ناصر قنديل يكتب: سورية بين التدمير والتقسيم

 ناصر قنديل

– إذا كان نظام البعث والرئيس بشار الأسد قد حُسم وأُخرج من الصورة، لصالح مشهد جديد في سورية، فإن سورية الجديدة تتمّ صياغتها بالحديد والنار، حيث مئات الغارات الإسرائيلية تستهدف كل عناصر القدرة التي بناها السوريون عبر عشرات السنوات، وحيث الكثير منها تم بناؤه بعقول سورية وفي مصانع سورية، مثل القدرة الصاروخية الاستثنائية التي شكّلت مورد تسلّح كل قوى المقاومة في لبنان وفلسطين خصوصاً، ويتم تدمير مراكز البحث العلمي والمستودعات والمصانع، ومعها يجري تدمير المطارات والطائرات ورادارات الدفاع الجوي والسفن الحربية، دون أن ينبس أحد ببنت شفة. فالحديث يجري في الإعلام والسياسة حول تفاصيل أشخاص وتوازنات السلطات الجديدة، ويجري وضع ملف السجون خبراً عاجلاً بالخط الأحمر الى حين انتهاء عمليات التدمير المنهجي.

– بالتوازي قام رئيس حكومة الاحتلال بتحديد دفتر شروط الكيان لقبول التساكن مع المشهد الجديد، بالقول إن ضمّ الجولان المحتل نهائيّ ولا تراجع عن ذلك، والمدى الأمني الحيوي لحركة جيش الاحتلال يقرّره جيش الاحتلال، ويترجم ذلك عملياً بالدخول إلى جبل الشيخ والمنطقة العازلة، ثم عبر إرسال دوريات جيش الاحتلال الى سهل درعا، وقرى جنوب سورية، لكن ما يتحدث عنه كثيرون من الخبراء والمسؤولين في الكيان يذهب الى أبعد من ذلك، ويتحدّث عن خط أحمر اسمه الكيان الكردي شمالاً ويعتبر أن تقاطعاً أميركياً إسرائيلياً قائماً على هذه النقطة، ومع متغيرات سورية لم يعد الانسحاب الأميركي منها وارداً بل ربما صار الانسحاب الروسيّ هو المطروح. وفي هذه الحالة سيكون طبيعياً ربط حزام الأمن الجنوبي الذي يقيمه الكيان بدويلة الشمال الكردية عبر منطقة التنف حيث القواعد الأميركية، ليتمّ إنشاء ممر داوود الذي يتحدّث عنه الإسرائيليون مؤخراً.

– بعد شهر أو شهرين او عدة شهور، سوف يكون في سورية مشهد سياسي جديد، وسوف يكون على المعنيين بالحكم الجديد الإجابة عن أسئلة بعيدة عن البروباغندا التي تقتضيها لحظة نشوة نصر لا يعلم أحد ما إذا كان انهياراً أوقع الحكم بين أيديهم. وأول وأهم هذه الأسئلة هو مصير الجولان من جهة ومصير وحدة الأراضي السورية من جهة مقابلة، إضافة إلى السؤال العقائدي الطبيعي الذي سوف تواجهه الجماعات الوافدة إلى الحكم بعناوين إسلاميّة عن موقفها من قضية فلسطين والصراع فيها وعليها وحولها، وسوف يكون من الصعب توقع أن تستطيع السلطة السورية الجديدة التمرّد على الشروط الأميركية الإسرائيلية لوصولها الى الحكم وإزالة تصنيفها عن لوائح الإرهاب ورفع العقوبات عن سورية، بحيث تواجه خطر انهيار مشابه لانهيار النظام الذي تحتفل بالانتصار عليه، أو تقبل بالتنازل عن سيادة سورية ووحدة أراضيها التي رفض قبولها.

– التغوّل الإسرائيلي من البوابة السوريّة يحتاج تاريخياً الى جسر عبور نحو إيران وتركيا ليصبح سيد الشرق الأوسط الجديد. وهذا ما يوفره الجسر الكردي، ولذلك لا تنازل عنه، ولذلك ستواجه تركيا والعراق بداية ثم إيران مشروع إنشاء دولة كردية تفرض تفتيت وحدة الدول الثلاث، كما يحتاج الكيان إلى جسر عبور الى النسيج اللبناني لمحاصرة المقاومة وفتح طريق التفتيت والفتن. وهذا ما يحاول فعله عبر الاستثمار في ما يسمّيه الخصوصية الجنوبية، وإعادة إحياء مشروع الدويلة الدرزية، رغم الفارق بين الحالتين حيث الأغلبية الدرزية متمسكة بوحدة سورية والأغلبية الكردية متمسكة بإقامة دولة انفصالية.

– زلزال الشرق الأوسط الجديد منح بنيامين نتنياهو خشبة خلاص لم يكن يتوقعها، وقد فاجأ على الأرجح كل الذين يعتقدون أنهم حلف الرابحين داخل سورية وخارجها، كما فاجأ حلف الخاسرين داخل سورية وخارجها، ولذلك ظهر نتنياهو يتحدّث براحة عن فرضية اتفاق في غزة، وبأريحيّة في تحدي المحكمة في القضايا المرفوعة ضده، وقد بدأ يشعر أن بقاءه ضرورة إسرائيلية لتجاوز المأزق الوجودي الذي أنتجته حربا غزة ولبنان، فيقول إن “اسرائيل” باقية إلى الأبد.

نقلا عن البناء

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *