب حرب إقليمية، في ظل تأكيدات إيرانية بالتدخل. «وليس مصادفة أن تأتي هذه المخاطر غداة تحذير الرئيس بوتين بعد لقائه الأسد ثم مندوب روسيا في مجلس الأمن من توسع الحرب ضد سوريا، وها هي تصل في بدايتها إلى الجولان السوري.
المؤكد أن القيادة السورية تعي هذه المخاطر أو ربما يكون هذا الوعي دافعاً ومحفزاً لتسريع وتيرة التقارب مع تركيا وتيسير فرص اللقاء المنتظر بين الرئيسين السوري والتركي. حيث أفادت مصادر تركية (الأحد 2024/7/28) بأن اللقاء المرتقب قد يعقد عند «معبر كسب» الحدودي في يوم من أيام شهر أغسطس/آب الجاري، وليس في نهاية العام كما توقع دبلوماسيون أتراك، بما يفيد بأن «تحذير» الرئيس بوتين قد وصل بدقة للرئيس الأسد، وأن المخاطر الإقليمية ربما تسرّع التقارب السوري مع تركيا.
نقلا عن الخليج